ما سر زيادة إقبال الرجال على تناول اللحوم مقارنة بالنساء ؟

في عام 2012، بُث إعلان لمطعم “ماكدونالدز” في التليفزيون الصيني، يبدأ برجل يحمل عروسه، ثم تتوالى اللقطات التي تظهر رجالا يؤدون أعمالا تكشف عن القوة والشجاعة، واختتمت بلقطة لرجل يأكل شطيرة برغر، التي أطلق عليها المعلق “علامة على الرجولة”.

وأبرز هذا الإعلان الصورة النمطية السائدة عن ارتباط تناول اللحوم بالذكور. والعجيب أن هذه الصورة تحمل شيئا من الصحة. إذ تشير الإحصاءات إلى أن عدد النباتيين الذكور أقل بمراحل من نظرائهم النساء في معظم بلدان العالم. وخلص استطلاع للرأي في الولايات المتحدة شارك فيه 11 ألف شخص، إلى أن الرجال يمثلون 24 في المئة فقط من النباتيين.

وبينما يجري الترويج للنظام النباتي عبر شخصيات بارزة، مثل الممثلة ناتالي بورتمان، والمطربة مايلي سايرس، ولاعبة التنس فينوس ويليامز، والمطربة أريانا غراندي، والمطربة إيلي غولدينغ، والعالمة جين غودول والأميرة بياتريس، والمطربة بيونسيه، فإن عدد المشاهير الذكور الذين يروجون للنظام الغذائي النباتي أقل كثيرا.

وقيل إن المطرب موريسي حظر على أعضاء فريقه “سميث” الظهور في الصور وهم يتناولون اللحوم. لكن ما سر انخفاض نسبة الذكور بين النباتيين؟

واسترعت ظاهرة زيادة أعداد النساء النباتيات مقارنة بالرجال انتباه علماء النفس منذ عقود، وطرحوا لها تفسيرات عديدة. افترض بعضهم أن انخفاض أعداد النباتيين الذكور يرجع إلى فكرة “تهديد الرجولة”، أي أن قلق الرجل الدائم من أن يفقد مكانته الذكورية قد يدفعه للبحث عن الفرصة لإثبات رجولته.

ويقول ستيفن هين، عالم النفس بجامعة بريتيش كولومبيا، إن اللحوم كانت منذ قديم الأزل ترتبط بالمخاطر، لأنك لا تحصل عليها إلا بالمطاردة، وارتبطت أيضا بالمكانة الاجتماعية، لأنها طعام مميز، وكان الرجال في المجتمعات الأبوية يستأثرون بها لأنفسهم.

وساهمت الحملات الإعلانية في ترسيخ الصورة النمطية لارتباط اللحوم بالذكور، منذ القرن التاسع عشر. فبعد أن غدا خروج النساء بمفردهن إلى المطاعم مقبولا اجتماعيا، تنافست المطاعم ووكالات الإعلانات لجذب النساء، وأخذت تنسب بعض الأطعمة إلى الرجال وبعضها للنساء. وكانت السلطات والحلوى من نصيب النساء، بينما كانت اللحوم من نصيب الرجال.

ولا نزال في الواقع نتوارث هذه الأفكار من جيل لآخر.

وخلصت دراسة أجرتها مارغريت توماس، أخصائية نفسية بكلية إيرلهام بولاية إنديانا، إلى أن الناس ينظرون إلى النباتيين على أنهم أقل رجولة من غيرهم، إذا اختاروا النظام الغذائي النباتي بمحض إرادتهم.

لكن هناك أسبابا أيضا تتعلق بالنساء، إذ خلصت أبحاث إلى أن النساء أكثر رحمة بشكل عام من الرجال، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالحيوانات.

وتؤيد ذلك بيانات تشير إلى أن النساء يشكلن نحو 75 في المئة من أعضاء جماعات حقوق الحيوان. وفي أربعينيات القرن الماضي طالبت مناصرتان بارزتان لحقوق المرأة في الولايات المتحدة بإعطاء الحيوانات حقوقا رسمية.

وفي عام 2018، أجرت كارولين سيملر أبحاثا عن قدرة المرأة على التعامل مع ما أطلقت عليه “معضلة اللحوم”، التي عرّفتها بأنها “أن يزعم الناس أنهم يحبون الحيوانات لكنهم لا يجدون غضاضة في تناولها”.

وقسمت سيملر المشاركين في الدارسة إلى مجموعتين وطلبت منهم اختيار طبق اللحم الضأن الذي يروق لهم، ثم قدمت لهم بعض المعلومات.

وبينما طلبت من المجموعة الأولى قراءة معلومات عن القيم الغذائية لوجباتهم، فإن المجموعة الأخرى قرأت معلومات تفصيلية عن طرق تربية الماشية وذبحها، واستطلعت آراء كل فرد من المجموعة قبل الدراسة وبعدها.

وتقول سيملر، إن معظم النساء شعرن بتأنيب الضمير بعد قراءة معلومات تذكرهم بالعلاقة بين الحيوانات واللحوم، بينما لم يبد الرجال أي تأثر. وفي نهاية الدراسة تراجعت رغبة النساء في تناول اللحوم بينما زاد شغف الرجال بتناولها.

وأبدى بعض المشاركين الذكور رد فعل قويا حيال الدراسة، وذكروا أنهم سيتناولون المزيد من اللحوم خشية أن يكون الهدف من هذه الدراسة حثهم على تخفيض استهلاكها. وقال أحد المشاركين “أخشى أن يحاول بعض المجانين حظر اللحوم، وقد يكون من الأفضل أن استمتع بتناول أكبر قدر منهما قبل منعها”.

وقد يرجع ذلك إلى اختلاف الأساليب التي ينتهجها كل من الرجال والنساء عند التعامل مع معضلة اللحوم. وأشارت دراسة أجراها هانك روثغربر، من جامعة بيلارمين بولاية كنتاكي، إلى أن النساء يتعاملن مع هذه المعضلة بأساليب التجنب والتناسي، أي يتحاشين الربط بين اللحوم والحيوانات.

وخلصت دراسة سيملر إلى أن الرجال بشكل عام يتعاملون مع معضلة تناول لحوم الحيوانات التي يحبونها بإنكار الألم الذي يشعرون به أو تبرير ذلك بأن اللحم مهم للصحة، والاستشهاد بالهرم الغذائي في الطبيعة.

ولهذا لم يكن من المستغرب أن تأنف المشاركات من تناول اللحوم بعد قراءة المعلومات عن الذبح لأنها أثرت على آلية التعامل مع تناول اللحوم، في حين أن الرجال أصروا على مبرراتهم المعتادة وتناولوا المزيد من اللحوم.

وتقول سيملر إن نتائج دراستها تتطابق مع ما توصلت إليه الأبحاث السابقة عن طرق تعامل الرجال والنساء مع السلوكيات المتعارضة مع معتقداتهم. وبينما ينزع الرجال إلى الهجوم، فإن النساء يحاولن تغيير سلوكياتهن ويعترفن بمسؤوليتهن.

وبحسب “هيئة الإذاعة البريطانية”، عندما تصادف النساء على سبيل المثال بعض السلوكيات غير الصحية، مثل تدخين السجائر، ويتذكرن أنهن مارسنها في الماضي، فإن بعضهن يكن أكثر استعدادا لتغيير آرائهن وسلوكياتهن مقارنة بالرجال.

وأخيرا أشار البعض إلى أن اللحوم تغذي فكرة الهيمنة الاجتماعية، إذ يُقبل الرجال على تناول اللحوم لأنها تشعرهم بقوتهم وتفوقهم عندما يتذكرون أنها مأخوذة من الحيوانات، وأنهم أقوى منها.

وخلص استطلاع للرأي أجراه طلاب إحدى الجامعات الأمريكية إلى أن استهلاك اللحوم يزيد في المجتمعات التي تفضل الأنظمة الطبقية.

وأجريت دراسة مشابهة في الثمانينيات من القرن الماضي، لمقارنة هياكل السلطة بمئات الثقافات التي يعتمد نظامها الغذائي على اللحوم أو المصادر النباتية. وخلصت الدراسة إلى أن المجتمعات التي تعتمد على اللحوم كان يسودها النظام الأبوي، في حين أن نظيرتها التي تستمد غذاءها من مصادر نباتية، كانت تسودها المساواة.

وقد يرجع ذلك إلى أن النساء اللائي يجمعن الثمار في المجتمعات الزراعية ساهمن في بناء مجتمعات تسودها المساواة.

وترى سيملر أن ارتفاع أعداد النساء النباتيات مقارنة بالرجال قد يرجع إلى عوامل عديدة منها أن النساء أكثر تعاطفا من الرجال مع الآخرين، واختلاف الأساليب التي يتبعها الجنسان للتغلب على معضلة تناول اللحوم، وشعور الرجال بأن أطباق الخضروات تمثل تهديدا للرجولة التي يحرصون على الحفاظ عليها.

وعلى الرغم من تزايد أعداد الأشخاص الذين قرروا الاستغناء عن تناول المنتجات الحيوانية في العالم، إذ زاد عدد النباتيين في الولايات المتحدة بنسبة 60 في المئة من عام 2014 إلى 2017، إلا أن أعداد النساء النباتيات لا تزال أعلى من أعداد نظرائهن الرجال بمراحل.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها