ألمانيا : محكمة نورنبيرغ الشهيرة بمحاكمة مجرمي النازية تنظر آخر قضاياها قبل أن تتحول لمتحف

قد تكون الغرفة رقم 600 بمحكمة مدينة نورنبيرغ الألمانية هي الأكثر شهرة في العالم، حيث مر عليها قرن من التاريخ القضائي بألمانيا يتردد صداه بين ثنايا جدرانها المغطاة بالألواح، غير أن هذا الفصل من التاريخ يؤذن الآن بإغلاق صفحاته.

وبعد أن نظرت المحكمة مؤخراً آخر قضية تقام فيها تحولت الآن إلى متحف، وذلك كجزء من ذاكرة نورنبيرغ لمحاكمات مجرمي الحرب التي أجريت عام 1945، عندما أسدلت الحرب العالمية الثانية أستارها.

وأجريت في قاعة هذه المحكمة الكائنة بولاية بافاريا محاكمات كبار قادة النازي، ومن بينهم هيرمان غورنغ قائد سلاح الطيران ومؤسس الجهاز السري “الغستابو”، ورودلف هيس نائب هتلر، ويواخيم فون ريبنتروب وزير الخارجية، والأدميرال كارل دونتيز قائد البحرية وخليفة هتلر لوقت قصير بعد انتحاره.

وتم وضع 24 من أهم قادة النازي،الرايخ الثلث، العسكريين والسياسيين داخل قفص الاتهام بمحكمة نورنبيرغ في 20 تشرين الثاني 1945، وقام مهندسون أمريكيون ببناء قفص اتهام أعد خصيصاً لهذه المحاكمات، وتردد أنه تم تصميم المقاعد التي يجلس عليها المتهمون بشكل يجعلهم يشعرون بالضيق كلما جلسوا عليها لفترة أطول.

وتم تشكيل “المحكمة العسكرية الدولية” خصيصاً لمحاكمات نورنبيرغ، وأصدر قضاة من الدول الأربع المتحالفة في الحرب أحكاما بإدانة 12 من قادة النازي.

ومع ذلك فبخلاف هذه المحكمة العسكرية، أصدرت محكمة نورنبيرغ أحكاماً تحت 4 أشكال مختلفة من الحكومات، وقليلة هي محاكم العالم التي شهدت مثل هذا التنوع من الأنظمة السياسية والقضائية.

فقد افتتح ملك بافاريا لودفيغ الثاني المحكمة عام 1916، واستخدمت كغرفة للمحلفين أثناء حكم جمهورية فايمار، وفي عام 1925 وفي قضية أصبحت شهيرة، تم استدعاء أدولف هتلر كشاهد في قضية قذف، بعد أن أقام عمدة نورنبيرغ، هيرمان لوبه، دعوى قضائية ضد يوليوس شترايشر ناشر صحيفة “ذي شتورمر” الشعبية المعادية للسامية.

واستخدم النظام النازي المحكمة في وقت لاحق لأغراضه، كواحدة من المحاكم الخاصة التي بلغ عددها 70 كان يتم فيها إدانة الخصوم السياسيين.

واشتهرت الغرفة 600 بالمحكمة وقتذاك بأنها تصدر فيها أحكام قاسية، حيث صدر فيها 80 حكماً بالإعدام وتم وصف رئيس المحكمة أوزوالد روثاوغ بأنه “سياف”، كما أنه أصدر حكما بإعدام بولندي كان يتم تشغيله قسراً واصفاً إياه بأنه يحتل مكانة أدنى من الناحية العرقية، كما أصدر حكما في وقت لاحق بإعدام يهودي مسن لتحديه قوانين “النقاء العرقي” حيث اتهم بإقامة علاقة مع امرأة ألمانية.

وتمر الأيام ويمثل القاضي روثاوغ نفسه للمحاكمة في ذات الغرفة رقم 600 عام 1947 في إطار محاكمات نورنبيرغ، وصدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واشتهرت قضية محاكمته بعد أن دار حولها فيلم أمريكي أنتج عام 1962 تحت اسم “الحساب في نورنبيرغ”.

وظلت ذكريات هذا الفيلم ماثلة في الأذهان، فمثلا سألت امرأة مسنة أثناء جولة لها داخل غرفة المحكمة، “أين جلس الممثل سبنسر تراسي؟”، وقام تراسي بدور القاضي دان هايود في أحد الأفلام العديدة التي دارت حول الغرفة رقم 600.

وبعد محاكمة مجرمي الحرب استخدمت المحكمة لنظر قضايا تتعلق بمجرمين عاديين، اتهموا بالقتل والاغتصاب بمقتضى النظام القضائي لجمهورية ألمانيا الفيدرالية.

وتمتد غرفة المحكمة على مساحة 246 مترًا مربعًا بحجم شقتين واسعتين، ويبلغ ارتفاع سقفها 6.7 أمتار بما يفوق ارتفاع أي صالة مغطاة للألعاب الرياضية، غير أنها بعد وحدة الألمانيتين لم تعد تشبه كثيراً الغرفة الشهيرة لمحاكمات عام 1945.

وعلى الرغم من مزيد من التجديدات التي أدخلت عليها في الستينيات من القرن الماضي، ورغم المحاولات العديدة لتحديثها لم تصبح الغرفة رقم 600 قاعة محكمة عصرية.

وتقول القاضية باربارا ريختر زينينغر، رئيسة المحكمة، إن لديها مشاعر مختلطة حول الغرفة رقم 600، وتشير إلى أن المنظر العام لها بما فيها الحجرة المخصصة للمداولة بين القضاة تعد فريدة من نوعها.

وتضيف أنه من ناحية أخرى تثير غرفة المحكمة التاريخية مشاعر الرهبة مما يمثل عيباً، وتقول إن “الغرفة تؤثر في بعض الشهود”، بينما يشعر المتهمون الذين يقفون داخل القفص بأن الغرفة مخيفة وتؤثر بشدة على حالتهم النفسية.

ومن بين الغرائب الأخرى فيها، هي أنه بسبب معمارها لا تسمح الغرفة بأن يجلس محامي الدفاع بجوار موكله، وفي هذه الحالة يجب الحصول على ترتيب استثنائي يتطلب إذناً خاصاً بمقتضى القانون الألماني.

وسيتم تخليد جميع الأحكام التي صدرت في الغرفة رقم 600 سواء كانت عادلة أم ظالمة على حد سواء داخل متحف، ويأمل السياسيون أن يصبح ذلك المتحف ذات يوم من مواقع التراث العالمي.

ولكن ما هي آخر قضية نظرتها القاضية ريختر زينينغر في الغرفة رقم 600 قبل أن تتحول إلى متحف؟، كانت محاكمة رجل اتهم بمحاولة قتل زوجته، وهي جريمة وحشية على الرغم من أنها تتوارى إذا ما قورنت بالمحاكمات التي وضعت هذه المحكمة في مكانتها التي يذكرها التاريخ. (DPA)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها