باب كنيس يهودي يتحول إلى قطعة فنية في ألمانيا بعد هجوم يميني متطرف
ما تزال آثار طلقات الرصاص واضحة للعيان، تحيطها شظايا خشبية مدببة، ومع هذا ما يزال الباب المؤدي إلى مدخل الكنيس اليهودي صامدا قويا برغم الثقوب الناتجة عن هجوم نفذه يميني متطرف.
وكان نحو 50 شخصًا يتواجدون في الكنيس اليهودي بمدينة هاله، شرقي ألمانيا في 9 تشرين الثاني الماضي، عندما أطلق مهاجم النار على الباب، وألقى عبوات ناسفة.
لم يجذب أي باب في ألمانيا مثل هذا القدر من الاهتمام خلال الأشهر القليلة الماضية، لقد صد هذا الباب، المتطرف المدجج بالسلاح ستيفان بي عن اقتحام دار العبادة اليهودي. وحال دون وقوع حمام دم فيما كان هناك نحو 50 مصلياً بالداخل.
وبعدما أخفق المتطرف ستيفان في الدخول إلى الكنيس، قتل امرأة تبلغ من العمر 40 عاما بالرصاص في الشارع، وشابا يبلغ من العمر 20 عاما في مطعم “كباب” قريب. كما أصاب زوجين بإصابات خطيرة خلال فراره.
البعض يتحدث في ألمانيا عن “معجزة هاله”، أو حتى بلغ الأمر إلى إطلاق لقب “المقدس” على الباب، وهم يتحدثون عما كانت ستؤول إليه الأمور يوم التاسع من أكتوبر، الذي يوافق عيد الغفران اليهودي.
تقف ليديا إيديل قرب الباب، مرتدية معطفا أصفر زاهيا، وسط كآبة يوم شتوي غائم. تقول الفتاة التي تبلغ من العمر 18 عاما “أحيانا يأتي البعض وينتزعون شظية خشبية من الباب. إنهم يعتقدون إنه يجلب الحظ والأمان”.
سوف يتم استبدال الباب قريبا، إلا أنه لن يُلقي جانبا ببساطة، بل سيتم إعادة تجميله بشكل فني تمهيدا لعرضه للمشاهدة.
تقول إيديل، المنحدرة من مدينة هاله والناشطة منذ فترة طويلة في المجتمع الفني بالمدينة، وهي المسؤولة أيضا عن المشروع: “سيكون المشروع عملا تفاعليا بين كل الأشخاص المرتبطين بالحادث، مما سيقوي أواصر المجتمع. كما سيتم إشراك الأطفال للمساعدة بالمشروع”.
وتم بالفعل إنجاز ساعات من التخطيط للعمل الفني. وتوضح إيديل أن “الفن لا يمكن إبداعه في التو. إنه وليد عملية متكاملة”. ولا تزال بقية العناصر كالموقع والمواد والتكوين في مرحلة التطوير.
وتقول إيديل “لكن المعنى من وراء القطعة واضح: “الحياة والأمن”.
وحتى إذا كان لدى إيديل صورة ذهنية عما سيبدو عليه الباب في شكله الفني النهائي، فإنها رفضت الإفصاح عن أي تفاصيل. فتقول الفتاة التي مازالت طالبة بالمدرسة “نريد أن نكشف النقاب عنه خلال الذكرى السنوية”.
ويرى المؤرخ الفني من جامعة هاله أولاف بيترز أوجه تشابه مع نصب ستولبرشتاين، الذي يتكون من أحجار تذكارية بلوحات نحاسية صغيرة لتخليد أسماء ضحايا النازية عبر أنحاء ألمانيا، وفي البلدان الأخرى.
ويقول بيترز إن فكرة تشييد نصب ستولبرشتاين نبعت أيضا من الرغبة في جذب الانتباه إلى جرائم الماضي باستخدام أسلوب استعارة محدد.
ويوضح المؤرخ الفني قائلا: “بالنسبة لى، فإن ستولبرشتاين نموذج ناجح للفن الهادف إلى التأمل والتفكير(الذي يهدف إلى تقديم غذاء للعقول) من خلال إبراز الأماكن التي شهدت أحداثا تاريخية”.
كما أشار إلى مشروعات سابقة لكل من جوزيف بويز وجوكين جيرز وميسكا كوبال الذين تناولوا النازية في أعمالهم خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ويقول بيترز “هذه المشروعات يمكن اعتبارها محاولة للتكيف مع الصدمة وتقبل هويتنا، وفي الوقت نفسه ندرك جرائم شعبنا، ومجتمعنا”.
يقول بيترز إن هناك نماذج كثيرة لعمليات تخليد فنية لأحداث رهيبة. فنانون من أمثال فرانسيسكو جويا وبابلو بيكاسو أو أوتو ديكس صنعوا أعمالا شهيرة معروفة عالميا من هذا القبيل.
ويضيف بيترز قائلا ” بالطبع، في هذه الحالة، يتعين على المرء التمييز بين مشروع على غرار باب الكنيس اليهودي، النابع كرد فعل فوري، والأعمال الفنية المرئية شديدة التعقيد في وقت ما”.
وتقع ورشة عمل إيديل في قبو مبنى المجتمع اليهودي التابع للمدينة، على بعد كيلومترين تقريبا من الكنيس اليهودي. وتصطف زجاجات كبيرة من دهانات الأكريليك على الطاولة مع فرشات مرصوصة قربها.
وتعمل حاليا إيديل على لوحة جدارية للحدائق البهائية التي تقع في مدينة حيفا الساحلية.
وتعطي إيديل حصصا دراسية فنية للأطفال، كما رسمت الكثير من اللوحات على جدران مبنى مقر الجالية اليهودية. ورغم سرية تفاصيل معينة حول مشروع باب الكنيس، إلا أن إيديل صرحت بأمر واحد: “يمكنني أن أخبرك أنه سيرتبط بشكل كبير بالأخشاب”.
وتوضح الفنانة ذات الـ 18 ربيعا قائلة “الناس يشيخون مع الأشجار، إنها(الأعمال الفنية) ترمز إلى دوام الحياة والنمو والاستمرارية”. (DPA)[ads3]