هل ألمانيا مستعدة للتعليم الرقمي في ظل إغلاق المدارس بسبب فيروس كورونا ؟
تسبب القلق من انتشار فيروس كورونا في غلق المدارس في ألمانيا و عدة دول أخرى. يضطر التلاميذ للجلوس في المنزل وحضور دروسهم عبر شبكة الانترنت. لكن الأمر لا ينجح مع الجميع، فهل ألمانيا جاهزة للتعليم عن بُعد؟
يجلس نيكلاس، الطالب بالصف التاسع في إحدى مدارس برلين، منذ أيام في منزله بعد إغلاق مدرسته ضمن خطة برلين للسيطرة على انتشار العدوى بفيروس كورونا. نيكلاس وزملاؤه ليس في عطلة، فعليهم أداء الواجبات المنزلية الآن عبر شبكة الإنترنت، حيث أرسلت المدرسة لكل طالب بيانات لتحميل برنامج “مايكروسوفت 356 للتعليم” على الحواسيب الخاصة بهم.
تعاملت المدرسة مع الأمر وكأنه من المسلم به أن كل طالب يمتلك كومبيوترا واتصالا بشبكة الإنترنت في منزله، وأن جميعهم يجيدون استعمال البرامج المستخدمة في التعليم الرقمي. فهل هذا صحيح؟
يقول نيكلاس إن الأمر لم ينجح مع الجميع:” لم يستطع الجميع تسجيل الدخول للبرنامج في أول يوم. فالأمر حدث بمنتهى السرعة بدون شرح للخطوات، وظهرت العديد من المشاكل التقنية”. بالإضافة إلى ذلك لا يمتلك كل طالب الأدوات اللازمة في المنزل لضمان سير العملية التعليمية بسلاسة.
خبيرة التعليم الرقمي بمعهد “mmb” في مدينة إيسن الألمانية يوليا هنزه لا تستغرب عدم نجاح الأمر. فبحسب قولها تُعد ألمانيا من أسوأ الدول الأوروبية في مجال التعليم الرقمي. وتضيف بالقول: “توجد بالطبع العديد من المحاولات للحاق بالركب الآن، لكن لن ينجح الأمر في هذا الوقت القصير حيث إننا لم نكن مستعدين منذ البداية كدول أخرى مثل فنلندا وإستونيا والسويد وغيرها”، مشيرة إلى دراسة صادرة عن “مركز دراسة السياسات الأوروبية” قيمت الدول الأوروبية فيما يتعلق بالتعليم الرقمي. فشبكة الإنترنت في ألمانيا ضعيفة أو بطيئة في العديد من المناطق، كما أن أغلب المعلمين غير مدربين على تقنيات التعليم الرقمي.
يقول كارل، وهو طالب بالصف العاشر في الـ 16 من عمره ويدرس في إحدى مدارس برلين: “معظم المعلمين في مدرستنا ليس لديهم فكرة عن التكنولوجيا، فهم يتنفسون الصعداء عندما يستطيع أحدنا توصيل الحاسوب الخاص بهم بشاشة العرض في الفصل لأنهم لا يعلمون كيف يوصلونه بأنفسهم”. لذلك لا يستطيع كارل تخيل أن هؤلاء المعلمين سينجحون في إعطاء الدروس عن طريق الإنترنت.
والأمور لا تمر بدون مشاكل. ففي الأيام الأولى من إغلاق المدارس حصل نيكلاس وكارل على واجبات منزلية بدون حصص أو شرح. حاول نيكلاس إتمام الواجبات عن طريق برنامج “مايكروسوفت للتعليم”. أما كارل فحاول عن طريق صفحة إلكترونية أنشأها معلم الرياضيات بمدرسته في اللحظة الأخيرة. يُعلق كارل: “كثير من المدرسين لا يعلمون أن شركة مايكروسوفت لديها برنامج للتعليم يمكنهم عن طريقه إرسال الواجبات. عندما سألت في مدرستي منذ عدة شهور عنه قُيل لي إنه لا توجد برامج من هذا النوع”.
بالإضافة إلى هذه المشاكل التقنية توجد أيضاً مشكلة نقص المعدات لدى العديد من التلاميذ. فالتلاميذ يجب عليهم طباعة الأوراق وحل الأسئلة عليها، ومن ليس لديه طابعة بالمنزل يواجه مشكلة. كما أن هذه الواجبات مخصصة فقط لمراجعة ما سبق تدريسه، فالمعلمون لا يريدون شرح المواضيع الجديدة، حسبما يقول نيكلاس، حيث لا توجد قواعد واضحة للشرح عن بُعد. والسؤال الذي يطرح نفسه هل يتم ذلك عن طريق مكالمات الفيديو؟ أم عن طريق تسجيلات للمعلمين يرسلونها للتلاميذ؟
الوضع في رأي كارل سيء للغاية “لقد قالوا لنا إن الحصص المدرسية ستصير الآن رقمية، ولكن لم يحدث ذلك، الأمر لم ينجح قط، فنحن فقط نراجع ما سبق”.
يقلق العديد من التلاميذ من استمرار هذا الوضع. يقول نيكلاس: “سيفوت ذلك علينا الكثير من الحصص والمواضيع الجديدة التي لن نستطيع فهمها وحدنا. ويطرح هذا تساؤلاً عن كيفية سير الامتحانات وتوزيع العلامات لهذا الفصل الدراسي، خاصة لمن يتقدمون لامتحانات الشهادات الإعدادية أو الثانوية”.
كارل مثلاً عليه أن يستعد لامتحان الشهادة الإعدادية هذا العام كجميع تلاميذ الصف العاشر في ألمانيا. يتضمن هذا الاختبار عرضاً شفوياً لمدة نصف ساعة موعده في الأسابيع القادمة حيث يحصل كل طالب على موعد خاص يذهب فيه للمدرسة لإجراء الاختبار. أما الامتحان التحريري فتم تأجيله لشهر مايو/ أيار.
لا يعلم كارل كيف يستعد لهذه الاختبارات. فحتى الواجبات المنزلية لا تتم مراجعتها من قبل المعلمين، وبالتالي لا يستطيع التلاميذ معرفة أخطائهم وتصحيحها. ينتقد كارل الوضع الحالي: “كان يجب على المدارس هنا التحضير للتعليم الرقمي بشكل أفضل منذ البداية. فالمدارس في دول أخرى عديدة نجحت في ذلك.”
برأي خبيرة التعليم الرقمي يوليا هنزه فإن المعلمين أيضاً جزء من المشكلة. فهم غير مدربين على استخدام الأدوات التعليمية التكنولوجية الحديثة لأنه لم يطلب منهم ذلك. وبالتالي “فهم لم يتعاملوا مع هذا السيناريو من قبل. فلا يكفي أن يرسل المعلمون واجبات منزلية للتلاميذ لحلها دون حدوث عملية تعليمية حقيقية. فبرغم أن ذلك أفضل من لا شيء، لكنه ليس ما نريده للتلاميذ”.
تستطيع ألمانيا تعلم الكثير من إستونيا التي تُعد الأولى أوروبياً في مجال التعليم الرقمي. فالمدارس هناك بدأت منذ تسعينات القرن الماضي في تطبيق هذا النظام حتى صار كل ما يرتبط بالعملية التعليمية مثل الواجبات المنزلية وتوزيع العلامات يحدث عبر نظام مركزي رقمي لجميع المدارس.
كما يستطيع الأهل الإطلاع على تطور أطفالهم من خلال هذا المنصة التعليمية ويتم إبلاغهم بسلوك أبنائهم عبره. كما يستطيعون إبلاغ المدرسة في حالة مرض الطفل وعدم تمكنه من الحضور، وذلك دون الحاجة للذهاب إلى المدرسة.
تريد مدرسة التلميذ نيكلاس في برلين استخدام برنامج “Teams” التابع لباقة برامج “مايكروسوفت 365” في الأيام المقبلة. يتمنى نيكلاس أن يسير الأمر بسلاسة وأن يستغل المدرسون خاصيات محادثات الفيديو والمراسلة التي يوفرها البرنامج. لكن هل سينجح ذلك مع عدد يقترب من ثلاثين تلميذاً في الفصل الواحد؟ وهل لديهم جميعاً بالفعل اتصال بالإنترنت القوي التي تتطلبها هذه التقنيات في منازلهم؟
تدافع يوليا هنزه عن المعلمين فتقول: “من غير المنطقي أن ننتظر منهم أن يصيروا خبراء في التعليم الرقمي خلال 24 ساعة. الأيام الحالية اختبار لنا جميعاً، و نقطة فاصلة في حياتنا. فنحن الآن نرى بوضوح نقاط الضعف في أنظمتنا. وتعد هذه فرصة عظيمة للتعلم من الأخطاء التي وقعت في التحضير للتعليم الرقمي وتصحيحها في المستقبل”.
زابينه كينكارتس – دويتشه فيله[ads3]