ألمانيا : عرض فيلم يحكي قصة أزمة اللجوء و قرار ميركل بفتح الحدود
كانت سنة 2105 مصيريةً بالنسبة إلى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والتحالف الحكومي الذي ترأسه والمشكل من حزبي الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، فالحرب المتواصلة في سوريا تسببت في إحدى أكبر موجات اللجوء إلى أوروبا.
ومقولة ميركل “سننجح في ذلك” وقرار فتح الحدود أمام اللاجئين حظيا في داخل البلاد وخارجها بالكثير من التعاطف، لكن احتجاجات كبيرة حصلت ضد ذلك أيضاً، وما يزال أثر القرارات المتخذة في عام 2015 ملموساً إلى يومنا هذا، وتلك القرارات تحدد الإدراك العام لميركل ومستشاريتها.
الصحفي روبين ألكسندر الذي رافق ميركل لسنوات كمراسل لصحيفة “دي فيلت” يحكي في كتابه الصادر في عام 2017 “المنساقون” (Die Getriebenen) عن أحداث تلك الأيام في عام 2015، وكتاب ألكسندر لقي المديح بعد صدوره، والصحافة كانت مجمعة على أنه يسرد الحقائق بتفصيل ودقة.
لكن كان هناك انتقادات، صحيفة “زود دويتشه تسايتاونغ” على سبيل المثال اشتكت من أن الصحفي “المحافظ” ألكسندر يتمثل في مؤلفه “غضبه ضد ميركل”، أما صحيفة “تاتس” (TAZ) فرأت بأن الكتاب مبني على “التلاعب”.
وفي الوقت الذي يكون فيه اتهام التلاعب في كتاب غير روائي ذو وزن كبير، فإن الأفلام تتبع قوانين أخرى، فالأفلام الروائية تعيش من التلاعب، وبالتالي فإن المخرج شتيفان فاغنر تجرأ عندما قرر تصوير الأفكار الرئيسية المستقاة في جزئها الكبير من نسخة الكتاب، وهو له تجربة مع ذلك كما يقول في تصريح عن الفيلم: “نهجي يقوم على عرض الارتباطات بين السياسة والمجتمع بممثلين في أدوار من التاريخ المعاصر الحالي عن قرب، وبشكل مفهوم على الصعيد الإنساني ومثير على الصعيد العاطفي، إضافةً إلى الموضوعية بوسائل الخيال”.
ويستخدم فاغنر مشاهد حقيقية وقوية من الناحية العاطفية من برامج إخبارية، بينها مشاهد للاجئين يُعانون في محطة القطار في بودابيست وعمال الإغاثة على طول طريق الهجرة، وفي محطات القطار الألمانية أمام غضب المتظاهرين المعادين لميركل، ثم يضيف للمشاهد الحقيقية مشاهد أخرى خيالية تُرى فيها ميركل في مواقف شخصية مع زوجها يواخيم زاور.
في الغالب ينجح الانتقال بين المشاهد الإخبارية والتمثيلية، لكن توجد أيضاً مشاهد يتم فيها تصوير الممثلين في مؤتمرات صحفية حقيقية، وعلى هذا النحو تجيب مثلا ميركل غير الحقيقية (الممثلة) بعد تسلم جائزة الدكتوراه الفخرية في برن على مواطنة حقيقية، وهذا يبدو مثيراً ويؤدي إلى قيام بُعد غريب مع الحدث، أما تريستان زايت الواثق الخطى فيحقق من خلال الحركة والصوت تشابهاً عجيباً مع رئيس المستشارية السابق بيتر ألتماير.
والممثلة الرئيسية إيموغن كوغه لا تشبه النسخة الأصلية لميركل ما عدا في تسريحة الشعر واختيار الملابس.
ويجسد يوزيف بيربيشلير بشكل لامع رئيس وزراء بافاريا السابق هورست زيهوفر الذي يرفض توجه ميركل ويتعرض لهجوم من زميله ماركوس زودر الذي يمثل دوره ماتياس كوبفر، وعلى المستوى الاتحادي يتحين رئيس (سابق) الحزب الاشتراكي الديمقراطي زيغمار غابرييل الفرصة لترتكب “المستشارة الأبدية” خطأ.
بالرغم من أن الأحداث تتعاقب حولها، فإن كوغه في شخصية ميركل لا تبدو مدفوعة، بل العكس فهي تبدو مثل الصخرة وسط الأمواج ولا تترك المجال لإقناعها باتخاذ قرارات متسرعة، لكن يبقى واضحاً أن ميركل يجب أن تهتم في وقت واحد بعدة أزمات موازية هي خطر خروج اليونان من منطقة اليورو وفضيحة التنصت من قبل المخابرات الأمريكية والمعارك على السلطة داخل التحالف الحكومي، إنه عرض للحياة اليومية السياسية في أوقات الأزمة كما نعرفها من المسلسلات السياسية الناجحة.
“المنساقون” يتناول جوانب هامة من جمهورية ألمانيا الاتحادية لتلك الفترة، لكن اللحظات التي يبتعد فيها الفيلم عن الحقائق هي الأقوى، والمشاهد الخيالية في العلاقة الزوجية بين أنغيلا ميركل ويواخيم زاور هي التي تعطي الفيلم تلك النكهة.
أثناء مشاهدة الفيلم يبدو من منظار يومنا الحالي أن عام 2015 يظهر مثل فترة ماضية بعيدة. لكن المشاكل هي نفسها، ففي الوقت الذي تبقى فيه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منشغلة بنفسها بسبب وباء كورونا، يعاني آلاف اللاجئين في المخيمات من ظروف صعبة التحمل، وآخر كلمة قالتها إيموغن كوغه في دور أنغيلا ميركل في الفيلم تدل على التنبؤ بمستقبل قاتم.
+ “المنساقون” بدأ بثه يوم 15 نيسان على قناة التلفزة الألمانية الأولى، والكتاب الذي يحمل نفس العنوان من تأليف روبين ألكسندر صدر في 2017 من دار نشر زيدلر.
فليب يديكه – دويتشه فيله[ads3]