السودان : عائلات سورية تعاني في ظل حظر شامل يفاقم المآسي

في ضاحية “الكلاكلة القُبَّة” (جنوب العاصمة السودانية الخرطوم)، استقر اللاجئ السوري محمد عبده عمار أبو كرم الله وأسرته المكونة من 13 فردا، هم زوجته وأبناؤه وأحفاده، الذين فروا من جحيم الحرب في سوريا، طلبا للأمان والاستقرار في السودان.

أبو كرم الله الذي يتحرك على كرسي بسبب شلل الأطفال، قال لموقع قناة الجزيرة إنه ومنذ دخوله السودان ظل يعمل سائقا على سيارة نقل خاصة صغيرة الحجم (أمجاد) اشتراها عبر الدفع بالتقسيط.

ونجح أبو كرم الله -حسب تعبيره- في التقوِّي بزاد العصامية والاعتماد على نفسه في إعالة أسرته، منطلقا من مبدأ “لا تُعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد السمك”.

ولكن مع سريان الحظر الشامل، لاحتواء جائحة كورونا، فقد أبو كرم الله “الصيد والطعام معا”، وبدأ شبح المعاناة يطل بوجهه على منزله، الذي تضرر جراء خسارة عمله اليومي.

ويروي حلولا كان يتَّبعها في لحظات الضيق، تتمثل في صناعة الحلويات السورية وحياكة الملابس، لكنها لم تعد ممكنة حاليا بسبب الحظر، الذي حدّ من قيمة التكافل عبر التواصل الإنساني مع عائلات سورية، التي يصف أبو كرم الله وضعها بالأسوأ مقارنة بوضع عائلته.

وتبدو معاناة الشباب السوريين أكبر، خاصة أولئك الذين هاجروا إلى السودان من أجل العمل لسداد ما اصطلح على تسميته “بدل العسكرية”، وهي تعادل ستة آلاف دولار، ينبغي دفعها كاملة خلال أربع سنوات.

ويؤكد كبير السوريين في السودان مروان الخياط أبو عدنان صعوبة وضع الشباب السوري في الخرطوم، حيث قال إنه ازداد تعقيدا مع سريان الحظر الكامل.

وفي حديثه لموقع قناة الجزيرة، عبر أبو عدنان عن خشيته من وضع كارثي ينتظر الشباب السوري، الذي يمثل 90% من السوريين في السودان.

ويضيف أن معظم الشباب السوريين يشتغلون في حِرَف ومهن يومية، يوزعون عائداتها بين السكن والأكل والشرب، وتوفير “بدل العسكرية”، بالإضافة إلى سداد قيمة تجديد الجواز، التي تساوي ثلاثمئة دولار كل سنتين.

ويحكي مروان الخياط عن مأساة عدد من الشباب السوريين، إذ قال إنهم ومنذ سريان حظر التجول يقبعون في منزل واحد، ويعتمدون على إعانات تصلهم من عائلات سورية، يسدون بها رمقهم لحين انتهاء فترة الحظر، ومزاولة أعمالهم اليومية.

“إذا عصرنا الحجر على بطوننا نحن الكبار، فكيف العمل مع أطفالنا الصغار؟” سؤال طرحه بلال عيسى المرزوقي، وهو مهاجر سوري يمتهن حِرَف النقاشة والسباكة والحجامة. ويقول لموقع قناة الجزيرة إنه يعول خمسة أطفال، ولم يخرج للعمل منذ سريان حظر التجول الكامل.

ويخشى المرزوقي من تدهور الوضع داخل عائلته مع استمرار الإغلاق الكامل، خاصة أنه -كما يقول- جاء من سوريا وحيدا لا يعرف له قريبا من السوريين الذين هاجروا قبله أو بعده إلى السودان.

ومع قلقه على أطفاله، يبدو المرزوقي محتارا في الكيفية التي سيدبِّر بها قيمة إيجار منزله مع بداية الشهر المقبل، الذي يتزامن مع حلول شهر رمضان المبارك.

ويبدو أن وضع السوريين أصحاب الأعمال الخاصة قد تأثر أيضا بسريان الحظر الكامل، حيث يمتلك السوريون -حسب لجنة دعم العائلات السورية- 290 مطعما في الخرطوم، وما يزيد على خمسين ورشة موبيليا ومفروشات، وثلاثين مطبعة و15 مصنعا للمنظفات، إضافة إلى عشرين شركة مقاولات.

ويقول صاحب إحدى ورش الموبيليا وصناعة الأخشاب -الذي فضَّل حجب اسمه- لموقع قناة الجزيرة إنه منزعج من الإغلاق الكامل، ويصف الوضع بالصعب وغير المحتمل، ولكنه يحمد الله على نعمة الصحة والعافية.

وكشف عن معاناة حقيقية بسبب المصروفات الخاصة بإيجار المنزل والورشة والمعدات، إضافة إلى استحقاقات بعض العُمَّال، من دون أن يكون هناك أي عائد أو مقابل مالي، وتوقع أن يزداد الوضع سوءا مع تطاول أمد الحظر الكامل.

وكانت لجنة دعم العائلات السورية في السودان اجتهدت خلال اليومين الماضيين في توفير أطنان من المواد الغذائية لمواجهة تداعيات الحظر الكامل الذي فرضته السلطات السودانية لاحتواء جائحة كورونا.

وقال المتحدث باسم لجنة دعم العائلات السورية في السودان راتب مصطفى إن اللجنة نجحت في تغطية 450 عائلة سورية من أصل ستمئة عائلة بسلال من المواد الغذائية، التي تم جاءت معظمها بتبرعات من تجار سوريين في السودان.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها