السر وراء الظهور المفاجئ لرامي مخلوف

بين معسكر أسماء الأسد و اقتراب المقصلة الروسية .. هذا هو السر وراء الظهور المفاجئ لرامي مخلوف

منتصف حزيران من العام 2011، وبعد 3 أشهر من اندلاع الثورة السورية، خرج رامي مخلوف الذي كان اسمه على رأس الأسماء التي استهدفها المتظاهرون بهتافاتهم التي يملؤها الغضب ممن سرق أموالهم وأحلامهم وحول بلدهم -مع ابن خالته الرئيس- إلى مزرعة يلهو بها وبمن فيها كما يشاء، بمؤتمر صحفي كان الأول من نوعه، زعم فيه أنه سيترك عالم الأعمال والتجارة وسيتفرغ للأعمال الخيرية، والهدف ألا يكون عبئاً على سوريا ورئيسها، على حد تعبيره، وبعد 9 سنوات من الغياب عاد بطريقة نادرة ومفاجئة وغير متوقعة، وظهر بمقطع مصور يكشف أن ما قاله في المؤتمر الأول لم يكن إلا محط أكاذيب لا بد منها في ذلك الوقع لامتصاص غضب السوريين.

قبل مؤتمره الصحفي ببضعة أسابيع، كان مخلوف قد أدلى بتصريح نادر هو الآخر، وما زال مثار جدل إلى اليوم، أكد فيه لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن النظام لن يستسلم بسهولة وسيقاتل حتى النهاية، ولن يكون هناك استقرار في إسرائيل إن لم يكن هناك استقرار في سوريا”، وهي تصريحات لم يكن ليدلي بها من بنات أفكاره بل تشير إلى أنه انتدب لتقديمها من قبل النظام، وإن كان الأخير تنصل منها عبر سفارته في واشنطن عندما قال إن مخلوف مواطن سوري لا يشغل أي منصب، وآراؤه الشخصية لا تعبر عن مواقف الحكومة السورية.. مواطن بسيط يسيطر على اقتصاد البلاد ومقدراتها.

بين المؤتمر الأول والتصريح الأول والفيديو الأخير الذي انتشر على نحو واسع أمس، عبر صفحة فيسبوك قديمة تم تغيير اسمها من ماهر الأسد لرامي مخلوف، غاب رجل الأعمال العصامي عن الظهور الإعلامي لسنوات قبل أن يظهر جالساً أقرب إلى الأرض، متضرعاً إلى الله متمسكاً بحقوق الفقراء واثقاً ببشار الأسد دوناً عن سواه.

انقسمت الآراء والتحليلات المتعلقة بالفيديو، بين من اعتبره تأكيداً على الحرب الشعواء الدائرة بين معسكر مخلوف ومن يدور في فلكه من مستفيدين، من كبار رجال الأعمال والمافيوزيين، وبين تيار أسماء الأسد التي تحاول أن تحل محله كمسيطرة على الاقتصاد السوري ومدبرة لأموره.

لكن رؤية أخرى تطل برأسها من خلف الكواليس لتشير إلى أن هذا الظهور المفاجئ لمخلوف هو رد على اقتراب المقصلة الروسية منه، وهي التي سيطرت عسكرياً وحصلت على قواعد برية وبحرية استراتيجية، وباتت السيطرة الاقتصادية هدفها التالي الذي بدأت بالسعي إلى تحقيقه عبر المقالات الناقدة للفساد ولسيطرة قلة على اقتصاد البلاد وعلى رأسهم مخلوف، وليس هناك أهم من الاستحواذ على شركات الاتصالات التي تشكل المورد الأول والأكبر للأموال.

وما المعسكر الذي يشار إليه على أنه معسكر أسماء الأسد وبشار الأسد الذي يواجه معسكر مخلوف وكبار رجال الدائرة الضيقة المساندين له، إلا معسكر روسيا نفسها، التي تبدو أنها ترغب بإخراج الأسد كمنتصر وحيد في ظل سيطرتها المطلقة على كل شيء، لتقوم بتثبيته كرئيس مجدداً في الانتخابات المقبلة، أو استبداله بآخر بسهولة بعد الانتهاء من استكمال السيطرة، والخيار الأول هو الأقرب بحسب ما تشير إليه التطورات حتى الآن.

ولا تحارب روسيا على جبهة مخلوف فقط، بل إنها تعمل بصمت منذ بضعة أسابيع، عبر رجلها الأول (سهيل الحسن) على تفكيك شبكة فساد سيطرت على اقتصاد حلب لسنوات، بإشراف أحد مستشاري بشار الأسد وقيادة واحد من أشهر المحامين في سوريا، وسيقوم عكس السير بنشر سلسلة مقالات تكشف كافة التفاصيل المتعلقة بها، خلال الأيام القليلة المقبلة.

في الفيديو ذي “الطلة” البسيطة المتواضعة، تحدث مخلوف الذي كانت مقابلته أو حتى الوصول إلى باب مكتبه في المنطقة الحرة (بالقرب من الجمارك) في دمشق أمر مستحيل، عن تفاصيل ما يدفعه لما يفترض أنها “خزينة الدولة” ووضع بشار الأسد في مواجهة مع “الفقراء” الذين يزدادون فقراً يوماً بعد يوم في ظل عجز الأسد على تأمين متطلباتهم، عبر التأكيد على أنه يقاسمه الأرباح ويدفع ما يترتب عليه بشكل كامل.

وبالنظر إلى الرقم المطلوب دفعه من قبل رامي مخلوف، نجد أن قيمته ليست إلا عشرات الملايين من الدولارات، وهو رقم يعتبر صغيراً أمام الثروة الضخمة التي يمتلكها، ولا يستدعي هذا الفيديو المطول إلا إن كان يعلم أن هذه ليست إلا البداية فقط.

وفي محاولة يائسة لإنقاذ نفسه من المقصلة أو دفع بشار الأسد للتمرد على الروس، وهم الذين ذكروا عبر وسائل إعلامهم أن بوتين غير راض عنه ولا عن عناده ورفضه لبعض الإملاءات الروسية واستمرار جلوسه في الحضن الإيراني، نوه مخلوف لوجود الآلاف من المساهمين الذين سيتضرروا من أي انهيار لسيريتل، ومعظم هؤلاء هم من كبار رجال الأعمال الناشطين خلف الكواليس والضباط والمافيوزيين.

كما أكد مخلوف على أن لا وجود لشيء اسمه “دولة” في سوريا، وأن قلة قليلة على رأسهم بشار الأسد هم المتحكمون، فلا دور لحكومة أو مجلس شعب أو مؤسسات، وذلك بالإشارة إلى أنه لا يثق إلا ببشار الأسد ولا يقبل بأي شخص آخر ليدقق بحساباته أو يحصل على أمواله.

وأشار مخلوف إلى الوضع الاقتصاي الكارثي، عبر الطلب من بشار الأسد توزيع الأموال التي سيحصل عليها منه على الفقراء الذين لا يجدون ما يأكلون، وهو المؤتمن عليهم بأمر من الله.

ولا يبدو أن هذا الفيديو سيكون الأخير لمخلوف، حيث أكد أنه سيشرح لاحقاً كل ما يتعلق بالشركات التي يمتلكها، والسؤال هنا هل سيكون لديه متسع من الوقت لذلك أم أن التحركات الروسية ستكون أكبر وأسرع منه خلال الأيام المقبلة.

الجدير بالذكر أن أرباح سيريتل بلغت العام الماضي حوالي 59 مليار ليرة سورية (حوالي 46 مليون دولار).[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها