BBC : فيروس كورونا .. ما حكاية الجنازة ” الفخمة ” التي نشرت الموت ؟

في مارس/آذار الماضي وقبل بدء الإغلاق، أقامت عائلة حسين جنازة كبيرة في المسجد المركزي في برادفورد، وفيها مرض العديد من المشيعين بكوفيد 19، بما في ذلك محمد نجل المتوفي. وقد توفي ثلاثة من أفراد الأسرة جراء الإصابة بالمرض، بحسب ما كتب الدكتور جون رايت من مستشفى برادفورد الملكي.

ودخل العناية المركزة في برادفورد حتى الآن 49 مريضاً، حيث ركبت لهم أنابيب وأجهزة تنفس اصطناعي، وقد خرج منهم 7 فقط، من بينهم محمد حسين، وهو محام جنائي من برادفورد، والذي كان من أوائل من دخلوا العناية المركزة بسبب فيروس كورونا، وهو يعد من قصص النجاح للمستشفى.

ظل محمد حسين، البالغ من العمر 51 عاما، فاقدا الوعي لمدة 5 أسابيع وكان محبطا للغاية عندما استيقظ من فيما يشبه فيلم خيال علمي ليجد الجميع يرتدون أقنعة وكمامات وعباءات، ولم يستطع تذكر كيف وصل إلى العناية المركزة في ذلك المستشفى. لقد فاته تماما شهر أبريل/نيسان الماضي.

ويقول محمد: “أتذكرهم يطلبون مني أن أذهب لتجربة بعض العقاقير، وقد وافقت على ذلك. وكان ذلك آخر شيء أتذكره حتى استيقظت بعد أسابيع”.

وبينما كان تحت التخدير، حلم بأن عائلته تعرضت لهجوم إرهابي. وعندما استعاد وعيه ظل غير مرتاح.

وقال محمد: “يبدو أنني في بداية استعادة الوعي كنت أعاني من ما يشبه جنون الاضطهاد، حيث اعتقدت أن هؤلاء الناس يحاولون خداعي، ما الذي يحدث، ما سببكل ذلك؟”.

وتقول استشارية العناية المركزة الدكتورة دبي هورنر إن هذا النوع من الهذيان طبيعي تماما للمريض الذي يستعيد الوعي في العناية المركزة بعد المرور بحالة حرجة. وكانت حالة محمد قد تدهورت بسرعة بعد جنازة والده نور الذي كان في التسعينات من عمره.

وكان نور حسين قد جاء من باكستان في ستينيات القرن الماضي للعمل في المطاحن في برادفورد حيث عاش وأسرته، وكانت رغبته الدائمة أن يدفن في ميربور في باكستان.

قال لي محمد: “لقد كان جنديا قديما قاتل في الحرب العالمية الثانية في بورما، واتسم بعزيمة قوية للغاية، لقد أراد أن يدفن إلى جانب شقيقه في باكستان، وقد احترمت تلك الرغبة”.

وقد توفي نور حسين في 10مارس/ آذار الماضي. وبدأ الحشد يجتمع لحضور الجنازة بعد ظهر ذلك اليوم. إنها عائلة كبيرة جدا ومرموقة لذلك سافر الناس من جميع أنحاء بريطانيا لحضور الجنازة، فقد جاء حوالي 600 شخص لتأبينه في مسجد برادفورد المركزي في اليوم الأول.

وفي اليوم التالي سافر محمد إلى باكستان مع جثمان والده، وذهبت والدته وزوجته معه. ولكن في برادفورد استمرت مراسم العزاء لمدة يومين آخرين. وفي يوم الخميس 12 مارس/آذار الماضي حضر 500 شخص للقيام بواجب العزاء حيث تناولوا وجبة طعام.

وبعد حوالي أسبوع، بدأ الناس يمرضون بكوفيد 19. وكان أولهم نجل ابن عم محمد البالغ من العمر 24 عاما، وهو من أول مرضى كوفيد في برادفورد الذين دخلوا وحدة العناية المركزة. كما ظهرت الأعراض على ثلاثة أفراد آخرين من تلك الأسرة، ودخل أحدهم أيضا إلى المستشفى. وتم نقل أقارب آخرين إلى المستشفيات أيضا، في برادفورد وأولدهام.

من الواضح أن شخصا في الجنازة كان مصابا بفيروس كورونا ونقل العدوى للكثير من المشاركين فيها. ويقول هارون، نجل محمد وهو اختصاصي أشعة: “إذا دققت في عدد الحالات التي نجمت عن تلك الجنازة، فمن السهل أن ترى مدى سرعة انتشار هذا الفيروس، ففي الجنازات تصافح بيدك وتتحدث مع الناس، فأنت قريب جدا منهم”.

وأضاف قائلا: “ثم دخلت البلاد حالة إغلاق بعد فترة وجيزة، وهناك تقارير الآن تتحدث عن أن فيروس كورونا كان منتشراً بين الناس قبل ذلك دون أن نعلم. لذلك إذا كان لديك تجمع من الناس، فهذا يزيد من احتمال وجود شخص مصاب بينهم”.

ويستطيع هارون أن يسرد أسماء 8 من أفراد الأسرة الذين تم إدخالهم إلى المستشفى وتوفي ثلاثة منهم.

لقد رأينا مرضى آخرين أصيبوا بالعدوى بعد الجنازات والتجمعات العائلية في نفس الفترة، قبل الإغلاق مباشرة. إنه الاتصال الجسدي اللصيق الذي يشمل المعانقة والمصافحة والذي يبدو أنه يخلق مثل هذا المعدل العالي من العدوى. وللسبب نفسه، تشهد حفلات الزفاف والحفلات عموما معدلات انتشار عالية لفيروس كورونا.

وبحلول الوقت الذي عاد فيه محمد إلى بريطانيا قادما من باكستان في 18 مارس/آذار الماضي، كانت الأعراض قد ظهرت على هارون وشقيقه، اللذان كانا يعيشان مع والديهما في نفس المنزل.

ويقول هارون: “حاولنا عزل أنفسنا، ولكن عندما تعيش في منزل واحد من المستحيل القيام بذلك، فهناك عدد معين فقط من الحمامات، وهناك ثلاجة واحدة فقط، ومطبخ واحد”.

وكان محمد قلقا بشأن الإصابة بفيروس كورونا لأنه يعاني من الربو، لكن ذات يوم ظهرت عليه الأعراض. فمكث في المنزل لمدة 9 أيام، وقد أخذت حالته تتدهور حتى اتصل أبناؤه بالاسعاف.

يقول هارون: “أدخلناه سيارة الإسعاف، لقد كانت تلك لحظة عاطفية للغاية حيث لم نتمكن من الذهاب معه، ولم نكن نعرف متى سنراه مرة أخرى”.

وعندما وصل محمد إلى مستشفى برادفورد الملكي، رأى عمه في غرفة الانتظار، وكانت المرة الأخيرة التي يرى عمه فيها فقد توفي بعد ذلك.

وبعد فترة صعبة أمضاها محمد في العناية المركزة وبمساعدة جهاز التنفس استعاد وعيه بعد 5 أسابيع كاملة في غيبوبة، وتحسنت حالته، وأخيرا غادر المستشفى.

ويقول نجله هارون: “عندما ذهبت لأحضره من المستشفى لم أخبر بقية العائلة. اتصلت بهم جميعا وقلت لهم إنني بحاجة للتحدث معهم، وكان أبي يجلس على كرسيه، لقد كانت لحظة رائعة واستثنائية، لحظة عودته إلى المنزل”.

وأضاف قائلا: “عندما خرج إلى الحديقة لأول مرة كان مبتهجا، إنه مازال يشعر بالتعب بسرعة كبيرة جداً، لذلك فإن عملية التعافي بطيئة، لكنه محاط بالحب”.

وقد عادت والدة هارون الآن أيضا من باكستان، لذلك فإن الأسرة معاً من جديد، إنهم سعداء للغاية. (BBC)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها