هيثم مناع : قانون قيصر يسيء للضحايا لهذا السبب

في الثمانينيات من القرن الماضي، شاركنا في أن تكون اتفاقية مناهضة التعذيب أول اتفاقية دولية تقدم مسودتها من المنظمات غير الحكومية. ولعل هذا ما جعلها، رغم كل التعديلات المخففة من وفود الدول، أقوى اتفاقية دولية تسمح بالحؤول دون الإفلات من العقاب. وقد أشرفت على كتاب “سلامة النفس والجسد، التعذيب في العالم العربي في القرن العشرين” الذي صدر أيضا بالفرنسية بعنوان : التعذيب في العالم العربي (1999). وكم جمعتنا ساحة حقوق الإنسان في باريس وأمام قصر ويلسون (المفوضية السامية لحقوق الإنسان) في جنيف مع الضحايا احتجاجا وشجبا على هذه الجريمة. وكم كانت سعادتنا كبيرة عند ملاحقة وزير داخلية بن علي في باريس ثم في جنيف، وعندما هرب رامسفيلد بعد استدعاء المدعي العام الفرنسي له لإعطائه الأمر بما سمي “وسائل الضغط الضرورية في التحقيق” وهرب كالفئران بتواطؤ من الخارجية الفرنسية التي أرادت تجنب مشكلة دبلوماسية مع الإدارة الأمريكية.

لقد سجل الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان عودة قوية للتعذيب والقتل خارج القضاء والسجون السرية. وللأسف فقد غضت المعارضة العراقية الطرف عن ذلك إرضاء لمن أوصلها للسلطة. إلى أن انفجرت فضيحة سجن أبو غريب. ومع ذلك لم يتراجع التعذيب بل أصبح يمارس بشكل أكثر “سرية”. وفي أقبية الأمن جرى ابتكار التعذيب بالدريل (المثقاب الكهربائي).

في سوريا تطور الكرسي الألماني- النازي، وإن كان هذا الأسلوب متبعا قبل 2011، فبعدها أصبح التعذيب الإجرامي ممنهجا في سجون الأمن العسكري والقوى الجوية والأمن السياسي بشكل جعل من تسليم وثيقة الوفاة لأهل المعتقل قاعدة عامة في المعتقلات السورية تنال أكثر من ربع المعتقلين. في حين لم تعر الجماعات الجهادية الموضوع اهتمامها باعتبار التعذيب خطوة لأخذ أكثر قدر من المعلومات من الضحايا قبل قطع رؤوسهم.

لقد تفائلنا خيرا عند وصول صور توثيقية حول جرائم التعذيب في المعتقلات السورية، وتمنينا أن تجري متابعة عملية التوثيق بشكل قانوني يسمح بمحاسبة كل من شارك في هذه الجرائم، وفي كل البلدان التي وقعت على اتفاقية مناهضة التعذيب في العالم واحترمت الاختصاص الجنائي العالمي. ولكن للأسف البعض وظفها للحصول على بعض المال من دم الشهداء، والبعض الآخر حاول تسييسها عبر الإدارة الأمريكية لمآرب أخرى.. الأمر الذي جعل من هذا الجهد والمخاطرة سلعة بيد أطراف لا علاقة لها بمناهضة التعذيب أو حقوق الإنسان.

عندما حدثت فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب كانت امرأة ضابطة أمريكية متورطة مباشرة وبيدها اعتدت على المعتقلين. اين هي اليوم؟ جرى ترفيعها لمنصب المديرة العامة للمخابرات المركزية الأمريكية. أما بومبيو، الرئيس السابق للمخابرات المركزية الأمريكية، فقد حرص في نفس يوم صدور قانون قيصر على القول: من يحاكم امريكيا بتهمة جرائم الحرب سنعاقبه ونفرض عليه عقوبات.

إخوتي السوريين وغير السوريين

عندما تبيع المومس الفضيلة في سوق النخاسة تغتال مصداقيتها.. وتشوه قصة الضحايا وتتصرف، ككل الأنظمة الدكتاتورية، بشكل انتقائي ومزاجي.

لذا، من أجل الضحايا وسمعتهم وذكراهم افصلوا بين ملف قيصر الحقوقي وقانون قيصر الذي يسئ للضحايا باعتباره يثقل ملف التعذيب الجسدي بالتعذيب المعاشي والصحي للسوريين.

الحقد السياسي لا يصنع دولة قانون بل مجتمع غاب.

هيثم مناع – رأي اليوم[ads3]