إذاعة صوت ألمانيا : عشرون عاما من حكم بشار لسوريا .. حامل آمال يتحول إلى ديكتاتور
منذ 20 سنة يحكم بشار الأسد سوريا، وتحت قيادته، تمر البلاد منذ عام 2011 بواحدة من أكثر المراحل دموية في تاريخها. نظرة على شخصية حاكم تحول من بارقة أمل في الإصلاح والحداثة إلى ديكتاتور مسؤول عن قتل مئات الآلاف من شعبه.
معبر حدودي واحد ينبغي أن يكون كافياً. وفي المستقبل سيتم دخول المساعدات إلى المناطق القليلة في سوريا، التي لا يزال يسيطر عليها معارضو النظام من خلال معبر باب الهوى فقط، على الحدود التركية السورية. وبهذا تم إغلاق ثلاثة من المعابر الأربعة التي كانت موجودة. وهذا تماما، ما فرضته روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي.
وتزعم الدولتان صاحبتا حق النقض (الفيتو) أن برنامج المساعدة التابع للأمم المتحدة ينتهك سيادة سوريا؛ لأن الحكومة في دمشق لم توافق عليه رسمياً. وبحسب وكالات أنباء، تخطط موسكو للتخلص التدريجي من إمدادات المساعدة. في حين يعتمد 2.8 مليون شخص في شمال غرب سوريا وحده على المساعدات الإنسانية، بحسب الأمم المتحدة.
“وطء الرؤوس بالحذاء”
فرض الذات من خلال الضغط بلا رحمة على شعبه: هذه هي الإستراتيجية المميزة لأسلوب حكم الرجل، الذي تمثل روسيا والصين مصالحه في أعلى هيئة تابعة للأمم المتحدة.
ومنذ أدائه اليمين قبل 20 سنة، في 17 يوليو/ تموز 2000، شيد الرئيس السوري بشار الأسد حكمه على مبدأ الخوف والرعب. ويقول سام داغر، الذي عمل لسنوات مراسلا لصحيفة “وول ستريت جورنال” من دمشق، إن بشار الأسد قال يوما ما في عام 1995: “لا توجد طريقة أخرى لحكم مجتمعنا إلا بوطء رؤوس الناس بالحذاء”.
قبل ذلك بعام، توفي شقيقه الأكبر باسل في حادث سيارة ومنذ ذلك الحين بدأ إعداد بشار الأسد ليخلف والده حافظ الأسد، الذي حكم البلاد بيد حديدية منذ عام 1970. وخلال هذا الوقت، وفقاً للصحفي داغر في كتابه عن سيرة عائلة الأسد، المنشورة في عام 2019، بدأ أيضا التغيير الداخلي للرجل البالغ من العمر آنذاك 30 عاما، والذي كان عليه أولاً أن يحرر نفسه من ظل والده المهيمن.
بشار يقوم بتحديث الدولة البوليسية
في أول الأمر بدا بشار الأسد للكثيرين نوعا مختلفا تماما من الحكام عن والده أو أخيه: أقل طيشا، بل متحفظا. وفي مطلع التسعينات عاش في لندن، حيث تدرب كطبيب عيون بعد دراسة الطب.
طبيب متدرب في الغرب كخليفة لديكتاتور شرق أوسطي: هذه الصورة الواعدة أفادته في أيامه الأولى كرئيس للدولة. ولفترة قصيرة، عاشت سوريا “ربيع دمشق”، فترة كان يمكن للمثقفين خلالها مناقشة الديمقراطية ومشاركة المواطنين بشكل صريح نسبيا. واعتبر بشار حامل أمل للكثيرين.
“مغالطة”، تقول الصحفية كريستين هيلبرغ، التي كانت لفترة طويلة واحدة من عدد قليل من المراسلين الصحفيين الغربيين في دمشق، وكتبت العديد من الكتب عن سوريا الأسد. وتوضح هيلبرغ أن “صورة حامل الأمل استندت إلى سوء فهم. فقد افترض العديد من السوريين والسياسيين الغربيين أيضا أن أي شخص مهتم بالحواسيب والإنترنت وتلقى تعليمه في إنجلترا سيصلح البلاد”.
وفي حديث مع DW قالت هيلبرغ: “في الواقع، كان بشار مصلحا وليس مصلحا”. كانت صورته الذاتية هي صورة محدِّث. “لكن بالنسبة للتخلي عن السلطة أو تغيير هيكل حكم والده بشكل جذري، فلم يكن بشار راغبا أو قادرا على القيام بذلك. لقد كان ولا يزال طفلا في دولة بوليسية عمرها 50 عاما، تقاد بشكل مستبد على جميع المستويات وتستغل من قبل عشيرة حاكمة عديمة الضمير؛ حتى لو كان مظهره لا يشبه مظهر ديكتاتور فجًّ”.
“لا يكن لديك أي شفقة!”
بشار الأسد لم يتعرف فقط على لندن المنفتحة على العالم، وإنما كان أيضا على دراية بالظروف الديكتاتورية في المنزل وكذلك المخاطر التي يمكن أن تواجهها الأسرة الحاكمة. في شبابه، تم اعتقال سائق في محيط العائلة، قيل إنه كان يخطط لشن هجوم على الشاب بشار، بحسب ما يحكي سام داغر، كاتب السيرة الذاتية للعائلة: “لقد تعلم أطفال الأسد من الحادث أن عدوهم يمكن أن يختبئ في أي مكان ويجب ألّا تعطيه فرصة”. وعلّم حافظ الأسد ابنه: “عليك بالبحث عن الخونة في كل مكان. وعليك اجتثاثهم أينما وجدوا ولا يكن لديك أي شفقة!”
كان الأسد الأب يتبع هذا المبدأ بشكل ثابت منذ أوائل السبعينات وحوَّل سوريا إلى دولة بوليسية ودولة تعذيب. الصحفي مصطفى خليفة، الذي يعيش في المنفى في فرنسا منذ سنوات، سُجن لسنوات في سجن تدمر سيء السمعة؛ بسبب انتقاده للنظام. وفي روايته “القوقعة”، يصف خليفة التعذيب المنهجي للسجناء، من الإفراط اليومي في العنف إلى الشرب من أنبوب الصرف الصحي، الخليط من “اللعاب والمخاط والبول والأوساخ الأخرى”.
الخوف كأداة من أدوات الحكم
التعذيب سمة لتعامل النظام مع المنتقدين والمعارضين. وقال خليفة في مقابلة مع DW: “كل الشعب السوري خائف”. “الكل يعرف أن هذه السجون موجودة وأنه يجري فيها التعذيب والقتل. الجميع يعلم أن هناك يُطبق فقط حق القوي، لكن الناس لا يريدون المخاطرة بحياتهم. وهذه هي أساليب النظام”.
وسرعان ما تبنى بشار الأسد أسلوب الحكم هذا. التحديث نعم، الإصلاحات السياسية لا: هذه هي المقدمات التي يسترشد بها. وفي عام 2000، فور توليه منصبه، علق إلى صديقه في ذلك الوقت القائد العسكري مناف طلاس، الذي فر لاحقا: “هؤلاء الأشخاص فقدوا عقولهم، ويعيشون في عالم خيالي”، وذلك عندما طالب السوريون في “الربيع الدمشقي” بمزيد من الديمقراطية. وقال موجها حديثه لموظف آخر: “إذا منحتهم إصبعا فسيطلبون اليد كلها”.
ومن أجل قمع مثل هذه الرغبات، يحتاج الأسد إلى جهاز معقد، اليوم أكثر من أي وقت مضى، كما تقول كريستين هيلبرغ. “الأجهزة الأمنية لا غنى عنها للأسد. فقد أنشأ والده شبكة من الأجهزة السرية المختلفة التي تتنافس فيما بينها وبالتالي تبقي بعضها البعض في وضع حرج. ولا يوجد رئيس استخبارات قوي بما يكفي للانقلاب على الأسد”.
الديكتاتور ضَيّع سيادته
ومع ذلك، فإن بشار الأسد لا يكاد يكون سيد سوريا في السنة العاشرة من الحرب؛ حتى ولو كان جزء كبير من البلاد تحت سيطرته بشكل رسمي الآن مرة أخرى.لقد سحق بوحشية انتفاضة عام 2011، وأدت الحرب الناتجة عنها إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص، دماء كثير منهم في رقبته.
المناقشة في مجلس الأمن الدولي حول تسليم المساعدات تظهر مدى اعتماد الأسد على مساعدة موسكو. وتجني روسيا ثمنا باهظا لدعمها العسكري، مثل إيران، ثاني أكبر قوة حماية للأسد. كلا البلدين لهما حضور عسكري وسياسي واقتصادي في سوريا، كما أن تصوراتهما ستؤثر في التنمية المستقبلية للبلاد. وسياسيا، ضيع الأسد استقلال بلاده.
وتقول هيلبرغ إنه لا توجد عودة للرئيس. فأي إصلاح حقيقي من شأنه أن يؤدي إلى انهيار نظامه. “لهذا السبب يمكن لنظامه أن يستمر فقط، بنفس ما جري حتى الآن، (عبر) القمع والتعذيب والفساد ودفع أي ثمن من أجل الحفاظ على سلطته، وبيع ذلك عبر الأكاذيب والدعاية المغرضة على أنه كفاح ضد الإرهاب”.
كيرستن كنيب – دويتشه فيله[ads3]