دويتشه فيله : الحق في حرية التجمع في ألمانيا .. حين يكون المنع آخر الحلول
أثارت مشاهد الهجوم على مبنى الرايخستاغ في برلين، مقر البرلمان الألماني “بوندستاغ”، الكثير من الرعب في داخل ألمانيا وخارجها، لكن هل كان واجباً أو مسموحاً بمنع المظاهرات مثل تلك التي نظمها معارضو إجراءات كورونا نهاية الأسبوع في برلين؟.
تختلف الآراء حول هذا السؤال، عندما تخرج احتجاجات مرخص لها عن مجراها وتنتهي في أسوأ الحالات بالعنف، ومن يؤيد بسبب ذلك فرض حظر عام على المظاهرات احتجاجاً على إجراءات كورونا، فإنه يجهل مغزى حرية التجمع، فهي إلى جانب الانتخابات الحرة أحد أهم الحقوق الأساسية للديمقراطية، والأماكن التي لا توجد فيها هذه المبادئ، تعم فيها ظروف استبدادية أو حتى تعسفية.
وفي ألمانيا هناك تخوف على خلفية تجارب الدكتاتورية النازية من فرض قيود متسرعة وواسعة لحق التجمع، فرواد الدستور الألماني كانوا على وعي بعد الفترة النازية بهذا الموضوع الحساس، وتنص المادة 8 من الدستور الألماني على ما يأتي:
أولاً: لجميع الألمان الحق في التجمع سلمياً وبدون أسلحة وبدون إشعار مبكر ولا ترخيص.
ثانياً: بالنسبة للاجتماعات في الهواء الطلق، يمكن تقييد هذا الحق بموجب قانون.
والعكس ينطبق على قانون التجمع المحدد، على الأقل فيما يتعلق بنطاقه تخصصاته، إذ يتألف من 33 فقرة، وفي بدايته توجد معلومات عامة، ووفقها لا ينطبق الحق في حرية التجمع على الأحزاب التي حظرتها المحكمة الدستورية.
ولو نجح الطلب الذي قدمته الولايات الألمانية لحظر الحزب القومي الديمقراطي اليميني المتطرف في 2017، لما كان يحق له المشاركة في مظاهرة السبت الماضي في برلين.
ومن الأشياء المحظورة ارتداء أزياء عسكرية خلال التجمعات أو أجزاء منها “كتعبير عن وعي سياسي مشترك”، ويتفادى اليمينيون المتطرفون هذا الحظر عندما يلجؤون إلى رموز أخرى، ومن الأشياء المفضلة لديهم علم الرايخ الحربي بالأسود والأبيض والأحمر مع النسر والصليب.
وإن انتهى المطاف بخلاف ما إلى المحكمة كما هو الحال بالنسبة إلى مظاهرات كورونا، فيكون الفقرة 15 غالباً الدور الأهم، وبموجبها تكون القيود أو الحظر، كوسيلة أخيرة، ممكنة، إذا “كان الأمن العام أو النظام العام أثناء تنفيذ التجمع أو المسيرة مهدداً بشكل تلقائي”، وعلى هذا الأساس اعتمدت رئيسة شرطة برلين عندما منعت مظاهرات كورونا.
كمثال ردعي بدت لها مظاهرة كورونا الكبرى في العاصمة الألمانية بداية آب، عندما تحركت غالبية المشاركين بدون كمامة وفي زحام خانق دون أخذ الاحتياطات، ورأت في ذلك خطراً عاماً على الصحة واستنتجت بأن “الحق في الحياة والسلامة الجسدية يفوقان من ناحية التقييم القانوني الحق الأساسي في حرية التجمع”.
لكن المحاكم توصلت في مرحلتين إلى تقييم آخر وسمحت بتجديد الاحتجاجات، والمطلوب في الحالة الملموسة، هو وجود تنبؤ بالمخاطر مبني على “حقائق وسلوكيات وتفاصيل أخرى”، فـ “الاشتباه العام أو الافتراضات” غير كافية، كما أن القضاة أشاروا إلى قانون الحماية من العدوى لولاية برلين الذي لا يتضمن قيوداً بخصوص عدد المشاركين ووضع الكمامة منصوص عليه فقط “في حال الضرورة” أي إذا لم يتم احترام مسافة التباعد الاجتماعي.
ونظرياً كان بالإمكان الحفاظ على هذه الإجراءات من قبل المتظاهرين في الشوارع الواسعة وفي الساحات الكبيرة لبرلين بدون إشكال، لكن كما هو معروف حصلت أشياء أخرى، ولذلك فرقت الشرطة المظاهرة الأولى، وهذا إجراء يتم التفكير فيه منذ البداية في قرارات المحاكم الحالية.
وبسبب الأهمية المبدئية لحرية التجمع لا ينبغي وضع “شروط أقل من اللازم” على التنبؤ بالمخاطر، خاصةً وأنه “ما يزال هناك احتمال إيجاد حل لاحق”، إذا لم يلتزم المتظاهرون بالقواعد المتبعة، وهذا بالتحديد ما حصل مجدداً نهاية الأسبوع في برلين.
وفي نقطة أخرى، عارضت المحاكم تعليل شرطة برلين، بعد أن عللت الأخيرة قرار الحظر بأنه في مظاهرات أخرى سابقة كانت تركيبة المتظاهرين المكونة “من الطبقة الوسطى وصولاً إلى أفراد من مجاميع اليمين المتطرف”، كافية، لكن في ألمانيا يسري مبدأ حرية التعبير كما هو منصوص في المادة 5 من القانون الأساسي، واستشهدت المحاكم مباشرةً بهذا المبدأ.
ويبقى من غير المؤكد بأي حال من الأحوال ما إذا كان سيُسمح بمظاهرة ثالثة واسعة النطاق احتجاجاً على إجراءات كورونا في برلين على خلفية أحداث نهاية الأسبوع، فللمرة الثانية لم يتمكن المنظمون على التظاهرة من منع الانتهاكات الجسيمة للشروط القانونية.
الهجوم على مبنى البرلمان الألماني خصوصاً يمكن تقييمه كتجاوز كبير للحدود ويؤثر مستقبلاً على القرارات حول حظر التجمع، فالقانون ينص مسبقاً على أنه لا يحق التظاهر أمام البرلمان إلا خلال الأسابيع التي لا تحصل فيها اجتماعات.
وهذه هي الحالة السائدة خلال نهاية الأسبوع عندما كان أفراد شرطة قليلون يحرصون المبنى، ولذلك تمكن المشاغبون العنيفون من اختراق خطوط رجال الشرطة، وتفادياً لأي طارئ فإن سلطات برلين قامت بفرض حماية على النصب التذكاري للهولوكوست الذي له أهمية تاريخية تتجاوز حدود ألمانيا.
مارسيل فورستناو – دويتشه فيله[ads3]