محاكمة جماعة فرايتال .. هكذا حوَّل اليمين المتطرف مدينة ألمانية إلى جحيم !
تنطلق الاثنين محاكمة ثانية أمام المحكمة العليا في دريسدن ضد أعضاء إضافيين ومساعدين “لمجموعة فرايتال” الإرهابية.
وقبل بداية المحاكمة تبدو الحياة اليومية لشتيفي براختيل مثل فيلم بوليسي مثير، فمنذ 2015 تطرح شتيفي براختيل على نفسها يومياً أسئلةً، مثل: “ماذا ينتظرك خلف السيارة المقبلة؟ أو ماذا ينتظرك إذا انفتح باب المصعد؟”، لأنه في تلك الفترة بدأ التهديد بالنسبة لها.
“انطلق الأمر بإهانات على الإنترنت، ثم كان لدي الشعور بأنني أخضع للمراقبة، وفي آب 2015، تم تفجير صندوق بريدي، وتعرض ابني للهجوم”، تقول المرأة.
في الواقع تعيش شتيفي براختيل في مدينة فرايتال التي تضم 40 ألف نسمة، وبالقرب منها، توجد مدينة دريسدن بجمالها وثقافتها وجماهير السياح.
والبطالة محدودة، ليس مكانا سيئا للعيش، لكن بالنسبة إلى شتيفي براختيل تحولت الحياة في فرايتال في 2015 إلى جحيم، لأنها قررت حينها مع آخرين مساعدة لاجئين قدموا إلى مدينتها، لكن قبل اللاجئين تأتي الكراهية، ليس من الخارج، بل من فرايتال نفسها، لأنه عندما عُرف أن الأشخاص الوافدين سيتم إيواؤهم في فندق سابق، خرج السكان إلى الشوارع، ليس بالعشرات، بل بالمئات، وليس مرة أو مرتين بل طوال أسابيع.
في 2015، كانت ألمانيا وأوروبا تشاهدان صور الحرب الأهلية الفظيعة في سوريا والوضع الكارثي لمئات آلاف النساء والرجال والأطفال الذين ينطلقون على الأرجل أو على متن قوارب مليئة بحثاً عن الأمن والسلام البعيد بآلاف الكيلومترات، وكثير منهم تعرض للغرق في البحر المتوسط، وأطفال يلفظهم البحر على شواطئ الاصطياف اليونانية، لكن هنا في فرايتال يصرخ أحد الغوغاء في وجه كاميرات التلفزة: “يحصلون على كل شيء جاهزاً، ولا أحد يعطيني شيئا!”، وهذه المشاهد جابت العالم، صور ألمانيا القبيحة والغنية، بلد بارد.
وأعمال عنف مواطنيها تؤثر بقوة كبيرة على شتيفي براختيل، “كان الأمر سيئا بالنسبة لي أن أعترف بأن الكراهية والأحكام المسبقة تأتي من مدينتي، لدي حب وكراهية أيضاً تجاه فرايتال ودريسدن، أنا وُلدت هنا وكانت لدي طفولة سعيدة، لكن الآن يوجد أيضاً الوجه القبيح”.
ولم يتوقف الأمر في عام 2015 عند حدود المظاهرات والاحتجاجات، لأن من خلال هذه الحشود انتظم سكان فرايتال في مبادرات مدنية، وأسسوا مجموعات الدفاع المدني وأطلقوا حملات تحريضية مليئة بالأكاذيب، وأطلقوا على أنفسهم اسم “لا للدور” الخاصة باللاجئين أو “مجموعة فرايتال”، وهذه المجموعة تريد الإرهاب وتمارسه أيضاً، وفي عام 2018، تصدر أحكام سجن ضد ثمانية أعضاء ومساعدين لهذه المجموعة، وهم مواطنون من المدينة، وفي حيثيات الحكم للمحكمة العليا في دريسدن، ورد أنهم أسسوا مجموعة إرهابية من أجل “تنفيذ اعتداءات بمتفجرات ضد دور اللاجئين وشقق ومكاتب وسيارات أشخاص لهم تفكير سياسي مختلف، ومن خلال ذلك أراد المتهمون خلق أجواء من الخوف والقمع”.
وفي مجموعات الدردشة عبر الإنترنت، يقوم أعضاء تلك المجموعات بشتم اللاجئين ويهينون من يساعدوهم مثل شتيفي براختيل، ورغم قرارات المحكمة وعقوبات السجن فإن خوف براختيل ظل قائماً، فإلى اليوم هي لا تغادر شقتها بعد حلول الظلام، لأن كراهية 2015 كان لها وجوه أكثر من الثمانية المحكوم عليهم، “نشعر بالضعف والعجز”، كما تحكي شتيفي براختيل، “عشت أيامي دوماً بثقة في النفس، ثم يقترب التهديد ثم نقرأ في الإنترنت شتائم مع نشر معلومات حول العائلة، المرء يُصاب بالبرانويا”، أي جنوب الريبة والشعور بالاضطهاد.
وبداية من السابع من أيلول 2020، تنطلق محاكمة ثانية أمام المحكمة العليا في دريسدن ضد أعضاء إضافيين ومساعدين “لمجموعة فرايتال” الإرهابية، وهذه المرة توجه التهم لأربعة رجال ونساء، “توقعاتي بالنسبة إلى المحاكمة الثانية هي أن يستيقظ باقي المشككين ويلحظوا أن الجناة كانوا أكثر من بضعة أوغاد”، يقول ميشاييل ريشتر، العضو بمجلس المدينة، الذي كان في 2015 رئيس الكتلة النيابية لحزب اليسار ويكافح إلى جانب شتيفي براختيل من أجل استقبال اللاجئين، ولذلك يتحول هو الآخر إلى هدف للإرهابيين، “لقد تمكنت من قراءة الوثائق، الناس كانوا يعرفون كل شيء عن خطواتي، هم أرادوا بعد الاعتداء بالمتفجرات على سيارتي تفجيري مع سيارتي الجديدة، كانوا يعرفون كل شيء”.
عمدة المدينة ومعه العديد من السياسيين فيها يقللون من شأن العنف في فرايتال، ويبدو أنهم قلقون بشأن العناوين السلبية في وسائل الإعلام أكثر من قلقهم من حشد الكراهية والإرهاب، وبعد الاعتداءات بالمتفجرات يتم التقليل من شأن الجناة بوصفهم بـ”أوغاد”.
وعلى أسئلة من شبكة “دويتشه فيله” الإعلامية حول الأحداث من عام 2015، يرد مكتب العمدة كتابياً فقط، وبالنسبة لأكبر رأس في المدينة، فإن الأمر تعلق “بأعمال مشينة لمجموعة صغيرة”، ولا تعقيب على حقيقة أن العديد من سكان فرايتال علقوا على الاعتداءات بالمتفجرات ضد لاجئين ببرود، قائلين: “إنهم ليسوا ألماناً”، كما لم يكن هناك تعقيب أيضاً على تعرض نائب منتخب لتهديد خطير على حياته.
وعندما تمكن عضو مجلس المدينة، ميشاييل ريشتر، في عام 2017، من إلقاء نظرة على وثائق الدعوى الجنائية ضد المجموعة الارهابية، قرر مغادرة فرايتال، “كان الوضع مزعجاً للغاية، لقد كان كارثياً، أحد المخبرين للجناة كان يسكن في الشقة المجاورة لي، فعندما حصلت بعد الاعتداء على سيارة جديدة أرسل مباشرة صوراً إلى مجموعة فرايتال”.
وريشتر يحصل على فترة مرضية لتسعة أشهر وينتقل إلى ولاية بافاريا، وهناك يقوم بحلب بعض الأبقار ويعتني بأشياء بعيداً عن السياسة، “أعيش الآن متحرراً، بإمكاني التعبير عن رأيي بحرية، حتى ولو أن المرء يُعتبر كيساري استثناء في بافاريا”.
ويبدو ريشتر وكأنه تخلص من القيود عندما يحكي عن حياته الجديدة، فهل يحن لفرايتال؟، جوابه على ذلك كانت ضحكة مدوية: “ليس لدي أدنى حنين للعودة إلى فرايتال!، ينقصني فقط الناس الذين لدي معهم ذكريات إيجابية”.
وشتيفي براختيل لديها الانطباع بأن المحاكمة الأولى والتالية أتت ببعض المفعول داخل المدينة، فبعض السكان أدركوا أن الأمر يتعلق باليمين المتطرف والإرهاب وليس بصغائر، ولا تشعر بتهديد محدق، ولكن هل المدينة استنتجت العبر من تلك الحوادث؟، “أعتقد أن ذلك قد يحصل مجدداً، لقد تم توجيه التهم فقط لقمة جبل الجليد، هنا ما زال يعيش الكثيرون في المدينة الذين يدعمون ذلك أو صفقوا لذلك، نعم الخطر ما زال موجوداً”، تقول براختيل.
هانس بفايفر – دويتشه فيله[ads3]