فاينينشال تايمز: الاقتصاد الأوروبي يتحرك بسرعتين .. ألمانية و إسبانية

في الأيام العادية، يعد شارع جران فيا في قلب مدريد واجهة إسبانيا التي تطل بها على العالم، لكن الشارع الذي يبلغ عمره 100 عام يقف شاهدا الآن على الألم الاقتصادي لفيروس كورونا – وعلى الاختلاف المتزايد في قلب منطقة اليورو.

قال أنطونيو، مدير “متجر برافو جافا” للأحذية في جران فيا، الذي يقع بين ملهى ليلي مغلق ومسرح متوقف عن العمل: “لم تعد هناك روح: ليس لدينا سائحون والسكان المحليون لا يغادرون منازلهم”.

لقد أصابت الجائحة اقتصاد مدريد بشدة. يبيع متجر برافو جافا اليوم ما بين اثنين إلى خمسة أزواج من الأحذية يوميا – نحو 20 في المائة من حجم المبيعات قبل عام.

قال أنطونيو، الذي أغلق المتجر خلال فترة الإغلاق التام بين آذار (مارس) وتموز (يوليو): “أعتقد سيتعين علينا الإغلاق مرة أخرى، ليس بسبب الوباء نفسه، ولكن بسبب الأزمة الاقتصادية”. ويعتقد أن المتجر الذي تأسس عام 1942، قد يستمر لمدة ثلاثة أشهر أخرى فقط.

على النقيض من ذلك، الانتعاش في النشاط الاقتصادي الألماني واضح لأي شخص يسير على طول شارع زيل في فرانكفورت، أحد أكثر شوارع التسوق ازدحاما في البلاد، التي أصبحت مكتظة بالحشود.

قالت كاتارينا بيتزنر، مديرة متجر “ستروسل بار” القريب، إن أعداد العملاء قفزت أخيرا، على الرغم من أن متجر القهوة والكعك يسمح بدخول مجموعة واحدة من الأشخاص في كل مرة مع ارتداء الأقنعة.

أضافت: “قضينا صيفا رائعا حقا – كنا مكتظين للغاية. يسعد الناس بالخروج مرة أخرى”. وتابعت: “عدد الأشخاص الذين يأتون خلال استراحات غدائهم الآن أكثر مما كان في حزيران (يونيو)، حيث يوجد كثير من المكاتب حول المنطقة”.

قبل الجائحة كانت إسبانيا تنمو بوتيرة أسرع من متوسط منطقة اليورو، في حين كانت ألمانيا على شفا ركود لأن نقاط الضعف طويلة الأمد أعاقت النمو. يعتمد أكبر اقتصاد في أوروبا بشكل كبير على الصادرات التي تضررت من تراجع التجارة العالمية، في حين أن قطاع صناعة السيارات فيها يعاني بسبب التحول إلى السيارات الكهربائية.

لكن مع انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء أوروبا في النصف الأول من هذا العام، انكمش الاقتصاد الإسباني 22 في المائة، أي ضعف انخفاض ألمانيا البالغ 12 في المائة. ويجري الانتعاش أيضا بشكل مختلف: كانت مبيعات التجزئة الألمانية أعلى من مستويات ما قبل الجائحة منذ أيار (مايو)، بينما لا تزال متخلفة في إسبانيا.

أحد أسباب ضعف أداء إسبانيا هو الضراوة التي انتشر بها الوباء في آذار (مارس) ونيسان (أبريل)، والسرعة التي انتشرت بها العدوى مرة أخرى بعد بضعة أشهر. كان الإغلاق التام في إسبانيا أقسى من الإغلاق الألماني وكان الاقتصاد الإسباني عرضة للأذى بشكل خاص بسبب اعتماده على السياحة.

تعاني إسبانيا أيضا مشكلات هيكلية مثل سوق العمل المختلة – بطالة الشباب أكثر من 40 في المائة – ونسبة عالية من الشركات الصغيرة التي تفتقر إلى جيوب ممتلئة بما يكفي لتحمل الأزمة.

وعلى الرغم من أن قوة اليورو تقوض القدرة التنافسية للمصدرين الألمان، قال ملفين كراوس، الزميل الفخري في معهد هوفر في جامعة ستانفورد، إن سعر الصرف من المرجح أن يضرب المصدرين في جنوب أوروبا بشكل أكبر لأنهم غالبا ما يكونون أكثر تأثرا بالسعر.

كل هذا يعني أن المفوضية الأوروبية تتوقع أن يتقلص الإنتاج الإسباني 10.9 في المائة هذا العام، أي أكثر بكثير من 6.3 في المائة متوقعة لألمانيا.

يحذر اقتصاديون من أن هذا التعافي ذي السرعتين – حيث ينتعش شمال أوروبا الأقوى ماليا بشكل أسرع من الجنوب المثقل بالديون – من المنتظر أن يزيد من توترات الأسواق المالية، ويؤجج التوترات السياسية، ويعقد مهمة صانعي السياسة في بروكسل وفرانكفورت.

قالت لينا كوميليفا، كبيرة الاقتصاديين في جي + إيكونوميكس: “أدت الجائحة إلى توسيع التباينات الهيكلية بين شمالي منطقة اليورو وجنوبيها، وهذا يبرز صعوبات وضع السياسة النقدية للمنطقة بأكملها”.

تجنب البنك المركزي الأوروبي حتى الآن تكرار أزمة الديون التي قربت منطقة اليورو من الانهيار في 2012 عن طريق شراء السندات الحكومية وضخ تريليونات اليورو من الأموال الرخيصة للغاية في النظام المالي، ما أدى إلى الحد من تكاليف الاقتراض.

لكن كوميليفا قالت: “ما لم يمتلك البنك المركزي الأوروبي نصف مجموع الديون الحكومية في منطقة اليورو، فنحن بحاجة إلى معالجة هذا التباين”.

حذرت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، من التباين الأسبوع الماضي، لكنها أعربت عن أملها في أن يساعد صندوق التعافي الأوروبي البالغ حجمه 750 مليار يورو.

أصبحت خطة إنعاش إسبانية موضوع مشاحنات سياسية. لم تضع مدريد بعد مقترحات مفصلة لإنفاق 140 مليار يورو من أموال الاتحاد الأوروبي التي من المقرر أن تتلقاها على مدى خمسة أعوام. فبينما تضغط حكومة الأقلية اليسارية على البرلمان لتمرير أول ميزانية لإسبانيا لأكثر من عامين، تريد المعارضة من حزب يمين الوسط وكالة مستقلة لإدارة الإنفاق، لتجنب تشويهها من قبل المحسوبية والاعتبارات السياسية.

ستؤثر الأزمة بعمق في المالية العامة الإسبانية، وتدفع الدين المستحق على البلاد من 96.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي إلى 128.7 في المائة بحلول 2022، حسبما ذكر البنك المركزي الأربعاء.

ألمانيا أقل تقييدا بالمخاوف المالية. بعد أعوام من فوائض الميزانية، ستواجه عجزا هذا العام يرفع ديونها الوطنية إلى 75 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا للبنك المركزي الألماني “بوندسبانك”. زادت برلين حزمتها للتعافي الاقتصادي ووسعت مخطط إجازات برنامج الحكومة الاتحادية لساعات العمل القصيرةـ الذي دعم أكثر من خمسة ملايين وظيفة – من 12 إلى 24 شهرا.

فيتور كونستانسيو، النائب السابق لرئيس البنك المركزي الأوروبي، أشار إلى أن هناك خطرا من أن المخاوف بشأن ارتفاع مستويات الديون قد تدفع حكومات الجنوب إلى كبح الإنفاق وانتظار تسلم أموال الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق من 2021.

قال: “إذا أخرت هذه الدول الإنفاق في العام المقبل، فسيؤدي ذلك إلى توسيع التباعد الاقتصادي، مع كل العواقب المالية والاجتماعية والسياسية التي تترتب على ذلك”.

جادلت ماريا خيسوس فرنانديز، الخبيرة الاقتصادية في مؤسسة بنوك الادخار الإسبانية، فونكاس، بأن المخاوف المالية تهدد بتقييد نطاق تعافي إسبانيا.

تجري الحكومة الإسبانية مفاوضات مع رجال الأعمال والنقابات حول تمديد مخططات الإجازة الممولة من الدولة، المعروفة باسم “إي آر تي إي” ERTE، التي من المقرر أن تنتهي بنهاية هذا الشهر.

قدرت فرنانديز أن تكاليف إي ار تي إي تبلغ 14 مليار يورو هذا العام، وهو ما يلتهم ثلثي قروض الاتحاد الأوروبي الطارئة البالغة 21 مليار يورو، التي تلقتها إسبانيا لمساعدتها على دفع إعانات البطالة.

حتى الآن، عاد إلى العمل جميع الموظفين إلا 800 ألف من أصل 3.5 مليون موظف مشمول في برنامج إي ار تي إي، كما عاد 900 ألف من مليون شخص في برنامج مماثل للعاملين لحسابهم الخاص.

لكن فرنانديز حذرت من أن أمد المخططات لا يمكن إطالته إلى أجل غير مسمى. قالت: “بحلول نهاية هذا العام سيتعين علينا التمييز بين القطاعات والشركات حيث يكون من المنطقي الاستمرار. للأسف سيضطر كثيرون إلى الإغلاق”.

دانيال دومبي ومارتن أرنولد – فاينينشال تايمز / الاقتصادية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها