من المستفيد من صفقة النفط الأمريكية في شمال شرق سوريا ؟

في كلّ من زياراتي السابقة إلى سوريا، وطأت قدماي مناطق طبيعية من الروابي المتموجة وآبار النفط. وكانت بعض الآبار المنتشرة في جميع الأنحاء تُستنزف ببطء، بينما البعض الآخر – الصدئ والمتروك – يقبع ساكنًا، رازحًا على طول الأرضية المرصوفة الملتوية للطرق الشمالية الشرقية المؤدية إلى مدينة القامشلي. هذه المناطق التي تشبه بانهاندل في تكساس، بدت أحيانًا كصورة طبق الأصل عن قلب أمريكا الغني بالنفط (ولكن بدون طواحين الهواء).

وشكّلت حقول النفط الشمالية الشرقية هذه، المرتكزة حول مدينتي الحسكة ودير الزور في سوريا، بطبيعة الحال هدفًا استراتيجيًا طوال الحرب الأهلية السورية. والآن، ووسط تنامي المخاوف من انسحاب أمريكي كامل في أوساط الأكراد السوريين المحليين، أتت بارقة أمل من الولايات المتحدة حيث أكّدت على اهتمامها المستمر في المنطقة من خلال اتفاق وقعه في الآونة الأخيرة مسؤولون أكراد من أجل الإشراف على العمليات المحلية لشركة النفط الأمريكية الجديدة “دلتا كريسنت إنرجي” المحدودة. غير أن الاتفاق سيكون في الفترة المقبلة محفوفًا بالتحديات كما أن ثبات الالتزام الأمريكي بالشؤون السورية لا يزال غير واضح المعالم، وبخاصةٍ في نظر السكان المحليين.

هذا وكان الحديث حقول النفط الشمالية والشرقية موضوعًا متكررًا خلال تغطيتي لأحداث سوريا. وقد زرت البلاد آخر مرة في شباط/فبراير 2019 حين تجوّلت في الحسكة، المحافظة الشمالية الشرقية الغنية بالنفط التي اعتُبرت ورقة مساومة وطوق نجاة لأكراد سوريا خلال السنوات العديدة الماضية. كما أعددت تقارير خلال تواجدي على طول الحدود المشتركة بين سوريا والعراق، حيث يوجد سوق نفط في مدينة القائم الحدودية العراقية تمكّن من خلالها تجار النفط المحليون، خلال أوج حكم “داعش” في 2015، من تحقيق ربح يناهز 10 دولارات عن كل برميل نفط مباع في العراق بواسطة شاحناتهم الكبيرة القادرة على نقل 70 برميلًا.

ومنذ زيارتي الأخيرة، تمّ إغلاق الطرقات عبر الحقول عمومًا أمام حركة العامة والحركة التجارية. وأصبحت حقول النفط في المنطقة إما مراكز عسكرية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” أو ميادين تدريب للقوات الأمريكية التي بدأت عملياتها في المنطقة في آذار/مارس 2020. وقد استخدمت القوات الأمريكية الحقول “للمناورات العسكرية وإطلاق الشعلات الضوئية والقذائف” واستمر إطلاق الأسلحة الثقيلة على طول أطراف “حقل العمر” و”حقل كونوكو” السابق في محيط صحراء خشام.

وخلال وجودي في سوريا عام 2019 – وسط تداول واسع لتغريدتين عامتين عبر “تويتر” أعلنتا في نهاية المطاف عن سحب بعض الجنود الأمريكيين من سوريا – قضيت ليلةً في ثكنة بالية كان يشغلها عمال في “حقل العمر” النفطي المهجور في معظمه – وهو الأكبر في سوريا – خارج دير الزور في شرق البلاد. وكان مقاتلو “قوات سوريا الديمقراطية” الذين تشاركت معهم المنامة والطعام خلال الوقت الذي أمضيته هناك يدركون تمام الإدراك دورهم في محاربة “داعش”. وتمثّل الهدف من تواجدهم في المكان في الدفاع عن منطقتهم التي تتمتع بشبه استقلال ذاتي، وحماية في الوقت نفسه المصالح الأمريكية: وبخاصةٍ، حقول النفط هذه.

مع ذلك، كان مقاتلو “قوات سوريا الديمقراطية” يعربون أساسًا عن قلق كبير إزاء إصرار الرئيس ترامب المتواصل بأنه سيسمح لروسيا وإيران وتركيا “بالتعاطي” مع الحرب الأهلية الدائرة في البلاد بحسب ما ترتأيه كل دولة. ولم يفهم المقاتلون سبب التضحية بهم على ما يبدو بسبب دبلوماسية شاذة، حتى في ظل ضرب مساعيهم الرامية إلى تعزيز المصالح الأمريكية.

والآن، نشرت الولايات المتحدة مجددًا جنودها في سوريا حول هذه الحقول. وفي إطار هذه التطورات، انسحبت القوات الأمريكية بشكل كبير من المنطقة الشمالية السورية التي تُعرف في أوساط الأكراد بـ”روج آفا” في خريف العام 2019. وخلال الانسحاب الأمريكي، عارض سكان “روج آفا” دخول القوات التركية التي سعت إلى إقامة ممر “آمن” بين الحدود التركية والأجزاء السورية حيث حارب السكان المحليون، بدعم من الولايات المتحدة، ولقوا حتفهم في حربهم ضد “داعش”. ومنذ ذلك الحين، أصبح أكراد سوريا يشككون بالالتزام الأمريكي بقضيتهم ومجتمعاتهم.

وعلى الرغم من تنامي المخاوف، لم تسحب الولايات المتحدة قط قواتها بالكامل من سوريا. وبدلًا من ذلك، شاهدتُ لاحقًا قوافل من المعدات الأمريكية تغادر البلاد في وقت أصابت فيه ضربات التحالف الجوية الأسلحة الأمريكية المتبقية، ولكن مع ذلك بقيت بعض القوات الأمريكية في المكان. يُذكر أن العدد الذي غالبًا ما تناقلته وسائل الإعلام عن القوات الأمريكية التي لا تزال في سوريا هو 500 عنصر. ووُصف وجود هذه العناصر هناك على أنه “لأغراض النفط حصرًا”. مع ذلك، واستنادًا إلى الأكراد السوريين في مدينتي القامشلي وكوباني الواقعتين شمال دير الزور، فإن هذا العدد يتجاوز على الأرجح الألف عنصر، وهو ما يمنحهم حسًا خاطئًا ربما بالأمل ببقاء الوجود الأمريكي. ومؤخرًا، وجد أكراد سوريا نوعًا من الطمأنينة في إعلان الرئيس بأن أمريكا باقية وفي الوجود الجلي لمزيد من العناصر الأمريكية رغم التقارير الإعلامية التي تقول العكس، وفي اتفاق النفط المبرم في الآونة الأخيرة.

وقد يرى المسؤولون الأمريكيون في الوعد بالتنقيب عن النفط تعويضًا لأكراد سوريا مقابل سحب الموارد من المناطق الكردية والسماح بدخول القوات التركية إليها. وأخبرني سكان مدينتي كوباني والقامشلي أنهم لا يزالون يتمسكون بالأمل في صعود إدارة جديدة يمكنها أن تأخذ محنتهم على محمل الجدّ ومنحهم، على أقلّ تقدير، أربع سنوات من الطمأنينة بدلًا من الاضطرابات.

غير أن اتفاق “دلتا كريسنت” يواجه عراقيل كبيرة تعترض أهدافه الاستراتيجية والتجارية. كما أن التحديات السياسية والفنية التي تواجه هذا الاتفاق كثيرة وقد يترتب على الاتفاق بحدّ ذاته تداعيات ناجمة عن القوى الإقليمية التي تعارض تطبيقه.

وعلمت من المسؤولين الأمريكيين أن شركة النفط الجديدة هي جزء من خطة أشمل ترمي إلى تقويض إيرادات النظام السوري. ويُعتبر القسم الشمالي الشرقي، الذي يكتنز 95 في المائة من احتياطي النفط والغاز في سوريا، منبع إيرادات البلاد. مع ذلك، لدى النظام في دمشق الكثير من الوسائل لتأمين حاجاته المالية غير النفط الشمالي الشرقي. فحكومة الأسد تتلقى الدعم من إيران وروسيا على شكل إمدادات طبية وشحنات مواد غذائية ودعم لوجستي. كما يمكن لدمشق أن تعوّل على قطاع الطاقة الخاص بها؛ لقد باعت سوريا الكهرباء بشكل متقطع إلى الدولة اللبنانية المجاورة التي لم تكن قادرة على إقامة شبكة كهرباء يمكن التعويل عليها.

بالإضافة إلى ذلك، كانت العقوبات المطروحة بموجب قانون قيصر الجديد على مقربة من تاريخ إتمام اتفاق النفط والرامية إلى إنهاء الشراكات بين الأكراد والنظام السوري، موضوع انتقادات من حلفاء الولايات المتحدة بعيْد إبرام الاتفاق: فقد نظّم قادة “قوات سوريا الديمقراطية” حملة إعلانية لاستنكار أحدث جولة عقوبات ضد سوريا، زاعمين أن العقوبات تؤدي إلى تجويع عناصر “قوات سوريا الديمقراطية” والنظام على حدّ سواء.

هذا ويبدو أن تأثير الولايات المتحدة على حلفائها أمثال “قوات سوريا الديمقراطية” يتضاءل عمومًا. ففي 31 آب/أغسطس، حاول “مجلس سوريا الديمقراطية” بقيادة الأكراد – الذراع السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” – التحوّط والحدّ من خسائره من خلال الاجتماع بمجموعة في موسكو لتوقيع مذكرة ترمي إلى حلّ نزاع قائم منذ فترة طويلة بين قوات النظام و”قوات سوريا الديمقراطية”. ويمكن اعتبار المذكرة بمثابة تذكير مقصود للولايات المتحدة بأنها خسرت فعليًا قدرتها على المساومة في المنطقة، وتنازلت عن جهود الوساطة لصالح قوات تسعى عمليًا إلى إخراجها من البلاد.

فضلًا عن ذلك، ربما يخسر هؤلاء الحلفاء أنفسهم الشعبية التي يحظون بها على الساحة المحلية. فقد أدى اغتيال زعيم قبيلة عربية محلية في الآونة الأخيرة والاستفزازات التي تلت بين القبائل و”قوات سوريا الديمقراطية” إلى حجب الدعم عن هذه الأخيرة في وقت يُعتبر فيه دعم القبائل المحلية أساسيًا ربما لتحقيق الوعد بأن يتطور اتفاق النفط إلى استثمار أمريكي طويل المدى.

كذلك، ربما تكون شعبية الاتفاق بذاته محليًا موضوع شكّ، رغم ما يحمله من إشارات إلى اهتمام الولايات المتحدة المتواصل في الشؤون السورية. فعدد قليل من الأكراد في شمال شرق البلاد حريص على أن يتم التعامل مع كفاحهم لتحقيق الاستقلال والمساواة والسلام باعتباره فرصة عمل. وقد قدّر الأكراد والجهات الخارجية على السواء أن يكون التنقيب عن النفط بمثابة انتهاك لمبدأ أساسي في القانون الدولي، يرتقي عمليًا إلى مستوى السرقة. وفي هذا السياق، غرّد الجنرال المتقاعد باري ماكافري العام الفائت قائلًا: “جلب شركات نفط أمريكية لتحديث الحقل. هل نتحوّل الآن إلى قراصنة؟”

وردّت الإدارة الأمريكية على الانتقاد على لسان جيمس جيفري، الممثل الخاص للولايات المتحدة لدى سوريا والمبعوث الخاص لحملة محاربة “داعش”، الذي قال: “لم نقم بأي شيء سوى تأمين التراخيص المرتبطة بهذه الشركة. فالنفط السوري هو للشعب السوري، ونحن لا نزال ملتزمين بالوحدة وبسلامة الأراضي في سوريا. إن الحكومة الأمريكية لا تملك أو تسيطر أو تدير الموارد النفطية في سوريا. لقد سمعتم موقف الرئيس بشأن حماية حقول النفط. وهنا تنتهي حدود دورنا”.

وناهيك عن الصعوبات السياسية، يواجه الاتفاق عقبات فنية صعبة. فثمة وفرة من النفط في المواقع الثلاثة التي ستنفذ فيها شركة “دلتا كريسنت” عمليات التنقيب، رميلان وتل حميس وتل براك. وتضمّ المنطقة الأشمل احتياطي البلاد النفطي البالغ 2.5 مليار برميل وكانت – قبل الحرب ضد “داعش” – قادرة على إنتاج نحو 387 ألف برميل من النفط يوميًا و7.8 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي كل سنة.

غير أن الحق الحصري لاستثمار حقول النفط السورية من خلال رخصة صادرة عن “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة يترافق مع عبء ثقيل يتمثل بإعادة بناء البنية التحتية على غرار المنشآت المهجورة في حقول “العمر”. ووفق مصدر كردي تحدث إلى “صوت أمريكا”، فإن تكلفة البنية التحتية الجديدة هذه ستتجاوز 150 مليون دولار.

من جهة أخرى، صرّح متحدث باسم “روج آفا” لوسيلة إعلامية محلية بأن الاتفاق يقضي “بإقامة مصفاتين تتمّ فيهما معالجة قسم صغير من نفط المنطقة ونقله ربما إلى خارج شمال شرق سوريا”. وكرّر هذا المصدر تصريحات أدلى بها أحد أعضاء قيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي” الحاكم مفادها: “بعد انتهاء الحرب مع “داعش”، بقي العمل قائمًا في 20 في المائة فقط من حقول النفط السورية… ولو [لم تقدّم] واشنطن استثمارات إلى المنطقة، لكان إصلاح هذه الآبار وتطويرها مستحيلًا”.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، يتجلى الأثر المحتمل لهذا الاتفاق – إذا ما تمّ تطبيقه بنجاح – أيضًا في الردّ الذي تأتى من قوى أخرى ناشطة في سوريا. ففي أواخر آب/أغسطس، أوقفت تركيا وروسيا وإيران العمل باتفاق التنقيب، في انشقاق ثلاثي يُظهر إلى أي مدى يمكن لوعد أمريكي بتطوير شمال شرق سوريا أن يكون نافذًا ومهمًا.

غير أن هذا الرد يشير أيضًا إلى أنه يمكن أن تترتب تداعيات على هذا الاتفاق. ففي حين سعت الدول الثلاث بالتعاقب إلى طرد القوات الأمريكية وضرب مصالحها في المنطقة لبعض الوقت، يبدو أنها تبذل المزيد من الجهود الحثيثة في الآونة الأخيرة. وتتجلى هذه التطورات في الاصطدام الذي حصل مؤخرًا بين دوريتين روسية وأمريكية أو في التهديدات التركية الأحدث لـ”قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة. وكانت روسيا وتركيا وإيران قد أعربت صراحة عن “معارضتها لمصادرة ونقل الإيرادات النفطية السورية بطريقة غير قانونية”.

ويُعتبر تقويض الولايات المتحدة في دير الزور بمثابة “التصرف السائد” بالنسبة لهذه الدول الثلاث. فقد قطعت تركيا خطوط المياه عن المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، وتواصل الدوريات الروسية مضايقة أفراد القوات الأمريكية بوتيرة متكررة لدرجة جاء في تقرير مفتش عام وزارة الدفاع المقدّم إلى الكونغرس أن “الفريقين اعتادا إلى حدّ كبير على تحركات وسلوك الآخر”. وأشار التقرير نفسه إلى أن القوات الروسية تسعى إلى تجنيد ميليشيات محلية لتنفيذ دوريات، بما يتماشى مع استراتيجيات الميليشيات المدعومة من إيران الرامية إلى التقرّب من قادة القبائل من أجل إضعاف عناصر “قوات سوريا الديمقراطية” التي حرّرت هذه المناطق من سيطرة “داعش” في ربيع العام 2019. وفي حين أن التنظيم بذاته “لا يصعد من جديد”، فإن جهات فاعلة غير حكومية أخرى تفعل. وبالتالي، إن الكشف عن الاستثمار الأمريكي في المنطقة ليس مضمون النتائج وليس خاليًا أيضًا من الأثمان.

وعليه، يرى أكراد سوريا حتى في اتفاق النفط هذا وعدًا أمريكيًا آخر قد لا يتمّ الوفاء به. وصحيح أنه يمكن لهذا الاتفاق أن يبيّن قدرة الولايات المتحدة على احترام التزاماتها تجاه حلفائها على المدى الطويل حول العالم، غير أن إمكانية أن يحقق الاتفاق هذا الغرض غير أكيدة. فلم تصل أي معدات إلى المنطقة ولم تبدأ عمليات الحفر بعد. ويجعل عدم التحرك هذا سكان “روج آفا” الأكراد يتساءلون ما إذا كان الاتفاق مجرد وعد آخر تطلقه الولايات المتحدة ولا تفي به. ويبقى أن نرى ما إذا كانت أمريكا مستعدة لتنفيذ الاستثمارات والالتزامات الضرورية من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات بينها وبين أكراد سوريا.

كينيث أر. روزين – معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫5 تعليقات

  1. المستفيد اميركا من سرقة النفط السوري.
    هي المختصر المفيد
    دولة اسست على جثث وأراضي الهنود الحمر
    بدكن ياها تطالع النفط وتهديكن ياه

    1. تركيا دولة بنيت على جثث الاكراد والارمن والسريان والاشور واليونانيين

  2. يا عكس السير كفى تكريد اسماء المدن العربيه ….ستبقى عربيه ولن يبقى الامريكان للابد في سوريا ..لا هم ولا الخونه