دويتشه فيله : ” مجالس المواطنين ” .. أداة جديدة لردم الهوة بين الألمان و ساستهم
قضايا سياسية كبيرة تشغل الرأي العام الألماني باستمرار، وتحتاج إلى بلورة اتجاه للرأي يحظى بأكبر قدر من التأييد لدى المواطنين.
ومن هذه القضايا: هل يجب على ألمانيا الاستعانة بالجيش الألماني بشكل أكبر في إفريقيا؟ وهل ينبغي على ألمانيا تقليص مشاركتها الحالية في أفغانستان؟ وهل بإمكان ألمانيا دفع مبالغ أكبر في المساعدة على التنمية للبلدان التي تساعد في الحد من الهجرة نحو أوروبا؟.. الكثير من هذه الأسئلة تُطرح باستمرار وقد تكون أيضاً مادة نقاش لمواطنين يرغبون في أن توظف بلادهم مواردها في هذه الجوانب بشكل صحيح.
السياسة تتطلب القبول العام من قبل الشعب، والتفكير حسب شعار: “أولئك الذين يجلسون في قمة الهرم (بالمؤسسات السياسية) يفعلون على كل حال ما يريدون”، أو ميول كثير من المواطنين إلى حلول سهلة يروج لها شعبويون، أمور تضر على المدى البعيد بالديمقراطية.
وهذا الأمر دفع إلى ما يعرف بمجلس كبار السن، المكون من ذوي الخبرة الطويلة، في البرلمان الألماني، بهدف دعم مبادرة “المزيد من الديمقراطية”، وتشكيل مجالس مواطنين، وقد أنشئ أول مجلس مواطنين منذ خريف 2019، ومهمته الرئيسية: “كيف يمكن إشراك المواطنين بشكل منتظم في القرارات السياسية؟”.
وقد كانت الأفكار المطروحة من قبل المواطنين متنوعة وتحفيزية، ففي برلين وبمناسبة “يوم الديمقراطية” في الـ 15 تشرين الثاني 2019، تلقى رئيس البرلمان الألماني فولفغانغ شويبله الكثير من اقتراحات المواطنين.
ورغم تمسك شويبله بموقفه المتشكك فيما يخص الاستفتاءات الشعبية على قرارات تصدر على المستوى الاتحادي، لكنه دعم خلال عام 2020 تشكيل مجالس مواطنين لمواجهة الفجوة المتزايدة بين الناخبين والمنتخبين، في ظل نظرة كثير من الناس سلبياً لتصورات سياسية معتدلة، إذ يرون في الغالب بأنها فوقية وبعيدة جداً عن حياتهم اليومية، ويقول شويبله حول هذا: “يجب علينا تعزيز ديمقراطيتنا البرلمانية كي تبقى مصونة في المستقبل”، موضحاً أن مجلس المواطنين مبادرة هامة.
والسياسي البالغ من العمر 78 تولى منذ 1972 كنائب برلماني العديد من المهام، وكان وزيراً للداخلية ورئيساً لكتلة الاتحاد المسيحي ووزيراً للمالية، وبفضل تأثيره الكبير داخل الحزب المسيحي الديمقراطي، يُعتبر شويبله كحليف هام لجميع من يريدون توطيد مشاركة المواطنين كعملية تكميلية للعمل البرلماني.
وبالرغم من أن السياسة الخارجية لها أهمية كبيرة حتى لاتخاذ قرارات في السياسة الداخلية بألمانيا، فإن مشاركة المواطنين في هذا الحقل ما زالت محدودة، وهذا سيكون مرغوباً فيه عندما تعلق الأمر في مطلع التسعينات بالقرار التاريخي حول ما إذا وجب على ألمانيا، للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، المشاركة بالجيش الألماني في نزاعات مسلحة في يوغوسلافيا السابقة.
وأمام هذا النوع من القرارات الكبيرة سيكون مجلس مواطنين بالتأكيد مجهداً، كما يعتبر أعضاء في لجنة الشؤون الخارجية التي يرأسها منذ 2014 نوربرت روتغن، الذي يترشح لتوه لرئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي، وقد تحدث إلى حد الآن بشكل متحفظ تجاه قرارات مجالس المواطنين، وقال:”هذا يشترط معرفة عالية لا تكون في العادة متوفرة”، وعلى هذا النحو يتركز لدى مجلس المواطنين “دور ألمانيا في العالم” أولاً في قضايا سهلة، مثل موضوعات التجارة العالمية وتأمين السلام والمساعدة الإنمائية والهجرة وحماية البيئة.
وفي الأسابيع الأخيرة من تشرين الأول، تم إعداد مجلس المواطنين الثاني المستقبلي من خلال أشخاص مختارين بطريقة عشوائية عبر مكتب السكان في كيمنيتس (شرق) وفرايزينغ (جنوب) ولوبيك (شمال) وفولكلينغن (الغرب).
وفي أوروبا، تبقى بلجيكا الأكثر تطوراً فيما يخص التجارب مع مجالس المواطنين، ففي بلدة أويبين، يوجد مثلاً مجلس مواطنين دائم يحق له أيضًا اقتراح قوانين على حكومة المناطق السكانية الناطقة بالألمانية هناك، ويبقى السياسيون المحترفون مطالبين بالتعاطي مع اقتراحات الرجال والنساء الأعضاء في مجلس المواطنين.
وفي “معهد الديمقراطية وبحوث المشاركة” بجامعة فوبرتال الألمانية يسود التنويه بكيفية العمل لإيجاد الحلول، بعيداً عن التخمينات الحزبية المعتادة.
“السذاجة المدنية والفهم اليومي يُؤتيان ثمارهما”، كما يعتبر الباحث في قضايا الديمقراطية هانس ليتسمان.
ومن جهته، يلخص تورستن شتيرك، من نادي “ديمقراطية أكثر”، تجارب المشاركين على النحو التالي: “دخلت كأنا وخرجت كنحن”.
وفي بريطانيا البلد الذي ما يزال يعكف على بلورة خروجه من الاتحاد الأوروبي، يوجد في نيوهام مجلس مواطنين متخصص بموضوع واحد، هو المناخ، وفي بريستول، يوجد مجلس مواطنين خاص بمناقشة قضايا وباء كورونا، وفي أيرلندا، يتم حالياً العمل من أجل إضفاء الطابع المؤسسي على مجالس المواطنين.
وفي فرنسا، يقول الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي عايش تجارب مع مجلس مواطنين حول تحول المناخ: “مجلس المواطنين يجب في كل الأحوال أن يشكل الغرفة الثالثة التابعة للبرلمان”.
وفي الأثناء، يلاحظ معهد الديمقراطية وبحوث المشاركة الألماني ميلًا كبيرًا في أوروبا لتشكيل مجالس مواطنين.
وفي برلين، من شأن مجلس المواطنين الثاني أن يكون تجربةً لصيغة ديمقراطية، وسيجمع البرلمان معلومات إضافية حول ما إذا كان مجلس المواطنين يصلح فعلاً لدعم العمل البرلماني، وهناك تطلع لإقامة مجالس مواطنين تهتم بقضايا هامة مختلفة بالنسبة إلى المجتمع الألماني.
فولفغانغ ديك – دويتشه فيله[ads3]