دويتشه فيله : دخل أساسي ثابت بدون شروط .. هل ينجح في ألمانيا وأوروبا ؟
ما الذي سيحصل إذا لم يقلق أحد على دخله الأساسي؟، هذا السؤال طرحته مروة فتافتة عدة مرات في الأسابيع الماضية.
وقالت فتافتة، التي جاءت في السابق كمهاجرة فلسطينية إلى ألمانيا وبنت حياة شخصية في برلين وتعمل اليوم لدى منظمة تُعنى بالحقوق الشخصية الرقمية: “أعتقد أن الكثير من الخوف والإجهاد سيزول”، مضيفةً: “كان واضحاً لي منذ وقت مبكر أن الحرية تعني بالنسبة إلى أيضاً أن لا تكون لي تبعية مادية”.
وتقول فتافتة لشبكة “دويتشه فيله” الإعلامية: “في السابق كنت أنوي العيش من الفن، لكن اتضح لي أنني لن أحصل على دخل منتظم من ذلك وتخليت عن هذا الحلم”.
مروة فتافتة هي واحدة من بين نحو مليوني شخص يعيشون في ألمانيا تقدموا لمشروع الدخل الأساسي، و122 منهم يحصلون ابتداء من الربيع المقبل طوال ثلاث سنوات على 1200 يورو شهرياً، بدون شروط، ومن خلال هذه الدراسة، يعتزم المعهد الألماني لبحوث الاقتصاد ونادي “دخلي الأساسي” استكشاف التأثيرات الناجمة عن الدخل الأساسي غير المشروط على المجتمع في ألمانيا.
“هذه الدراسة فرصة سانحة كبيرة لنقل النقاش النظري حول الدخل الأساسي غير المشروط الذي يرافقنا منذ سنوات إلى الواقع الاجتماعي”، كما يقول مدير الدراسة يورغن شوب من المعهد الألماني لبحوث الاقتصاد، ويضيف: “نريد أن نستكشف هل دفع دخل أساسي غير مشروط طوال فترة زمنية يقود إلى تغييرات ملموسة في العمل والشعور”.
فمشروع الدخل الأساسي غير المشروط هو أولاً بسيط، فكل شخص يحصل في كل شهر على مبلغ من الدولة بصرف النظر عما يفعل، وبخلاف المساعدة الاجتماعية الحكومية، لا يمكن تقليص الدخل الأساسي ولا يجب على المستفيدين منه تقديم أية خدمات.
وحول المبلغ الذي سيكون مناسباً، لدى الأشخاص في ألمانيا تصور واضح بهذا الشأن، فهو قريب في المتوسط من 1200 يورو التي يعتمدها المشروع، ومن أجل أن تتوفر الدولة على ما يكفي من المال لدفع دخل أساسي شهري لكل مواطن، تكون عدة نماذج تمويل مطروحة، مثل الرفع من ضريبة الدخل والإرث أو ضريبة التحويلات المالية، وكيفما كان نموذج التمويل، فإن الأشخاص ذوي الدخل الضعيف سيتوفرون على مزيد من المال.
وفكرة دخل أساسي مطروحة للنقاش في كثير من البلدان الأوروبية، والآن تريد مبادرة مدنية أن تُعني المفوضية الأوروبية بالموضوع، فهي تطالب المفوضية بطرح اقتراح حول دخل أساسي غير مشروط في جميع دول الاتحاد الأوروبي، وهذا من شأنه تقليص الفوارق الإقليمية وتقوية التماسك الاقتصادي والاجتماعي في أوروبا، وهذه المبادرة تكون ناجحة إذا ما وقع عليها في غضون سنة مليون شخص، يحق لهم الانتخاب في الاتحاد الأوروبي، وفي آن واحد تجميع عدد أدنى من التوقيعات في سبعة بلدان، وهذا ما يزال يمثل طريقاً طويلاً أمام مساندي المبادرة.
وبعد نحو شهرين من انطلاق المبادرة، وقع نحو 72.000 مواطن من الاتحاد الأوروبي، وسلوفينيا تجاوزت كأول بلد أوروبي الحد الأدنى الضروري بـ5640 من التوقيعات.
“هناك تمكنت مجموعة شابة ونشيطة من الوصول إلى كثير من الشباب عبر فيسبوك وتويتر وإنستغرام”، يقول رونالد بلاشكه، منسق الحملة في المانيا.
وفي بولندا أو مالطا قلما يوجد، حسب بلاشكه، نقاش عمومي حول الدخل الأساسي، “هناك لا توجد حركة مدنية ولا اتحادات كبرى، مثل ما هو عندنا حركة العمل الكاثوليكية التي تُعنى بالموضوع”.
والوضع مختلف في فرنسا حيث أن مشهد المؤيدين متباين، “فهو يمتد من الحركة البيئية عبر الالتزام ضد الفقر إلى الأفكار الليبرالية”، يقول رونالد بلاشكه لشبكة “دويتشه فيله”.
وتحت ماكرون، يبقى إدراج دخل أساسي بالطبع غير ممكن، “لكن نلاحظ بأن النقاش في فرنسا أوسع مما هو عليه الحال في بلدان أخرى”.
وسويسرا هي البلد الأوروبي الأول الذي أجرى قبل أربع سنوات استفتاء حول الدخل الأساسي غير المشروط، لكن المبادرة الشعبية فشلت بشكل ذريع، حيث أن 77% من السويسريين رفضوا منح دخل أساسي.
ورغم هذا النوع من الانتكاسات، فإن فكرة الدخل الأساسي يتم طرحها باستمرار، مثلاً مؤخراً في فنلندا، ففي عامي 2017 و2018، تلقى هناك ألفان من العاطلين عن العمل الفنلنديين المختارين بشكل عفوي دخلاً أساسياً كل شهر بمبلغ 560 يورو، عوض المساعدة المعتادة للعاطلين عن العمل، وهؤلاء الأشخاص، بحسب الدراسة، باتوا بفضل الدخل الأساسي في وضع نفسي أفضل، إذ كانوا سعداء ومرتاحين، وهذا التأمين المالي يمكن أن يمنحهم إمكانية تجربة مشاريع مهنية جديدة دون المخاطرة بالإفلاس، لكن هذه الانعكاسات على سوق العمل في فنلندا لم يثبت وجودها.
وبهذا التساؤل، تثير الدراسة أكبر نقطة جدال عندما يتعلق الأمر بإدراج دخل أساسي، فالمنتقدون يخشون أن تفضل غالبية المواطنين عدم الذهاب لأي عمل، لكن دراسة من معهد بحوث في ألمانيا بينت أن ثلاثة من بين أربعة ألمان يدعون أنهم سيواصلون العمل بغض النظر عن مستوى دخلهم الأساسين “فالناس يفضلون تقليص وقت العمل من أجل الحصول على مزيد من الوقت للعائلة أو الالتزام التطوعي”، يقول رونالد بلاشكه.
وحتى مروة فتافتة لا تريد التخلي عن عملها في حال فوزها بالحصول على دخل أساسي لثلاث سنوات.
وبالرغم من ذلك، فإن دخلاً أساسيا غير مشروط يمكن أن يساعد في امتصاص الضغط في كثير من الأوضاع المعيشية.
مريم بنيكه – دويتشه فيله[ads3]