عن أجمل مقابلة يمكن أن تشاهدها لـ ” النخب ” الموالية لبشار الأسد
بعيداً عن الانتقادات التي توجه عادة لإذاعة صوت ألمانيا (دويتشه فيله) والإعلامي المعروف جعفر عبد الكريم، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالشأن السوري، الانتقادات التي تكون في كثير من الأحيان متجنية أو موتورة أو ناجمة عن عدم اطلاع، وهذا لا يعني ذلك أنني مؤيد ومعجب بالمطلق، بل لي كغيري تحفظات ومآخذ على ما تقدمه القناة وما يقدمه برنامج “جعفر توك”، ولكن إن افترضنا مجازاً أو جدلاً أن للمقدم وبرنامجه ذنوباً وأخطاء، فإن هذه المقابلة التي أجراها مع سلاف فواخرجي غفرت لجعفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
إن أردت التحدث بلسان مراقب غير سوري وغير معني بالقضية السورية ولا يتأثر بها عاطفياً من قريب أو بعيد، فستحزن على سلاف أشد الحزن، وستتساءل عن الذي ورطها هذه الورطة وأقنعها بالمشاركة بهذه المقابلة التي أظهرتها بأسوأ صورة ممكنة وعرتها أخلاقياً وفكرياً.
في تقديمه الأخير لجوائز غولدن غلوب، قال الممثل والمقدم الكوميدي المعروف ريكي جيرفيز للفنانين الذين حضروا الحفل: “إن فزتم بجائزة اليوم، لا تستخدموا الحفل كمنصة لإلقاء خطب سياسية، لستم في منصب أو مكانة تخولكم تقديم محاضرات للناس عن أي شيء، أنتم لا تعلمون شيئاً عن العالم الحقيقي، معظمكم أمضى في المدرسة وقتاً أقل من الوقت الذي أمضته غريتا تونبرغ (الناشطة السويدية المعروفة).. إن فزتم، اصعدوا للمنصة واقبلوا جائزتكم واشكروا وكلاءكم وربكم، واغربوا عن وجهنا”، كان ظهور سلاف، التي لطالما حاضرت هي وأمثالها بالشعب المسحوق وقدمت له دروساً في الحياة والأخلاق والوطنية، في هذه المقابلة، تجسيداً لما قاله جيرفيز، ضحالة فكرية وطروحات ساذجة واطلاع معدوم وحديث محشو بالتناقضات.
بعد مشاهدة المقابلة، لا يمكنك إلا أن تفاجأ من كم الانتقادات التي طالتها ومقدمها، هي مقابلة رائعة لدرجة تتمنى أن يحظى بها كل مؤيد، جلسة تقريع من العيار الثقيل ومحاكمة أخلاقية وسربلة بالعار الذي إن كان سيمحى قبلها فإنه بات غير قابل للمحو الآن.
مع كل سؤال يتوجه به الإعلامي المحاور، تظهر علامات الرعب والقلق والتوتر على سلاف، وهذا ديدن مؤيدي المجرم، يسقطون عندما يقابلون بالحجة والدليل الدامغ، ويتحولون لحمل وديع لا حول له ولا قوة عندما يكون محاورهم غريباً لا بل حقيقياً لا ينتمي لمعسكرهم ولا يمكن وصمه بالإرهاب وهو المعروف بكونه رائد التحرر.
ما أجمل أن تُجلس مؤيداً وتجبره على مشاهدة المحامي أنور البني وهو يتحدث عن معتقلات بشار الأسد، أن تقرأ على مسامعه ما يحدث في السجون وفق رواية المنظمات الحقوقية الدولية، أدعوك لمشاهدة تعابير وجه فواخرجي وهي مجبرة على الاستماع لقراءة المحاور لما سبق وتأكيده أكثر من مرة -بالأدلة- على قتل الجيش السوري للسوريين بالبراميل، ثم أدعوك لتخيل ما يدور في رأسها، وما يدور في رأس الموالي الذي يتابعها وهو منتظر لانتصارات شبيهة بتلك التي يزغرد فرحاً كلما سمعها من بشار الجعفري وصحبه.
تقول سلاف في معرض حديثها إن الدم السوري واحد، وأنها متعاطفة مع كل أم فقدت ابنها من أي طرف، وتزعم أن تأييدها للجيش لا تنطلق منه من منطلق سياسي، بل هي تؤيده لأنه “جيش البلد” المشكل من جميع الأديان والطوائف، تعتبر تأييد الجرائم التي يرتكبها موقفاً وطنياً وحقاً في إبداء الرأي.
ويبدو أن سلاف لم تراجع مقابلات القائد المفدى الأخيرة عندما قالت إن الدم السوري واحد وأنها متعاطفة الضحايا وأن “نحن التنين واحد”، فقد قال أبو حافظ العام الماضي “يا كلنا بدنا نكون خونة يا وطنيين، مافي هادا نص وطني ونص خاين ما بتظبط”، ما بتظبط يا سيدتي، وأكاد أجزم أن الجوية التي قد تستضيفك لشرب فنجان من القهوة والحديث معك عن هذه المقابلة، ستعيد هذه الجملة على أسماعك أكثر من مرة.
تضيف الفنانة أن الفساد جزء من الوطن العربي، وأن الوضع في سوريا قبل 2011 كان “نوعاً ما مثالي” ثقافياً وفنياً واقتصادياً وسياسياً، يحاصرها المحاور ويحاول الحصول على أجوبة منها حول التعذيب في السجون واعتقال المعارضين (قبل الثورة) فتتهرب وتتلوى، ثم تقول “يعني وضعنا هلأ أفضل” فيسألها المحاور عن المسؤول، لتجيب بحنكة تشبه حنكة وليد المعلم: “المسؤول..؟ المسؤول مسؤول يعني واضح.. الأخوان”.
يعرض المحاور آراء اللاجئين السوريين في ألمانيا بنظامها، يقرأ عن الفظائع المرتكبة، يقرأ بإسهاب وإطالة، تمتقع على كرسيها دون أن تتمكن من مقاطعته، تنتظر الفرصة المناسبة لتقول له إنه يجب عرض أخبار الانتهاكات المتعلقة بالطرف الآخر أيضاً، لسنا وحدنا السفلة المجرمون يا جعفر، أي نعم نحن كذلك وكوني لا أستطيع الإنكار فسأطلب منك أن تذكر جرائم الطرف الآخر لتخفف عنا قليلاً.
تعلق على حديث المحامي أنور البني بالقول إنها تحترم ألمه، وتؤكد أن هناك “أخطاء أمنية” وأن بدايات الثورة لم تشهد قمعاً، نعم قالت “ثورة” وأكدت أنها مع خروج ثورة ولكن بشكل ممنهج، أي نعم هي ذاتها التي قالت قبل قليل إن الوضع في سوريا كان شبه مثالي، أصبحت الآن مؤيدة لثورة ممنهجة.
كانت الناس محقة بداية، بحسب ما أكدت سلاف، إلا أن الأسلحة خرجت من المساجد، وعليك يا جعفر ألا تصدق “يلي برا” نحن من في الداخل نعلم الحقيقة فقط، الحقيقة التي تناسبنا، تكشر عن أنيابها بعد تضييق الخناق عليها بالأسئلة وتقول رداً على اتهامات مواجهة المتظاهرين بالجيش وأسلحته وبراميله وسجونه وتعذيبه: “من حق كل بلد يدافع بشتى الوسائل لما تصير فوضى.. الحرب فيها أطراف بيغلطو وفيها ضحايا أبرياء”، وتضيف أنها ومن مثلها “ما شفنا شي”.
تؤكد سلاف أنها مقتنعة برأيها، وهو رأيها الذي لم يفرضه عليها أحد، وتشير إلى أن بشار الأسد هو صمام أمام لسوريا وليست مع تنحيه ورحيله، وفي نفس الوقت تضرب بتصريحات النمر والنسر والصقر والأسد عرض الحائط وتقول إن “سوريا للكل” وليست سوريا الأسد.
سبق لسلاف أن قامت بنشاطات ميدانية داعمة للجيش، ولها الكثير من التصريحات الموالية والأعمال التلفزيونية / السينمائية التي لا يمكن اعتبرها إلا بروبغندا رخيصة للنظام، كما سبق لفيصل المقداد أن كرمها “لدورها في إظهار حقيقة الإرهاب”، كل ما سبق لم يمنعها من القول إن لا أحد يستخدمها للدعاية، بل كل ما تفعله ينبع من قناعاتها وآرائها الشخصية.
ترتعد سلاف مع كل سؤال، وترجو المحاور أن يحدثها عن الفن لا السياسة، فما ورطها به حتى اللحظة كفيل بتحويلها لصورة من صور قيصر، وتختم حديثها الذي يناقض بعضه بعضاً بالتأكيد مجدداً على أنه “لو كانت ثورة حقيقية لكنا كلنا معها” وتضيف أن سوريا “ما بقا متحملة نختلف، لازم نمسك إيدين بعض” ولو استرسلت قليلاً لأكملت “ونوقف كلنا مع سيادة الرئيس ويا دار ما دخلك شر”.
استمتعت كما لم استمتع من قبل وأنا أشاهد سلاف تكاد تميز من الغيظ والخوف والتوتر، وأتمنى ممن ورطها أن يورط آخرين ويعريهم ويجلدهم بالحقيقة.. بحقيقتهم، هذه المقابلة مفيدة للعارف قبل الباحث عن المعرفة، لكل من يحب أن يتذكر لماذا اندلعت الثورة، ولكل من يحب أن يعرف حقيقة “النخب الفارغة” عندما تحاصر بالحقيقة والبرهان.
عمر قصير – عكس السير[ads3]