نيويورك تايمز : ألمانيا أخطأت في التعامل مع نجاح مطوري لقاح كورونا لهذا السبب

قالت الصحافية الألمانية آنا سوربيري، في صحيفة “نيويورك تايمز”، إن فكرة توصل زوجين ألمانيين من أصل تركي للقاح ينقذنا من فيروس كورونا جيدة، لكن ما سبب عدم الارتياح في ألمانيا؟.

وقالت سوربيري إنها تلقت تغريدات كثيرة بعد إعلان الشركة الألمانية “بيونتيك” توصلها لنتائج واعدة ضد كوفيد-19 بالتعاون مع شركة “فايزر” الأمريكية الشهر الماضي، فإلى جانب الفرحة والتهاني، كان هناك شيء آخر يدعو للاحتفال، خاصةً أن أوغور شاهين وزوجته أوزليم توريجي، اللذان أنشآ شركة “بيونتيك”، هما ألمانيان من أصول تركية.

وكانت قصتهما واعدة من ناحية تحدّيها مظاهر السخط ضد المهاجرين التي انتشرت في العقد الماضي، وأصبحت مستشرية في كل مناحي الحياة الألمانية، ولو كان هناك شيء يقضي على المشاعر المعادية ضد المهاجرين، فستكون قصة مهاجريْن نجحا في التوصل لعقار ينجي البلاد من الفيروس القاتل.

لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فمن خلال الحديث عن الزوجين كقصة نجاح، قام الكثير وعن غير قصد بتكرار المبادئ الرئيسية للتفكير المعادي للمهاجرين، وهي أنهم مختلفون عن بقية المجتمع الألماني وقلة منهم يمكن أن يحصلوا على موقع خاص فيه ولكن البقية مرفوضة.

وهذا التنافر في الرؤية مثير للغرابة، لكنه ليس غريباً، وعندما يتعلق الأمر بالهجرة، فألمانيا لا ترتاح حتى مع النجاح الباهر، مع أن اختراع لقاح يأتي في الوقت المناسب، إلا أن تيلو سرازين، أحد كبار مسؤولي الحزب الاجتماعي الديمقراطي، كتب كتاباً قبل عقد بعنوان “ألمانيا تلغي نفسها”، وقال فيه إن الفجوة بين النظام التعليمي في الدول ذات الغالبية المسلمة والألماني متجذر بالخلافات الجينية، أو ما أطلق عليها “العيوب العقلية”.

وقال سرازين، محذراً، إن “المهاجرين هم تهديد على الاقتصاد الألماني من خلال تخفيضهم معايير التعليم”، وأصبح الكتاب الأكثر مبيعاً وما يزال متوفراً على رفوف كتب أبناء الطبقة المتوسطة،  واستخدم “حزب البديل” الذي شكل عام 2013 المشاعر المعادية للمهاجرين، ووصم المهاجرين بالخطورة وأنهم يجففون منابع الثروة الوطنية.

ولم يتوقف الحزب عن دق الطبل محذراً من المهاجرين، ففي عام 2018 وصفت الزعيمة المشاركة للحزب، أليس فايدل، من داخل البرلمان، المهاجرين بالمحجّبين وحاملي السكاكين، ويستخدم الحزب المشاكل المرتبطة بالمهاجرين من الفقر والحرمان والجريمة والحماس الديني لتوسيع قاعدته.

وبناء على هذه الخلفية، فنجاح كل من شاهين وتوريجي يقدم فرصةً للاحتفال بمنافع المهاجرين والاعتراف بالكيفية التي أغنوا فيها المجتمع الألماني، فقصة شاهين الذي ولد لعائلة عامل تركي، وتوريجي التي ولدت لطبيب تركي، كشفت عن أشكال الهجرة لألمانيا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فمن بداية الخمسينات من القرن الماضي، استعانت ألمانيا بالعمال الأتراك والإيطاليين الذين أطلقت عليهم “العمال الضيوف” في إشارة لوضعهم المؤقت، مع أن بعضهم ظل مقيماً وأصبح أبناؤهم وبناتهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الألماني، ولكن تم تجاوزهم في كل الأحيان.

ومن هنا، فالاحتفال بالدكتور شاهين، ابن عامل معمل “فورد” للسيارات، كان بمثابة فرصة لتصحيح الموقف، والخطر هنا أن الاحتفال بهما كمهاجريْن وقصة نجاح استثنائية يعني أنهما “ليسا منّا”، كما قال زميل للكاتبة، وعندما اتصلت مع قلة من الألمان الأتراك عبروا عن نفس التردد.

وقالت خديجة أيكون، الكاتبة في صحيفة “دير تاغس شبيغل”، حيث تعمل الكاتبة: “أخيراً، هناك شيء افتقدناه ولوقت طويل: الامتنان”، وكإبنة لعائلة “مهاجرين ضيوف” شعرت بوجود صلة مع الزوجين “شعور بالفخر بترابط السيرة الذاتية”، ولكنها لم تكن مرتاحة بالتركيز على سيرتهما الذاتية: “لعبت دوراً كصورة الطفل الناجحة عن الاندماج لوقت ما”، و”لكن النظر إليك من خلال هذه العدسة يكون متعباً ومحبطا”.

وتبدو نيكا فوروتون، البروفسورة بجامعة هامب، والتي ولدت في برلين، متعاطفةً مع هذا الموقف، وتقول: “أعتقد أنه من الصواب والمرضي التركيز على أصولهما”، ولكنها أيضاً متعبة من هذا التأطير: “هذا النوع من التأطير يعد بإنتاج فكرة الخصوصية، أي أن المهاجرين الاستثنائين هم من يصعدون للمراتب العليا في المجتمع ويحققون شيئا”.

ولا تتجاهل هذه الفكرة الدور الضروري الذي لعبه المهاجرون في المجتمع بشكل عام، لكنها فكرة غير صحيحة، لأن الدراسات تكشف عن اجتياز المهاجرين المراتب الاجتماعية، ولكنهم يظلون بدون تمثيل داخل المراتب العليا للسلطة ويظل دورهم مقيدا.

وبالنسبة لجيم أوزدمير، عضو حزب الخضر الألماني، والذي كان أول ابن لعائلة “ضيوف مهاجرين” ينتخب في البرلمان الألماني عام 1994، فالتركيز على أصول شاهين وتوريجي مهم: “في ألمانيا أصلك مهم في تحديد مكانتك”، ولهذا من المهم تظليل هذه النماذج الملهمة لتشجيع من يحاولون الإبحار في مصاعب المجتمع الألماني: “أعرف من تجاربي باسم تركي” أن “عليك أن تنجز جيداً وأنت مراقب بدقة”، وهذه حقيقة محزنة، فبعد أكثر من نصف قرن على وصول عائلة أوزدمير وشاهين وأكيون إلى المانيا، ما يزال البلد غير مرتاح لفكرة المهاجر وغير قادر على تقديم الفرص للجميع.

ولهذا السبب تظل قصة شاهين وتوريجي، على الأقل في الوقت الحالي، ضرورية، وتظهر أن نجاح ألمانيا لا ينفصل عن المهاجرين الذين جاءوا في 1960 و2020 ليصبحوا مواطنين في البلد. (القدرس العربي)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها