دويتشه فيله : فرص عمل كثيرة للأجانب في ألمانيا رغم كورونا

عقب فشل خطط سابقة محلية في كبح تفشي وباء كورونا الذي بلغ معدلات قياسية في ألمانيا، سواء ما يتعلق بالوفيات أو بالإصابات، أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، الأحد، بالاتفاق مع رؤساء حكومات الولايات، إغلاقاً عاماً “صارماً” حتى العاشر من شهر كانون الثاني المقبل.

ويتضمن القرار الجديد إغلاق كل محلات تجارة التجزئة عدا المحلات التي تقدم الاحتياجات اليومية للمواطنين، بالإضافة إلى الاتفاق مبدئيًا على إبقاء المدارس مغلقة خلال تلك الفترة.

ويأتي هذا التوجه على ضوء ارتفاع أعداد الإصابات اليومية بفيروس كورونا إلى نحو 30 ألف إصابة، بعدما كان قبل بضعة أشهر أقل من عشرة آلاف.

ولم ينجح الإغلاق الجزئي الساري المفعول منذ أوائل تشرين الثاني 2020 على قطاعات المطاعم والمقاهي والمتاحف والمسارح ودور السينما والأنشطة الثقافية والترفيهية في وقف تفشي الوباء.

ويقدر معهد الاقتصاد الألماني “DIW” الخسائر الناجمة عن الإغلاق الجزئي بنحو 19 مليار يورو قبل حلول العام الجاري 2020، وبخسائر تصل إلى حوالي 6 مليارات دولار، ويكون قطاع المطاعم والمقاهي الأكثر تضرراً، يليه القطاع الصناعي بخسائر تزيد على 5 مليارات دولار.

ومع استمرار الإغلاق وتشديده لعدة أشهر قادمة ستتضاعف هذه الأرقام بسرعة.

ويخشى كثيرون أمثال جوزيف سانكتيوهانسر، رئيس جميعة التجارة الألمانية “HDE”، من أن يؤدي ذلك إلى انهيار غالبية المحلات التجارية من أسواق المدن الألمانية، باستثناء التي تبيع مواد غذائية في حال طالت فترة الإغلاق.

غير أن الحكومة الألمانية تؤكد عزمها على منع ذلك من خلال توسيع وزيادة مساعداتها للمتضررين، بهدف منع حدوث مثل هذا السيناريو، وفي إطار تحقيق هذا الهدف، أعلن وزير المالية الألماني اولاف شولتس أن حكومتة سوف تستدين أكثر من 300 مليار يورو خلال العامين الجاري والقادم لضخها على شكل دعم واستثمارات وإعانات.

وضحت الحكومة الألمانية حتى الآن عشرات المليارات لدعم الشركات والأشخاص المتضررين من جائحة كورونا، ومن المتوقع أن يتجاوز الدعم الحكومي غير المسبوق للعمل الجزئي الذي يشمل ملايين الوظائف 60 مليار دولار بحلول العام الجاري 2020، ويشمل هذا الدعم أيضاً المطاعم والمقاهي وأصحاب المحال الصغيرة التجارية والخدمية التي لا تبيع مواد غذائية، وهي من المجالات التي تتركز فيها العمالة المهاجرة واللاجئة بنسبة عالية تتجاوز الثلث.

وعلى الرغم من هذا الدعم، فإن عشرات الآلاف فقدوا وظائفهم مع العلم أن نسبة البطالة في ألمانيا ما تزال أقل بكثير من مثيلتها في بلدان الاتحاد الأوروبي الرئيسية الأخرى كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وتقدر هذه النسبة حاليا بنحو 6%، مقارنةً مع 9% في فرنسا ونحو 17% في إسبانيا و11% في إيطاليا.

ويعكس قوة الاقتصاد الألماني في وجه عاصفة جائحة كورونا تنوعه والدور المهم للكثير من صناعاته التحويلية في الأسواق العالمية، ومن ضمنها الأسواق الآسيوية التي كانت أقل تأثراً بالجائجة واستمرت في استيراد السلع والمنتجات الألمانية بقوة، وهنا لعبت الصين الدور الأساسي كونها استمرت في استيراد السلع الألمانية بوتيرة عالية، وفي مقدمتها السيارات.

بالمقابل، هناك بالطبع أسواق عديدة للتجارة الألمانية تشهد تراجعاً خلال جائحة كورونا كالأسواق العربية، وهنا تفيد مصادر غرفة التجارة العربية الألمانية في برلين بأن الواردات الألمانية من الدول العربية تراجعت بنسبة تزيد على 39% خلال الفترة من كانون الثاني وحتى  أيلول من العام الجاري 2020.

وعلى صعيد الصادرات، بلغت نسبة التراجع، بحسب نفس المصادر، أكثر من 11% لنفس الفترة، ويعود تراجع الأخيرة إلى انقطاعات في سلاسل التوريد وتركيز الدول العربية، أسوةً بباقي الدول، على استيراد المستلزمات الصحية والطبية والأغذية والسلع الأساسية، وخاصةً من شرق آسيا.

أما التراجع في الواردات، فإن مرده الأساسي إلى تراجع الطلب على النفط وانخفاض أسعاره وخاصة من ليبيا التي كانت حتى وقت قريب على رأس قائمة مصدري الذهب الأسود من العالم العربي إلى ألمانيا.

ومن المتوقع أن يشهد التبادل التجاري بين الطرفين المزيد من التراجع، إلى أن ينحسر الوباء وتعود الحياة الاقتصادية إلى مجراها.

ومما لا شك فيه، فإن التأثيرات السلبية على التبادل التجاري تؤدي إلى فقدان الآلاف من فرص العمل سواء في ألمانيا أو في العالم العربي.

لكن وفي الوقت الذي تعاني فيه قطاعات عدة من الجائحة والإغلاق في ألمانيا بشكل يهدد استمرارها، هناك قطاعات أخرى خدمية واقتصادية ما تزال تعاني من نقص العاملين والكفاءات، ويبرز هذا النقص بشكل حاد في مؤسسات القطاع الصحي ومراكز رعاية المسنين.

وقد وصل الأمر في بعضها كالمستفيات البالغ عددها 1900 مستشفى إلى تحذير توبياس هانس، رئيس وزراء ولاية زارلاند، من عدم قدرة الأخيرة على استيعاب المرضى بمن فيهم مرضى كورونا بسبب نقص طواقم التمريض والأطباء.

ووصف السياسي الألماني في حديث مع جريدة “بيلد آم زونتاغ” الوضع في عدد منها بأنه “مخيف ومثير للقلق.. ويهددها بالانهيار “، ويبرز نقص الكفاءات أيضاً في مجالات تقنية المعلوماتية والاتصالات على أختلافها إضافة إلى مجالات العمل الموسمي كالزراعة.

وتحاول القطاعات التي تعاني النقص في الكفاءات شغل الوظائف الشاغرة بأقصى سرعة ممكنة، غير أن المشكلة في أن الكفاءات المطلوبة غير متوفرة في ألمانيا بما فيه الكفاية رغم زيادة عدد المهاجرين واللاجئين الذين خضعوا للتأهيل المناسب وحصلوا على وظيفة في مؤسسات القطاع الصحي وقطاع المعلوماتية خلال الأعوام الأربعة الماضية.

ومع استمرار النقص تضطر الجهات المعنية إلى تكثيف عملية البحث ومحاولة كسب الأشخاص المطلوبين من الخارج، ونظراً إلى أن الأعداد المطلوبة كبيرة وأن استقدام كفاءة أجنبية يصطدم بعقبات كثيرة لا تقتصر على اللغة والأجراءات البيروقراطية، فإن أمام الآلاف من المهاجرين واللاجئين الشباب الباحثين عن فرص عمل في ألمانيا فرص ذهبية لسد النقص المذكور أعلاه خلال فترة سنتين إلى ثلاث سنوات، غير أن هذه الفرص لن تتحقق إلا إذا أقدم هؤلاء على القيام بالتأهيل والتعليم اللازمين والذي تتحمل تكاليفه المؤسسات الحكومية الألمانية المعنية.

وهناك مئات الأمثلة عن أشخاص مهاجرين ولاجئين من سوريا وأفغانستان ومصر ودول آخرى نجحوا مؤخراً في هذا التأهيل وفي الحصول على الوظيفة المطلوبة سواء في القطاع الصحي أو في القطاعات المعلوماتية، ويشكل هؤلاء مثالاً يحتذى به للمترددين في استغلال الفرص المذكورة. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها