دويتشه فيله : العنصرية في هذه المدينة الألمانية .. ” لا تحدث كل يوم لكنها متواصلة ! “

يريد الزوجان الشابان أن تكون الحياة اليهودية ظاهرةً في ألمانيا، ولذلك قررا بعد تفكير ارتداء “الكيبا”، وهو غطاء الرأس لدى اليهود، بشكل علني.

بيد أن هذا الأمر جر عليهما عواقب وخيمة، ويوضحان: “ذهبنا مرةً إلى متجر كبير في مركز مدينة هاله، فجأة سمعنا بعض الناس يصرخون يهود.. يهود، ما اضطرنا للصياح عليهم أيضاً”، ويتابعان: “كثيراً ما نتعرض لمثل هذه الحوادث، أحياناً يتعرضون لنا من بعيد، وأحياناً يخدشون سيارتنا، في بعض المرات تعرضنا لتهديدات كلامية”.

وبعد الهجوم على الكنيس اليهودي في هاله في تشرين الأول 2019، قرر الزوجان عدم السكوت على هذه المضايقات، ما دعاهم إلى تقديم بلاغ إلى شرطة المدينة.

في بداية شهر أيلول 2020، تعرض الزوجان إلى مضايقات مهينة مرةً أخرى وهما يتجهان صوب سيارتهما، حيث تعرض لهما شخص، يركب دراجة هوائية، بالسب والشتم، فقرر الزوجان تقديم شكوى، بيد أنهما لم يشعرا بالراحة هناك، ويوضحان: “كان علينا أن ندلي بتصريحاتنا في الممر، بينما كان يجلس بقربنا رجل غريب”.

ولم يشعر الزوجان أن الشرطة تعاملهما بشكل لائق، وفي النهاية، قال لهما الشرطي إن توجيه كلمة يهودي لهم ليست تهديداً لحياتهم، وقال الزوج: “بدأت أرتجف من الغضب، لما سمعت كلامه، تولد لدي انطباع بأن الشرطي لا يريد مساعدتي، بل يفعل ما بوسعه لإبطال هذه الشكوى”.

الشرطة لم ترغب بإدلاء تعليق على هذه المزاعم، لكن لجنة تحقيق تابعة لبرلمان ولاية ساكسونيا أنهالت تتابع حالياً هذه القضية مع الشرطة في هاله.

وبعد الهجوم على الكنيس، اشتكى العديد من المتضررين من أن الشرطة عاملتهم “وكأنهم شيء مزعج”.

أيضاً شابة تبلغ من العمر 26 عاماً، ودرست في هاله كي تصبح معلمة، تعرضت هي الأخرى لمثل هذه الشتائم والمضايقات العنصرية في حياتها اليومية، وبحسب السيدة الشابة، فإن “المشكلة تتلخص في أن الناس في المدينة تعودوا على وجود هذه المضايقات”.

والشابة لا تريد تقبل هذا الوضع، ففي تشرين الأول 2019 وبعد أيام قليلة من الهجوم على الكنيس، وقعت حادثة أخرى داخل عربة “ترام”، حيث شاهدت الشابة قيام رجل بتوجيه إهانات عنصرية لثلاثة رجال سود، ختمها بتوجيه “تحية إلى هتلر”، ما دعا الشابة وامرأة أخرى إلى التدخل والصراخ، ثم تطور الأمر إلى اشتباك بالأيدي، وتعرضت الشابة لجروح طفيفة، ما دعاها إلى تقديم شكوى للشرطة.

بيد أن مكتب المدعي العام في هاله حفظ القضية في البداية، ما دفع محاميها إلى الضغط من أجل أن تتحول القضية إلى المحكمة، لكن هناك لم تبد الأمور أنها أفضل للشابة، بعدما تولد لديها انطباع أن المحكمة كانت تركز على تصرفها هي والمرأة الأخرى التي شاركتها الدفاع عن الضحايا، بدلاً من التركيز على فعل المشكو في حقه، وحاولت أكثر من مرة أن تركز أن تدخلها في الحادثة كانت بدافع “الشجاعة المدنية” وليس بشكل “تعسفي”.

وفي النهاية جاء الحكم لصالح المتهم، حيث ارتأت المحكمة أن المشكو في حقه لم يتعد على المرأتين، بل إنه تصرف دفاعاً عن نفسه.

الحكم أتى بمثابة صفعة على وجه الشابة، فهي تعتقد أنها فعلت ما كان يتوجب عليها فعله لكل شخص يعيش في دولة ديمقراطية، لكن الحكم أتى وكأنه يقول ما كان ينبغي عليها فعل هذا الأمر في الواقع.

ولقد تعرض مكتب المدعي العام في هاله لانتقادات لسنوات عدة بسبب غض الطرف عن هذه الاجراءات، بيد أن رئيسة الهيئة، هايكه غاير، رفضت هذه المزاعم في حديث مع شبكة “DW” الإعلامية، وأكدت أن مقياس عمل الهيئة هو “القانون وحده”.

هذه الأمور عاصرها شاب يبلغ من العمر 21 عاماً، وهو هارب من جحيم الحرب في سوريا، ويعيش في هاله منذ عام 2015.

في أول أيار 2020، استقل الشاب السوري الترام إلى حي “نيوشتات” في هاله، في وقت متأخر، حيث هاجمه ثلاثة شبان، وطرحوه أرضاً وأوسعوه ضرباً وركلاً، موجهين ركلاتهم صوب الرأس ووجهوا له شتائم عنصرية، ولقد لعب الحظ دوره، ولم يفقد الشاب حياته في هذا الهجوم، لكن المحكمة صنفت القضية رغم كل هذا بأنها “محاولة قتل غير عمد”.

كانت الإهانات العنصرية جزءا من حياة الشاب اليومية في هاله منذ البداية، ويقول: “رأيت الناس يتحدثون عني في الشارع بطريقة ليست لطيفة، لا يحدث ذلك كل يوم، لكنه يحدث باستمرار”، إنه يتوقع شيئاً من هذا القبيل كلما هم بمغادرة منزله.

عندما وصل اللاجئ السوري إلى هاله في عام 2015، لم يتخيل ما سيحدث في هذه المدينة الألمانية، فهو اعتقد أن هذه المدينة التي قدم إليها سيعتاد عليها وسيشيخ فيها، ولقد قال له أحد الأصدقاء ذات مرة: “أنا آسف لأنك تعيش في هاله”، وقبل الهجوم، كنت أقول: “هل يمكن أن يحدث لي أي شيء”، وبعد الهجوم، أصبحت أقول: “لقد مررت به أنا أيضاً”.

هانز فايفر – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها