كشف حساب رئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي في زمن كورونا .. و ميركل تعلق : ” لقد أزيح حجر كان جاثماً على صدري “
“لقد أزيح حجر كان جاثماً على صدري”، هكذا عبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن “ارتياحها الشديد” بعد أن توصل زعماء الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق حول الموازنة المقبلة للتكتل، يوم الجمعة الموافق 11 كانون الأول، بما في ذلك صندوق انتعاش لمواجهة أزمة فيروس كورونا بقيمة 1.8 تريليون يورو، كما تم الاتفاق على آلية لمراقبة وفحص مدى التزام الدول الأعضاء في التكتل بحكم القانون، والاتفاق جاء بعد محادثات ماراثونية في بروكسل.
وقد وضعت المستشارة الألمانية، التي ظهر عليها التعب بعد القمة، بصفة بلادها الرئيسة الدورية للاتحاد الاوروبي، كل ثقلها السياسي وخبرتها، كأقدم رئيس حكومة بين الحاضرين، وثقل بلادها الاقتصادي لإقناع المجر وبولندا بالتخلي عن اعتراضهما على الموازنة المقبلة للتكتل.
إقرار صندوق انتعاش لمواجهة أزمة كورونا هو قمة إنجازات رئاسة برلين الدورية للاتحاد الأوروبي، والتي استمرت ستة أشهر.
“لو كانت ميركل فشلت في ذلك، لكان الاتحاد الأوروبي في أزمة صعبة”، تقول الخبيرة دانيلا شفارتسر، من “الجمعية الألمانية للسياسية الخارجية” (DGAP).
وفي بداية ترأس ألمانيا للاتحاد، وبعد قمة ماراثونية استمرت أربعة أيام بلياليها، اتفق زعماء دول التكتل الأوروبي الـ27 في تموز الماضي على الحزمة المالية.
ويتذكر المندوب الألماني في الاتحاد، ميشائيل كلاوس، أن القمة كانت على وشك الانهيار في عدة مرات، ولكن، وبإصرار، نجحت المستشارة الألمانية ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشيل، في تلبية مصالح جميع دول التكتل.
وبعد الاتفاق بشهور، وضعت كل من المجر وبولندا “فيتو” من جديد على نقطة مراقبة وفحص مدى الالتزام بحكم القانون.
ولطالما انتقدت المفوضية الأوروبية (الذراع التنفيذي للتكتل) ومحكمة العدل الأوروبية الدولتين على خلفية انتهاكات لحكم القانون، وفقط بعد موافقة الدول الأخرى في الاتحاد، وعددها 25، على إعطاء الدولتين مهلة زمنية والاكتفاء بتقييدات طفيفة في مضمار سيادة القانون وحكمه، عدلت الدولتان عن موقفيهما.
“طريقة التعامل بين دول الاتحاد تلك تفصح الكثير عن الوضع الداخلي للاتحاد، لقد تم استغلال التكتل من قبل دولتين لتحقيق مصالح داخلية لكل منهما”، كما ترى المحللة السياسية الألمانية دانيلا شفارتسر، وتردف أنه “تم ممارسة ضغط كبير لإقرار الموازنة التي تبرز حاجة ماسة لها”، وتحذر شفارتسر من أنه وعلى المدى المتوسط قد لا تعمل آلية ضبط حكم القانون ومراقبته على وجهها الأكمل وتكون مضارها أكثر من منافعها.
وللمرة الأولى، تقترض دول الاتحاد الأوروبي وبشكل مشترك ديوناً تبلغ قيمتها مئات المليارات من اليورهات للتخفيف من آثار وباء كوفيد-19، فهل ستؤدي هذه الخطوة التاريخية لتقريب دول الاتحاد من بعضها البعض؟.
“هذا ما سيظهره التاريخ”، يجيب المندوب الألماني في التكتل، ميشائيل كلاوس، ويردف أنه متشكك حيال ذلك، بيد أنه يستدرك أن الاتحاد الأوروبي بتلك الخطوة نضج لدرجة تمكنه من مواجهة التحديات.
وأطلق وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، على رئاسة بلاده للاتحاد عبارة “رئاسة كورونا”، إذ أن الجائحة فرضت نفسها على الأجندة ولم تدع مجالاً لتنفيذ خطط في السياسية الخارجية للتكتل.
“لم نعقد سوى 30% من اجتماعاتنا الاعتيادية، ومن هنا كان لا بد من حصر التركيز على الأشياء الجوهرية”، يقول ميشائيل كلاوس.
ونجحت الرئاسة الدورية الألمانية في التوصل لاتفاق بخصوص الهدف الجديد في حماية المناخ، فحتى عام 2030 سيتم خفض الانبعاثات المضرة بالبيئة بنسبة 55%، عوضاً عن 40% المعمول به اليوم.
وتقريباً تم “شراء” موافقة بولندا وغيرها من الدول المعتمدة على الوقود الأحفوري بعد ليلة طويلة من المفاوضات بمعونات للتحول للطاقة البديلة.
ورئيس “مركز السياسة الأوروبي” (EPC) الذي يقع مقره في بروكسل، جانيس إمانويليديس، يرى أنها “صدفة تاريخية سعيدة” أن تكون ألمانيا في رئاسة الاتحاد في وقت الجائحة، ويعتقد المتابع لشؤون الاتحاد منذ سنين أنه لم يكن بإمكان أي دولة أوروبية أخرى إنجاز مثل تلك التسويات التوافقية بين الدول الأعضاء.
ويمتدح جانيس إمانويليديس على وجه الخصوص دور المستشارة أنغيلا ميركل، وبمناسبة انتهاء رئاستها للحكومة الألمانية في خريف عام 2021، يقول إنهم سوف “يفتقدونها”.
وقالت المستشارة ميركل في المؤتمر الصحفي بعد قمة الاتحاد في بروكسل: “أقولها بصراحة، كان لدينا خطط لفعل المزيد”، فلم يتم تحسين العلاقات التركية-الأوروبية، التي تعرضت لانتكاسة إثر التنقيب التركي عن الغاز في شرق المتوسط.
وفشلت محاولات إطلاق محادثات انضمام مقدونيا الشمالية وألبانيا إلى التكتل بسبب اعتراض بلغاريا، وألغيت قمتان مع كل من الصين والاتحاد الأفريقي.
ولم يكن بالإمكان إطلاق مؤتمر “مستقبل الاتحاد الأوروبي”، الذي كان من المتوقع أن يدفع بالإصلاحات قدماً، وتم ترحيل قانون الهجرة واللجوء المثير للانقسام بين الدول إلى الرئاسة البرتغالية للاتحاد، التي ستلي ألمانيا، وحتى في هذا المضمار، يعترض بالدرجة الأول كل من المجر وبولندا.
المندوب الألماني في الاتحاد، ميشائيل كلاوس، يقول إنه لا يمكن إلقاء اللوم بكل شيء على رئاسة ألمانيا للاتحاد أو رئاسة أي دولة أخرى، مضيفاً أن ذلك يرجع ببساطة للبنية المعقدة ووجهات النظر المختلفة إلى حد التضاد بين دول الاتحاد، ويضرب المندوب مثالاً بمحاولة الاتفاق على إجراءات موحدة لمواجهة كورونا: “في بعض الدول يكون الحجر لمدة 14 يوماً، وفي أخرى 10 أيام، وفي ثالثة 7 أو 5 أيام، وفي السويد لا حجر صحي”.
بيرند ريغرت – دويتشه فيله[ads3]