استراتيجية التلقيح المضاد لكورونا في ألمانيا تواجه تحايل الشركات
عارضت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خلال اجتماع للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، المنعقد افتراضياً هذا العام عبر الإنترنت، انتهاج الأنانية القومية كوسيلة للخروج من أزمة جائحة كورونا في مرحلة التطعيم الجماعي،
وقالت: “هذا يتعلق بالتوزيع العادل (للقاحات) وليس فقط بتوزيع الأموال”، ورحبت ميركل بإبرام المبادرة الدولية للتطعيم ضد كورونا “كوفاكس”، وأضافت: “سنفعل بالطبع كل ما في وسعنا لضمان بدء التوزيع بسرعة”.
وتصريحات ميركل تتزامن مع جدل واسع في ألمانيا، بسبب أعطاب رافقت حملة التطعيم، نتيجة فوضى ونقص في إمدادات الشركات المنتجة.
وتوالت المشاهد لتتشابه في مختلف الولايات الألمانية، ففي براندنبورغ، سيتعين على ما لا يقل عن 9 آلاف مواطن من الفئة الأولى (ذات الأولوية القصوى) الانتظار لفترة أطول قبل تلقي أول لقاح، فالولاية تعاني من نقص يقارب 25% من الجرعات التي كان من المفترض أن تحصل عليها من قبل شركتي “بيونتيك” و”فايزر”، وكان لذلك تأثير على سلسلة التنظيم اللوجيستي لحملة التطعيم، إذ اضطرت الولاية إلى برمجة حجز مراكز التلقيح، بحسب ما أعلنت جمعية براندنبورغ لأطباء التأمين الصحي.
ونفس السيناريو تكرر في عدد من الولايات الأخرى، كولاية شمال الراين فيستفاليا، التي علقت مؤقتاً التلقيحات في المستشفيات ومرافق الرعاية، فيما تخطط ولاية ساكسونيا بدورها لتأجيل التطعيمات، كما ألغت ولاية بافاريا عدداً من مواعيد التطعيم، فما السبب في هذه الفوضى، وماهي ملامح استراتيجية التلقيح في ألمانيا؟.
في تصريح للبرنامج الصباحي “مورغن ماغازين”، الذي تقدمه شبكات “آ إر دي” و”تسيت دي إف” الألمانيتين، الثلاثاء، دعا وزير الصحة الألماني ينس شبان إلى تقييد تصدير اللقاحات المنتجة داخل الاتحاد الأوروبي، وقال إنه يؤيد “أن اللقاحات التي تغادر الاتحاد تحتاج إلى تصريح حتى نعرف على الأقل ما يتم تصنيعه، وما الذي يغادر أوروبا، وما إذا كان سيكون هناك توزيع عادل”.
وستتلقى ألمانيا أكثر من 64 مليون جرعة من لقاح “بيونتك – فايزر” عبر المؤسسة الأوروبية، وهناك إمكانية أخرى مضمونة للحصول على 30 مليون جرعة إضافية.
وستحصل ألمانيا أيضاً على 50 مليون جرعة من لقاح “موديرنا” من الاتحاد الأوروبي، ويتم التفاوض حالياً على كميات إضافية.
وفي المجموع، هناك إمكانية لأن تحصل ألمانيا هذا العام على ما لا يقل عن 140 مليون جرعة، بحسب وزارة الصحة موزعة على هذا النحو:
“بيوتيك – فايزر”: 64 مليون جرعة عبر الاتحاد الأوروبي و30 مليون جرعة إضافية بشكل مباشر.
“موديرنا”: 50.5 مليون جرعة عبر التكتل القاري.
“كوريفاك”: 53 مليون جرعة عبر الاتحاد الأوروبي و20 مليون بشكل مباشر.
“أسترازينيكا”: 56.2 مليون جرعة عبر الاتحاد الأوروبي.
“جونسون آند جونسون”: 37.25 مليون جرعة عبر الاتحاد الأوروبي.
ومبدئياً، يتفاوض التكتل القاري باسم الدول الأعضاء للحصول على اللقاحات، لكن ألمانيا سعت للحصول على عقود إضافية بالتوازي مع العقود المبرمة من قبل الاتحاد الأوروبي.
ويذكر أن وزارة العلوم الألمانية أطلقت برنامجاً خاصاً لتسريع البحث والتطوير للقاحات مضادة لفيروس كورونا المستجد من قبل الشركات الألمانية كشركة “بيونتيك”.
ونظرًا لتوفر عدد محدود من الجرع في البداية، تم تحديد الفئات التي لها الأولوية في التلقيح، الذي سيشمل أولاً قاطني دور رعاية المسنين بفرق تطعيم متنقلة، وتنظيم تلقيح هذه الفئة يعتبر أكثر تعقيدًا ومكلفاً للوقت، مقارنةً بمراكز التطعيم القارة.
وبشكل تدريجي، ستقوم الولايات الألمانية بتشغيل مراكز التطعيم، إلى أن تغطي مجموع التراب الألماني.
وتهدف الحكومة الاتحادية كما الولايات الألمانية إلى توفير تطعيم لجميع سكان دور رعاية المسنين البالغ عددهم 800 ألف شخص بحلول منتصف شهر شباط 2021.
ويعتقد الخبراء أن تحقيق هذا الهدف سيغير إيقاع حملة التلقيح، وبالتالي مكافحة الوباء.
ووفقًا للوضع الحالي، وإذا سارت عمليات التطعيم كما هو مبرمج لها، فمن المفترض أن تتاح إمكانية طلب التطعيم لكل فرد في ألمانيا في غضون الصيف المقبل، بحيث ستقوم الولايات الفيدرالية بدعوة الفئات التي يحين دور تلقيحها، وهناك خطوط هاتفية خاصة لتحديد المواعيد، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم المواعيد عبر منصات خاصة على الإنترنت، ويدخل في اختصاص الولايات تنظيم وتشغيل مراكز التطعيم وتحديد المواعيد، وهناك حملة تحسيسية وإعلامية في هذا الصدد من قبل وزارة الصحة الاتحادية ومعهد “روبرت كوخ” والمركز الاتحادي للتوعية الصحية، ويجب التذكير هنا أيضاً بأن التطعيم اختياري في ألمانيا وليس إجباريا.
وأعربت مفوضية الاتحاد الأوروبي عن غضبها من نقص إمدادات اللقاحات من قبل الشركات المنتجة.
وبالنسبة للقاحات “بيونتيك – فايزر”، فالسبب يعود، رسمياً، لأعمال الإصلاح والتجديد في مصنع “فايزر” ببلجيكا، فيما تواجه شركة “أسترازينيكا” مشاكل أكبر لم تتضح جميع ملامحها بعد، فقد أكدت مصادر أوروبية أن الشركة انسحبت من اجتماع أزمة مع مسؤولين بالاتحاد بشأن تأخر شحنات اللقاح، وحل الخلاف مع المفوضية والعواصم الأوروبية والشركة البريطانية-السويدية، وكانت الشركة قد أعلنت الأسبوع الماضي عن وجود مشاكل كبيرة في موقع إنتاج من شأنه أن يحد بشدة من حجم الشحنات الأولى للقاح فيروس كورونا لدول الاتحاد الأوروبي، ولم ترض تفسيرات الشركة الاتحاد الأوروبي حتى الآن، ويحاول الاتحاد توضيح أسباب هذه الاختلالات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر تلقي بريطانيا جرعات “أسترازينيكا” كما كان مبرمجاً، فيما أكدت الشركة أنها ربما لن تكون قادرة على توفير أقل من نصف الجرعات المطلوبة لبلدان الاتحاد الأوروبي، وهو أمر رفضته مفوضية الاتحاد بشدة، خاصةً وأن التكتل القاري شارك في تمويل تطوير اللقاح، إذ استفادت شركة “أسترازينيكا” من تمويل قدره 336 مليون يورو.
وقد حاول رئيس الشركة، باسكال سوريوت، تبرير هذه الإخفاقات بعامل الوقت، ففي تصريح لصحيفة “فيلت”، الأربعاء، قال: “لقد تأخرنا الآن شهرين عن خطتنا الأصلية في أوروبا.. لدينا ثلاثة أشهر من الوقت لإصلاح الأمر”، وبالإضافة إلى ذلك، أكد أن شركته لم تلتزم في عقدها مع الاتحاد الأوروبي بتقديم كميات معينة من اللقاحات في غضون فترة زمنية معينة، وأضاف: “وعدنا بالمحاولة، لكننا لم نقطع التزامًا تعاقديًا”.
وموقع “تاغس شاو” التابع للقناة الألمانية الأولى كتب بهذا الصدد، الأربعاء: “لقاحات كورونا سلعة نادرة هذه الأيام، ولهذا السبب يحاول الاتحاد الأوروبي السماح بأكبر عدد ممكن منها.. أحد المنافسين، أسترازينيكا، تصدر قصاصة الأنباء السلبية هذه الأيام، شملت في البداية مشاكل الإنتاج والإمداد، لكن الأسوأ هي تقارير بشأن عدم فعالية هذا اللقاح لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا”.
وتم اختبار لقاح “أسترازينيكا” في دراسة سريرية، شملت فئة عمرية بين 18 و55 عامًا، وأثبتت الدراسة أن اللقاح أقل فعالية (62%)، بالمقارنة مع لقاحات “بيونتيك – فايزر” (94%) في هذه الفئة، على الأقل عند التلقيح بجرعتين كاملتين، غير أن “أسترازينيكا” ادعت أن فعالية لقاحها تصل إلى 90% حين يُحقن الأشخاص بنصف جرعة في البداية، و بعد شهر واحد يحصلون على جرعة كاملة.
ويبدو أن الشركة قدمت دراسةً جديدةً إلى وكالة الأدوية الأوروبية بهذا الشأن، شملت ألفي مشارك تفوق أعمارهم 65 عاماً، ثلثاهم فوق 75 عامًا.
من جهتها، نفت وزارة الصحة الألمانية صحة التقارير حول ضعف فعالية لقاح “أسترازينيكا” لدى الفئات الأكثر من 65 عامًا، وكان وزير الصحة شبان قد عبر عن ذلك، عندما قال إنه لا يريد المشاركة في المضاربات بشأن فعالية العقار.
أما بشأن فعالية “بيونتيك – فايزر”، فالأمل جاء هذه المرة من إسرائيل، التي طعمت بالفعل وبشكل كامل أكثر من ستة في المئة من السكان بجرعتين من اللقاح، لم تسجل بينهم حالة واحدة خطيرة، حتى في الوقت الذي قفزت فيه الإصابات بين الفئات الأخرى من السكان.
وقال وزير الصحة الإسرائلي، يولي إدلشتاين، أمام لجنة برلمانية، إن عدد الإصابات الجديدة ودخول الحالات الخطيرة أو الحرجة للمستشفيات بسبب تداعيات كوفيد-19 بلغ الآن أرقاماً قياسيةً، لكنه قال إنه “ليس هناك اعتلال خطير”، بحسب علمه، بين الإسرائيليين المؤهلين لشهادة التطعيم، وهي شهادة تصدرها الدولة بعد أسبوع من تلقي الجرعة الثانية من اللقاح، وهي المرحلة التي تقول عندها شركة “فايزر” إن اللقاح يكون فعالاً فيها بنسبة 95%.
وبدأت إسرائيل ما أصبح أسرع توزيع للقاحات بالمقارنة بعدد السكان ضد فيروس كورونا المستجد، مستخدمةً اللقاح الذي طورته شركتا “فايزر” الأمريكية و”بيونتيك” الألمانية.
وطبقاً لأرقام وزارة الصحة الإسرائلية، فقد تلقى 23% الجرعة الأولى، وتلقى أكثر من ستة في المئة الجرعة الثانية التي تُعطى ما بين 21 و28 يوماً بعد الجرعة الأولى.
وتلقي إسرائيل باللائمة على السلالات الأسرع انتشاراً، والتي نشأت في الخارج، في انتكاس محاولاتها لوقف تفشي الفيروس.
وبعد أسبوع من بدء التطعيم، فرضت إسرائيل ثالث عزل عام فيها، والذي يقول مسؤولون إنه قد تكون هناك حاجة لتمديده حتى شباط المقبل. (DW)[ads3]