صورة سورية في عهد أميركي جديد

لعله من الصعب الربط بين مصادفة اقتراب الذكرى العاشرة لثورة السوريين، مع تولى الرئيس الأميركي جوزيف بايدن مهمة رئاسته للولايات المتحدة، لكن الأمر يغدو بسيطاً، إذا استرجعنا سيل التحليلات وبعض التصريحات، ولا سيما الأميركية، التي ظهرت مع فوز بايدن واستمرت لاحقاً، وقد رجحت تغييرات في سياسة الولايات المتحدة، والتي لا شك أن لها تأثيراً قوياً وحاسماً في القضية السورية، ما جعل كثيرين من المنخرطين في الصراع السوري وحول سوريا والمتابعين لهما، يؤكدون أن ما صارت إليه القضية السورية في الأهم من أسبابه ناتج سياسة واشنطن في رئاستي باراك أوباما ودونالد ترمب، وأن مستقبل سوريا في السنوات المقبلة سيكون نتيجة ما تتمخض عنه سياسة بايدن وفريقه.

غير أن كل الحديث عن سياسة بادين وفريقه بصدد سوريا ومستقبلها في السنوات المقبلة، لا بد أن تسبقه مقاربة لصورة مكثفة لسوريا والسوريين في الواقع الراهن، ما يساعد في استكشاف التقاطعات الممكنة، لما يمكن حدوثه من تحولات سورية مرتقبة نتيجة توجهات وتدخلات السياسة الأميركية لعهد جو بايدن وإدارته، وقد كثرت التوقعات والتقديرات في الموضوع.

مختصر صورة سوريا اليوم، تجسدها خريطة مقسمة إلى 3 مناطق رئيسية؛ قسم رئيسي يسيطر عليه نظام الأسد بمشاركة حلفائه الروس والإيرانيين، يمتد في منطقة الوسط من الجنوب إلى الشمال متضمناً الساحل السوري غرباً، وشاملاً في الشرق دير الزور وبعضاً من الحسكة، والمنطقة الثانية تمتد في شرق الفرات، ويسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) الذي يقود تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بدعم مباشر من الولايات المتحدة، التي تنشر قواعد عسكرية في مناطق شمال ووسط شرقي سوريا، وتقع المنطقة الثالثة في شمال غربي سوريا، وتعتبر إدلب مركزها الرئيسي، وتمتد حوافها في أرياف المحافظات المجاورة؛ حيث حماة في الجنوب، واللاذقية في الغرب، وحلب في الشمال، وتتقاسم السيطرة في المنطقة القوات التركية والمقربون منها من تشكيلات إسلامية مسلحة، إضافة إلى «هيئة تحرير الشام» وأخواتها من جماعات التطرف الديني.

وتبيَّن الصورة المكثفة، ضعف مستوى الفاعلية السورية مقارنة بالفاعلين الآخرين؛ حيث تسيطر الولايات المتحدة في شرق الفرات خلف واجهة أقلية هي أكراد «PYD»، التي تستبعد بقية الأكراد، وتهمش حضور غيرهم من الجماعات السياسية، إن لم تستبعدهم كلياً، فيما الأكثرية الشعبية من سكان المنطقة موزعة إلى لاجئين في العراق وتركيا، ويشكو الباقون من ظلم وظلامات سلطة الإدارة الذاتية وأجهزتها، وخاصة الأمنية – العسكرية، والحال ليس أفضل في مناطق التبعية التركية؛ حيث سلسلة طويلة من نماذج السلطة. ففي منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، تظهر أكثر سيطرة الأتراك، وفي إدلب ومحيطها، ثمة سيطرة معلنة لـ«هيئة تحرير الشام» المتطرفة، وفي هذه المنطقة تتوزع الإدارة بين حكومتين؛ الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني، وحكومة الإنقاذ التابعة لـ«هيئة تحرير الشام»، وبسبب عوامل متداخلة ومتعددة، فإن المنطقة توفر هامشاً واسعاً لحضور السوريين ومشاركتهم في الحياة العامة، لكنه مثقل بارتباكات معيشية وأمنية نتيجة أعمال عصابات القتل والإجرام وأجهزة المخابرات والعمليات العسكرية لنظام الأسد وحلفائه الذين يرسلون تهديدات متواصلة باجتياح المنطقة.

وللحقّ فإن منطقة سيطرة الأسد وحلفائه، هي الأكثر تعقيداً، ليس لجهة تنوع السيطرة فيها وهذا مهم، بل أيضاً بحكم تنوع سكانها بخلفياتهم ومواقفهم إزاء السيطرات القائمة. وحيث يوجد الإيرانيون وميليشياتهم فإنهم أصحاب السلطة والقرار، سواء من خلال وجودهم المباشر، أو عبر مؤسسات وأجهزة تتبع النظام شكلاً، لكنها من الناحية العملية أدوات في يد الإيرانيين، وهي تقوم على تطبيق سياساتهم وتأمين مصالحهم. والأمر يتكرر بصورة أقل بالنسبة للوجود الروسي في سوريا، سواء عبر الشرطة العسكرية الروسية، أو من خلال مؤسسات وأجهزة النظام الواقع تحت نفوذهم. وخارج خريطة النفوذ الإيراني – الروسي الخاضع لتغييرات وتبدلات مختلفة، فإن السيطرة متروكة لمؤسسات وأجهزة النظام العسكرية – والأمنية، مع دور محدود لبعض الميليشيات في بعض المناطق، التي تتطلب فيها الاحتياجات الأمنية للنظام ذلك.

فايز سارة – الشرق الأوسط[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها