كتاب أمريكي يروي قصة ” عالم كيميائي سوري ” تجسس لصالح المخابرات الأمريكية لـ 14 عاماً و كشف أسرار أسلحة الأسد الكيميائية

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، مقتطفات من كتاب يكشف تعاون عالم سوري بارز مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) فى كشف أسرار برنامج الأسلحة الكيماوية.

الكتاب الذي يحمل عنوان: “الخط الأحمر: تفكك سوريا وسباق أمريكا لتدمير أخطر ترسانة فى العالم”، ألفه الصحفي بواشنطن بوست جوبي واريك، ويتناول قصة الأسلحة الكيماوية فى سوريا.

وقالت الصحيفة إن العالم السوري، الذى عرف فى الكتاب باسم “أيمن” كان معروفاً لدى الخدمة السرية لـ CIA باسم “الصيدلي”، ولم يعرف اسمه الحقيقي سوى عدد قليل من العاملين فى وكالة الاستخبارات الأمريكية.

وقالت الصحيفة، إن “الصيدلي” كان أستاذاً جامعياً موهوباً ويصلح لمهمة الجاسوس، ولديه مميزات غير متوفرة للسوريين العاديين، بما في ذلك السفر إلى الخارج ومقابلة الأجانب في الأسواق المزدحمة والمقاهي العامرة بالرواد في المدينة القديمة.

ولم يكن مظهر الباحث حليق الوجه وبنظاراته الصغيرة وشعره الأشيب وبدلته التي تشبه بدلة مندوب مبيعات أو موظف بيروقراطي ما يثير الانتباه، فقط عندما كان يفتح فمه ويتحدث بالإنجليزية كان يعطي صورة مختلفة عن نفسه، وبخاصة أنه كان يتحدثها بلهجة أمريكية.

وأشارت الصحيفة إلى أن “الصيدلي” قضى بداية حياته فى الولايات المتحدة، ودرس فيها قبل أن يعود إلى وطنه، ويصبح خبيراً فى صنع المواد الكيماوية المصممة لقتل البشر.

وقالت إن “الصيدلي” هو من عرض التعاون مع CIA. وكان فخوراً جداً بعمله لدرجة أن المحللين بالوكالة شكّوا أحيانا أن عمله فى التجسس لم يكن مدفوعاً بكراهية النظام أو الجشع بقدر ما كان مدفوعاً بالتباهي.

بداية القصة

وبدأت القصة في دمشق عام 1988، وكانت أول محاولة له للتواصل مع الأمريكيين في مؤتمر علمي عقد في أوروبا، حيث طلب من صديق له أن يمرر رسالة إلى السفارة الأمريكية القريبة.

ومرت أشهر عدة قبل أن تتصل به CIA . ولكنه لم يفاجأ عندما اقترب منه شخص بعد محاضرته في جامعة دمشق. وكان أول ما قاله لمسؤول ملف في CIA لم يتجاوز العشرين من عمره: “كنت بانتظارك”. و”نادِني باسم أيمن” حيث قرر كاتب الكتاب حذف اسم العائلة حتى لا يثير انتباه النظام وينتقم من أفراد العائلة.

وعندما اندلعت الحرب في 2011، شعرت المخابرات الأمريكية بالخوف من فقدان سوريا السيطرة على سلاحها الكيماوي وبخاصة غاز السارين وغازات الأعصاب القاتلة الأخرى.

وقد تعززت هذه المخاوف كما يشير الكتاب بتعاون استمر 14 عاماً مع خبير عسكري في السلاح الكيماوي. وكانت تعرف المخابرات الأمريكية حجم الأسلحة الكيماوية التي تملكها سوريا ومخابئها.

وأقام الكاتب روايته حول تعاون المخابرات مع عميل كيماوي سوري على مقابلة 3 من المسؤولين الأمنيين الأمريكيين الذين كانوا على معرفة بالتعاون وصديق للعميل “أيمن”. وقد أعجب هذا بالأمريكي حيث قضيا وقتاً طويلاً في الحوار ومحاولة التعرف على نوايا وشخصية كل منهما.

معهد 3000

كانت المخابرات الأمريكية تعرف بمركز الدراسات والأبحاث المقام على تلة تطل على العاصمة دمشق. وكان هدفه توفير الدراسات الهندسية لإنتاج صواريخ متوسطة المدى لكي تستخدم ضد إسرائيل. وفي داخل المركز، كانت هناك وحدة سرية تعرف بمعهد 3000 وكان أيمن واحداً من المسؤولين البارزين والقادة فيها. وكان عمل أيمن هو إنتاج مواد سامة قاتلة لكي توضع في رؤوس الصواريخ هذه. وأطلق العلماء على المشروع اسم “الشاكوش”.

ونظراً لمشاركته، فقد حقق “معهد 3000” تقدماً في برنامج الأسلحة الكيماوية الذي بدأ بغاز السارين الذي استخدم في خنادق الحرب العالمية الأولى في أوروبا. ولكنهم انتقلوا إلى مراحل أعلى مركّزين على عوامل الأعصاب والتي بدأ “معهد 3000” بإنتاجها في مصنع خارج العاصمة. وهذه أسلحة كابوسية، حيث أنتج السوريون أنواعاً عدة منها للتكيف مع ظروف المعركة، وفق الكتاب.

وكان منها غاز السارين المعروف منذ قرن، ويعتبر من أكثرها خطورة. وهناك أيضاً غاز “VX” الذي يعتبر أكثر فتكاً من السارين ويترك أثراً بعيد المدى. ويخلف وراءه مادة زيتية غير مرئية تقتل بمجرد لمسها للجسد. واستمع عميل “CIA” بتركيز لما قاله السوري، فقد كانت المخابرات الأمريكية تعرف عن اهتمام السوريين بالأسلحة الكيماوية ولكن ليس بهذا المدى. وفي الثمانينيات من القرن الماضي، ألمح السوريون إلى “ردع” ضد إسرائيل مقابل سلاحها النووي، فهل كان هذا هو السلاح الردعي؟

ولم يظهر العالم الكيماوي السوري أي تردد في عمله، فقد طورت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق أنظمة كاملة قامت على هذه المواد السامة خلال سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. فلماذا لا يكون لسوريا الحق نفسه لردع عدوان جارتها النووية؟

معادلة السارين

ولأن إنتاج السارين على قاعدة واسعة مثل أمريكا وروسيا أثناء الحرب الباردة يعتبر أمراً صعباً على بلد صغير، وعادة ما يفقد فاعليته مع طول الوقت، فقد قام العالِم السوري بتطوير طريقة ذكية يُنتَج من خلالها “سارين ثنائي” يجري تخزينه بطريقة منفصلة ولا يُمزج إلا في اللحظة الأخيرة. وواحد من السائلَيْن هو كحول “إيزوبروبيل” العادي، والثاني قاتل يعرف باسم “DF” ويحتوي على العناصر الأخرى ومواد إضافية ساهم أيمن في اكتشافها، وأسهمت في الحفاظ على قوة السارين بين فترة المزج. ولم تقم دولة أنتجت السارين بتطوير معادلة كهذه.

ونقل العميل الأمريكي زبدة ما جرى من حديث مع العالم السوري في برقية سرية أرسلها إلى مقر وكالة المخابرات الأمريكية، وجرى تحليل ما ورد فيها، وثبت أنها حقيقية وأكثر من مهمة. وأصبح العالم السوري يتلقى راتباً ينقل إلى حساب خاص له في ملجأ آمن.

في نهاية ديسمبر/كانون الأول 1988، أرسل أيمن رسالة مشفرة إلى مسؤول “CIA”، وسلمه طرداً صغيراً وقال: “عيد الميلاد قريب وأنت مسيحي هذه هدية الكريسماس”.

وأخذ مسؤول “CIA” الطرد ونقله إلى شقته، ثم فتحه بمساعدة خبراء لتجنب أن يكون هناك أي نوع من المفاجأة. وبعد إزالة الجزء الخارجي للطرد، ظهرت قارورة صغيرة فيها مادة سائلة. وجرى وضع القارورة في صندوق زجاجي مقوى ونقلت إلى حقيبة دبلوماسية وأرسلت إلى الولايات المتحدة. وبعد وصولها أُخذِت على عجل إلى مختبر عسكري، حيث فتحها خبراء بملابس واقية وحللوا المادة السائلة. وكانت النتيجة مبهرة، حيث استطاعت دولة صغيرة وعلى قائمة العقوبات إنتاج “تحفة كيماوية قاتلة”.

ومع بداية القرن الحالي، توسع مجمع المختبرات السوري بشكل مضطرد إلى شبكة من المختبرات ومراكز الإنتاج ومجمعات الإنتاج والمخازن و40 خندق تخزين في عدد من المواقع من دمشق حتى حلب في الشمال. وظل الباحثون يجربون منتجات جديدة، لكن مخزون السارين الثنائي زاد إلى ما بين 1.300 – 1.500 طن، وغاز الخردل و”VX”. ولأن سوريا كانت في وضع مستقر، فلم تدع الحاجة لإنتاج مواد إضافية.

أيمن جاسوساً لمدة 14 عاماً

واستمرت اللقاءات بين العالم السوري والمخابرات الأمريكية لمدة 14 عاماً، مع أن وجوه الأمريكيين اختلفت. حيث جرى تبديل المسؤولين، وجرى التوصل إلى طرق للتواصل يستطيع أيمن من خلالها إيصال الرسائل إلى “CIA” بدون اللجوء إلى السفارة الأمريكية.

وكبر حساب الجاسوس السوري في الخارج من الدولارات والدنانير التي حصل عليها كعمولات، ونقل أيمن الذي أصبح في الخمسين من عمره زوجتيه إلى شقق فارهة وفصل بينهما. وكان قد ملك العالم، غني وعالم محترم من الباحثين الشباب وتحت إدارته فريق كبير من العاملين.

لحظة الحقيقة

ولكن أمراً لم يكن جيداً قد حدث، ورآه في عيون عناصر الأمن الذين جاءوا إلى مركز الدراسات والأبحاث في نهاية 2001 للحديث معه. وسألوه هل يمكنه مرافقتهم إلى المكتب للقاء؟ وشعر أيمن بالفزع، وهل كان لهؤلاء معرفة بأمره؟ ولكن كيف؟

بدأ التحقيق في مقر المخابرات، حيث قال مدير المخابرات وصهر الرئيس بشار الأسد، آصف شوكت: “لقد جرت خيانتك”. وقال للعالم الخائف إن الحكومة كانت تعرف عن نشاطاته السرية كلها، ومن الأفضل الاعتراف وطلب العفو بناء على الخدمات التي قدمها للجمهورية.

اعترف أيمن بكل شيء، وأخبر المخابرات السورية بلقاءاته مع “CIA” والمعلومات التي نقلها للأمريكيين والحسابات المالية في الملاجئ الآمنة. وقال إن أحداً لم يكن يعرف بنشاطاته، لا رفاقه في البحث ولا أي من زوجتيه، بل عمل على هذا بنفسه.

الجشع أوقع به

واستمع شوكت لما قاله أيمن بنوعٍ من الدهشة، وقرر أن يسأله عن العمولات التي بدأ يتلقاها من الشركات الأجنبية، فقد كان جشعه هو السبب الذي دفع المخابرات للتحقيق معه، ولم تكن تعرف أي شيء عن نشاطاته التجسسية.

ووجدت المحكمة أيمن مذنباً بالخيانة العظمى في محاكمة سرية لم يعرف بها، ولكن جرى وصفها للموظفين في مركز الدراسات والأبحاث لتلقينهم درساً. ولكنه مُنح معاملة خاصة، فهو خائن وبطل قومي في الوقت نفسه. وسُمح لزوجتيه وأولاده بمغادرة سوريا إلى الخارج وبداية حياة جديدة. أما أيمن، فنُقل إلى سجن عدرا حيث جرى إيقاظه في صباح أبريل/نيسان 2002 ونُقل معصوب العينين إلى ساحة السجن وأعدمته فرقة جنود. (TRT)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. صورة واقعية ونمطية لمعظم العرب. سابقا وحاضرا و مستقبلا و الواقع الحالي خير دليل. الناطق بجيش الأفلام كان في مرسيليا عم يعمل ماجستير بموضوع يتعلق بسورية ولا يمكن إعطاء تفاصيله لانه سري بس ياحرام شحطوه. وأعرف كومة كلاب متلوه كان يقودوا الثورة بتعليمات من المخابرات الجوية. معظم المتعلمين من العرب في أوربا و أمريكا مثل شخصية أيمن لهم مبدأ واحد: الولاء للذي يدفع أكثر.