قناة أمريكية : وسط تآكل شعبيته .. الحزب الحاكم في تركيا أمام تغييرات ” مفصلية و مستقبلية “
تتجه الأنظار في الداخل التركي نحو حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، الذي تترقب أوساطه إجراء تغييرات جذرية وشاملة في هيكله التنظيمي ودوائر صنع القرار فيه، خلال المؤتمر الكبير السابع الذي سيعقد في الأسبوع الأخير من مارس المقبل.
انعقاد المؤتمر يأتي في مرحلة “حساسة” وذات أهمية خاصة، نظرا لما شهدته الأسابيع والأشهر الماضية من تحركات أقدمت عليها جميع الأحزاب في البلاد، استعدادا للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في عام 2023. ويأتي أيضا بعد التراجع، الذي أظهرته استطلاعات الرأي، في شعبية الحزب الحاكم مقابل باقي الأحزاب.
ويحظى حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بدعم قوي وسط الأتراك المتدينين والمحافظين، كما أن قيادته لنمو الاقتصاد التركي على مدى 15 عاما، ساعدته على الفوز بأكثر من 12 انتخابات عامة ومحلية.
وفاز “العدالة والتنمية”، وهو حزب إسلامي الجذور، في انتخابات عام 2002 ببرنامج وعد بمكافحة الفساد وبناء الاقتصاد ومساعدة ملايين الفقراء والمتدينين الأتراك، لكن مؤخرا بدأت شعبية الحزب تتآكل، وبلغ هذا ذروته في عام 2019، حين بدأت الضربات والتصدعات تتوالى عليه، وصولا إلى خسارته البلديات الكبرى (إسطنبول وأنقرة) لصالح منافسه المعارض “حزب الشعب الجمهوري”.
“التغييرات جذرية”
وبحسب رصد موقع “الحرة”، فإن وسائل الإعلام الرسمية والمقربة من الحزب الحاكم تنظر إلى هذا المؤتمر المرتقب بعين الأهمية، وتعتبره أساسا وركيزة للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، مشيرةً إلى أن التغييرات التي قد تطرأ من شأنها أن تعيد إلى الحزب جزءا كبيرا من الحاضنة الشعبية، التي فقدها “العدالة والتنمية” في الفترة الأخيرة.
موقع التلفزيون الحكومي “TRT” أكد في تقرير قبل أيام أن المؤتمر الكبير العادي السابع لـ”العدالة والتنمية” سيعقد في الأسبوع الأخير من مارس المقبل، بعد أن أنهى الأخير مؤتمرات المقاطعات.
ويقول موقع التلفزيون الحكومي: “ستتشكل الإدارة العليا للحزب في المؤتمر الكبير، وسيبدأ حزب العدالة والتنمية في التحضير لانتخابات عام 2023 بكوادره المتجددة”.
ومن المقرر أن يتم استكمال مؤتمرات المقاطعات، في نهاية شهر فبراير الحالي، وحسب الموقع الحكومي فقد بلغ معدل التغيير في التنظيمات الحزبية نسبة 70 في المئة، كما تغير نحو 50 من رؤساء المقاطعات، بما في ذلك إسطنبول.
من جانبها ذكرت وكالة “الأناضول” شبه الرسمية، الخميس، أن العد التنازلي للمؤتمر السابع الكبير للعدالة والتنمية قد بدأ. العملية التي بدأت في ديسمبر 2019 بشعار “اسلك بالطريقة التي تؤمن بها” وتوقفت لفترة من الوقت بسبب إجراءات فيروس كورونا، ستكتمل مع المؤتمر الكبير في 24 مارس”.
بدورها ذكرت صحيفة “صباح” المقربة من الحزب الحاكم أن المؤتمر المرتقب سيشهد استكمال التغيير في هيئات القرار المركزي والمجلس التنفيذي والمجلس التنفيذي المركزي، وهي أعلى هيئة لصنع القرار في “العدالة والتنمية”.
وفي الوقت الذي تشير فيه الأوساط المقربة من الحزب الحاكم إلى أن التغييرات ستكون جذرية، لم توضح الغاية الأساسية التي تقف وراءها، في ظل الحديث عن تحركات يقودها إردوغان ويسعى إلى استكمالها في الفترة المقبلة، من أجل كسب أصوات جديدة من المحافظين، وخاصة المحسوبين على “حزب السعادة” التركي.
“تحرك لافت”
في إطار ما سبق كان “العدالة والتنمية” قد أعلن الثلاثاء أن مرشحه لمنصب ولاية إسطنبول سيكون عثمان نوري كاباك تيبه، وهو شخصية بارزة ومن القيادات القديمة في حركة “ميللي غوروش”، والتي عملت إلى جانب نجم الدين أربكان “أب الإسلام السياسي” في البلاد.
كما يعتبر نوري كاباك تيبه أحد طلاب ورفقاء البروفيسور أربكان. ويأتي تعييه، وفق مراقبين، في إطار مغازلة حزب “السعادة” الإسلامي، في ظل الحراك المتواصل منذ أسابيع لإردوغان في سبيل توسيع تحالفه الانتخابي.
وخلال الفترة الممتدة من 10 يناير الماضي حتى 21 منه وجّه إردوغان أنظاره نحو “حزب السعادة” المعارض بثلاثة تحركات، أولها بزيارة له إلى منزل عضو المجلس الاستشاري الأعلى للحزب، أوغوزهان أصللترك، حيث التقى به وتحدث معه مطولا، في مشهدٍ قرأه مراقبون بأنه “هام ويحمل عدة دلالات”، لاسيما في ظل الحراك الهادئ الذي تشهده خارطة التحالفات الحزبية داخل تركيا.
التحرك الثاني لإردوغان جاء بعد أيام قليلة من لقائه بأصللترك، بزيارة أجراها إلى قبر رئيس الوزراء السابق البروفيسور نجم الدين أربكان في مدينة إسطنبول.
ونجم الدين أربكان ولد في 29 أكتوبر 1926 وتوفي في 27 فبراير 2011، وهو مهندس وسياسي تركي تولى رئاسة “حزب الرفاه” ورئاسة وزراء تركيا في الفترة بين 1996 و1997، ويعرف بأنه مؤسس و “أب الإسلام السياسي” في تركيا.
“مفصلي ومستقبلي”
الباحث في الشأن التركي، مهند حافظ أوغلو، يرى أن “المؤتمر المرتقب للعدالة والتنمية هذا العام سيكون مفصليا ومستقبليا. جميع المؤتمرات السابقة كانت تكتيكية ومرحلية”.
ويقول حافظ أوغلو في تصريحات لموقع “الحرة”: “المؤتمر مفصلي لأن الحزب الحاكم يدرك أن شعبيته لدى المجتمع التركي بدأت تنخفض، والبلاد قادمة على انتخابات رئاسية وبرلمانية، لذلك لابد من ترتيب الأوراق وحشد الصفوف، وإعادة تقييم كل الخطة المتبعة لديه، حتى نهاية 2022 ومنتصف 2023″.
ويبدو أن المؤتمر السابع لـ”العدالة والتنمية” سيرسم مستقبل الحزب لعشرات السنوات، ومن جهة أخرى سيكون مصيريا لإردوغان وللنواب في البرلمان التركي الممثلين لديه.
ويشير الباحث التركي: “الآن كيف سيكون التقييم الداخلي للحزب. هل سيضعون الأخطاء والمشكلات التي وقعوا فيها وجها لوجه أمام المرآة لمواجهتها؟ أعتقد أن إردوغان سوف يكون ذاهبا في هذا الاتجاه، لأن الأمور إن لم تستدرك سريعا فإن الخسارة سوف تكون قادمة”.
“التعويل على فئة الشباب”
وبوجهة نظر الباحث التركي، فمن شأن المؤتمر القريب أن يركز على فئة الشباب الذين ولدوا في عهد “العدالة والتنمية” (من مواليد 2000 وما بعد)، ويوضح: “حوالي 15 مليون من الشباب التركي سيكون لهم الحق في الانتخاب والتصويت، وهؤلاء لديهم مشكلة بأنهم لم يعيشوا في الفترة التي كانت عليها البلاد قبل وصول العدالة والتنمية”.
وكانت فئة الشباب قد احتلت الجزء الأكبر من النقاش الداخلي في مؤتمرات وهيئات الأحزاب التركية، في الأشهر الماضية، لما تمثله من حجم الأصوات، بالإضافة إلى تأثيرها الكبير في المزاج العام داخل البلاد.
ووفقًا لمركز “Gezici” للأبحاث فإن ما يقرب من 76 في المئة من الذين صوتوا للمرة الأولى في الانتخابات العامة عام 2018 لم تذهب أصواتهم لـ”تحالف الجمهور” المكون من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركات القومية.
وفي جولة الإعادة بالانتخابات المحلية الأخيرة في مدينة إسطنبول في يونيو 2019، التي جرت بين بن علي يلدريم مرشح “العدالة والتنمية” وأكرم إمام أوغلو مرشح “حزب الشعب” فقد عّبر 58 بالمئة من الناخبين المنتمين إلى الفئة (18-32) عن دعمهم لأكرم إمام أوغلو، فيما حصل بن علي يلدريم على 30 بالمئة من الأصوات.
ملفات أخرى
إلى جانب الملف المتعلق بفئة الشباب هناك تحديات أخرى يقف أمامها “العدالة والتنمية”، في مقدمتها الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وملفات أخرى تتعلق بحزمة “الإصلاحات” التي أعلن عنها إردوغان في وقت سابق، والتي يترقب الشارع تطبيقها، وخاصة الإصلاحات القضائية والقانونية.
ويضاف إلى ما سبق تلك التغييرات التي قد تطرأ على صعيد كتابة دستور جديد للبلاد، بعد إعلان إردوغان نيته تغييره في المرحلة المقبلة، لغايات لم تحدد بالتفصيل حتى الآن، لكنها تصب في إطار تثبيت دعاماته في الحكم.
“ضخ دماء جديدة”
إلى ذلك تعطي السياسة الداخلية في حزب “العدالة والتنمية” هذه الأيام إشارات تغيير جديدة، حسب الباحث التركي، طه عودة أوغلو، ويقول: “بدأت الإشارات بتغييرات جذرية بكوادر قيادة الحزب بمدينة إسطنبول، حيث تم انتخاب رئيس جديد لفرعه في إسطنبول في إطار مساعي الحزب لضخ دماء جديدة بمختلف أنحاء البلاد بعد فقدانه كبريات المدن التركية المؤثرة في الانتخابات المحلية الأخيرة”.
ويضيف الباحث لموقع “الحرة” أن الخطوة المقبلة حسب ما يدور في الأروقة السياسية التركية بأن إردوغان يسعى لإجراء تغييرات وزارية قريبة قبل المؤتمر العام للحزب المرتقب.
وأكثر ما يقلق الحزب الحاكم حاليا ويزيد من مخاوفه هو ظهور مرشح وحيد للمعارضة لمقارعة إردوغان المتربع على عرش السلطة منذ عام 2002.
ويشير عودة أوغلو إلى أن ذلك دفع الحكومة التركية للإسراع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه داخل الحزب وترتيب البيت الداخلي استعدادا للمعركة الكبرى، والتي يبدو أن المعارضة ستستعد لها جيدا من أجل الإطاحة بالرئيس إردوغان.
ورغم المؤشرات القوية التي تفيد بأن الرئيس التركي “هو الأوفر حظا في الانتخابات التركية المقبلة”، يشير انفتاح المشهد السياسي التركي على خارطة حزبية جديدة مؤخرا، وفق الباحث التركي، إلى أن الساحة السياسية التركية الداخلية مقبلة على تطورات ساخنة خلال الأشهر المقبلة، عنوانها العريض استمرار حالة الاستقطاب السياسي الداخلي في البلاد.
ضياء عودة – قناة الحرة الأمريكية[ads3]