دويتشه فيله : السياسة الخارجية لألمانيا .. كيف تبدو ملامحها بعد ميركل ؟
“من المتوقع أن يكون المستشار الألماني ملماً بالسياسة الخارجية والأوروبية”، هذا ما قاله الرئيس الجديد لحزب الاتحاد المسيحي الديمواقراطي ورئيس وزراء ولاية شمال الراين فيستفاليا، آرمين لاشيت، في مقابلة مع وكالة “رويترز”، في بداية شباط الفائت، وأراد من خلالها التمييز بشكل إيجابي بينه وبين منافسه فيما يتعلق بمسألة الترشح لمنصب المستشار.
لكن ماركوس زودر، رئيس وزراء ولاية بافاريا ورئيس حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، رد فوراً على ذلك، إذ تحدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمدة 45 دقيقة وأكد على “أوجه تشابه كبيرة” مع ماكرون، ومن بين الملفات التي ناقشها خلال المحادثة الهاتفية باللغة الإنجليزية مشاريع الطيران المشتركة، مثل الطائرات المقاتلة الأوروبية، بسبب تواجد شركات طيران عسكرية ومدنية مهمة في ولاية بافاريا، وبذلك جمع زودر نقاطاً لصالحه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والتجارة الخارجية، وكان زودر قد طالب بدور أكثر فاعلية للسياسة الخارجية الألمانية في تشرين الأول الماضي.
إنه مثال واحد فقط على ما يقوم به المرشحان المحافظان المحتملان من أجل الدعاية لنفسهما حالياً على المستوى الدولي، قبل أن يتفقا فيما بينهما قبل عيد الفصح على منهما سيكون مرشح الاتحاد المسيحي.
يوهانس فارفيك، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هاله، لا يرى مهمة كل من لاشيت وزودر سهلةً، وقال لشبكة “DW” الإعلامية: “أي خليفة لمستشارة تمتلك عقداً ونصفاً من الخبرة في السياسة الخارجية والتي تم تعزيزها في العديد من الأزمات، عليه أن يرتقي أولاً إلى لعب هذا الدور، وفي الوقت نفسه، ازدياد الأهمية الدولية لألمانيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لا يسمح لأي مستشار بالتخلف عن الركب، وعلى العكس من ذلك، المستشار الجديد سيزداد الضغط عليه فيما يتعلق بالتعامل مع القضايا المركزية”.
من حيث الخبرة السياسية الخارجية وبالأخص الأوروبية، من الواضح أن لاشيت يتقدم بخطوة واحدة، وذلك بفضل نشاطه، فقد نشأ في آخن على المثلث الحدودي بين ألمانيا وبلجيكا وهولندا، وطور وعياً مبكراً بأهمية التعاون عبر الحدود، وحتى في أوقات كورونا، دافع لاشيت، بصفته رئيس وزراء ولاية شمال الراين فيستفاليا، عن الحدود المفتوحة.
ومن 1999إلى 2005، كان لاشيت عضواً في البرلمان الأوروبي، وهناك تعامل مع السياسة الخارجية والأمنية، ودعا في كثير من المناسبات إلى المزيد من الشجاعة في الاندماج الأوروبي.
وفي المقابل، لن تجد هذا الاهتمام بالقضايا الأوروبية لدى ماركوس زودر، ومن منظور السياسة الأوروبية، يرى فارفيك أن “صفحته ما زالت بيضاء إلى حد ما”، ويذهب تورستن بينر، رئيس المعهد العالمي للسياسات العامة في برلين، إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أن زودر لديه “ارتباط عاطفي ضئيل أو معدوم بالمشروع الأوروبي، ولن يخجل من التحريض الانتهازي ضد بروكسل إذا بدا له أن ذلك مفيد سياسياً”.
لكن القاسم المشترك بين السياسيين هو التركيز على الاتحاد الأوروبي وفرنسا أكثر من التركيز على الولايات المتحدة الأمريكية، وللتذكير، قامت أنغيلا ميركل بزيارة إلى واشنطن في عام 2003 كرئيسة لحزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي، ودعمت حرب العراق التي شنها الرئيس جورج دبليو بوش، والتي قوبلت في ذلك الوقت بالرفض الشديد من قبل الأغلبية الكبيرة في ألمانيا، بما في ذلك من قبل رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي والمسشتار آنذاك غيرهارد شرودر.
وكان عبور الأطلسي صعباً للغاية على السياسيين الألمان في السنوات الأربع خلال حكم ترامب، “لطالما كانت أمريكا أرض الحرية والديمقراطية بالنسبة لنا”، اشتكى لاشيت في خطاب ترشيحه لرئاسة الاتحاد المسيحي الديموقراطي بعد اقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول في واشنطن في كانون الثاني 2021.
ومن جانبه، اعترف زودر مؤخراً بأن حبه لأمريكا تم اختباره بشدة من قبل ترامب، وكلا المرشحين الآن يعلق آمالًا كبيرةً على الرئيس الجديد جو بايدن.
وخلال مؤتمر ميونيخ للأمن الأسبوع الماضي، دعا الشركاء: “إلى عودة التحالف عبر الأطلسي”، غير أن تقارب بايدن لن يكون بالمجان، فهو مثل أسلافه، يطالب الشركاء الأوروبيين بزيادة الإنفاق على التسلح وتحمل المزيد من المسؤولية في السياسة الأمنية.
وزودر يتفق مع ذلك من حيث المبدأ، لكنه يؤكد: “نحن لسنا أطفالًا صغاراً.. نحن شركاء، ولسنا تابعين أو مرؤوسين”، بحسب ما قال لوكالة “أسوشيتد برس”، قبل أيام قليلة.
ولاشيت ملتزم أيضاً بهدف الناتو المتمثل في إنفاق الدول الأعضاء اثنان في المائة من ناتجها القومي على الدفاع ، وهو ما لم تحققه ألمانيا حتى الآن.
وتشكل سياسة ألمانيا مع الصين وروسيا عقبةً أمام تعزيز التعاون الوثيق عبر الأطلسي، ومثل ترامب، يبدو بايدن أيضاً يرى أن برلين متساهلة للغاية مع الحكومتين بسبب مصالح السياسة التجارية، لكن يبدو أن ذلك لن يتغير سواء مع المستشار لاشيت أو زودر، فقد تحدث لاشيت مؤخراً عن “تنافس الأنظمة” بين الغرب والصين، لكن لم يستبعد مشاركة شركة “Huawei” الصينية في بناء شبكة “5G” للهاتف المحمول، وهو ما تنتقده واشنطن بشدة، ومن ناحية أخرى، قال زودر في الصيف الماضي في حوار مع القناة الألمانية الثانية “ZDF” فيما يتعلق بالسياسية الخارجية تجاه الصين: “يبدو لي أن إيجاد التوازن الصحيح بين المصالح والقيم يمثل التحدي الأكبر للسياسة الخارجية الألمانية في السنوات المقبلة”، لكن ذلك لم يكن الشدة التي تنتظرها واشنطن من ألمانيا في التعامل مع الصين.
أما بالنسبة للسياسة تجاه روسيا، يعارض كل من لاشيت وزودر مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بوقف بناء خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” من روسيا إلى ألمانيا، كما يريد لاشيت أن يفصل بشكل صارم الهجوم على السياسي المعارض الروسي أليكسي نافالني – الذي يدينه بشدة – عن صفقات الغاز.
وخلال زيارة له إلى موسكو قبل عام، واصل زودر تقليد رؤساء الوزراء البافاريين السابقين لمتابعة سياستهم التجارية البافارية الروسية، المنفصلة عن الاختلافات السياسية في الرأي.
أما عن لاشيت، تعود التصريحات التي أدلى بها قبل بضع سنوات إلى الواجهة، فبعد فترة وجيزة من الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، انتقد لاشيت “الشعبوية المعادية لبوتين” في ألمانيا، ورغم أن احتلال القرم “ينتهك بوضوح القانون الدولي”، إلا أن على المرء “وضع نفسه في مكان محاوره للنهوض بالعلاقات الخارجية”.
والنائب البرلماني أوميد نوريبور، المنتمي إلى حزب الخضر، الذي قد يكون حزبه شريكاً في الائتلاف الحكومي مستقبلًا، شكك في مقابلة صحفية في قدرة لاشيت على ربط الاتحاد الأوروبي بموقف التفاهم هذا، كما يدعي لاشيت، وتنظر دول الاتحاد الأوروبي الشرقية على وجه الخصوص بنظرة نقدية لأي لهجة تملق من ألمانيا تجاه الكرملين.
حتى أن لاشيت أشاد بدور روسيا في الحرب السورية عام 2014، قائلاً: “حذر الروس منذ البداية من الجهاديين، لقد وصفنا ذلك بأنه دعاية”، كما أظهر نوعاً من التفهم لموقف الرئيس السوري بشار الأسد، حيث كان هناك على الأقل تنوع ديني معين قبل الانتفاضة الشعبية، ورأى لاشيت الإسلاميين أكثر خطورة من نظام الأسد.
ولا يريد فارفيك المبالغة في تقدير مثل هذه التصريحات، إذ “يمكن أن يفهم ذلك كشكل من أشكال الواقعية في السياسة الخارجية التي تسأل بشكل واقعي عن إمكانيات التأثير لدى المرء، وما الذي هو على استعداد لتوظيفه، ومن ثم مواءمة خطابه واستراتيجيته وفقاً لذلك.. لا أعتقد أنه خطأ جوهري”، ومع ذلك، فإن تصريح لاشيت يتسبب في انتقادات حتى يومنا هذا، وحتى داخل دوائر الاتحاد المسيحي.
ولا يتوقع أي من الباحثين السياسيين أي اختلاف جوهري عن السياسة الخارجية لميركل، لا مع المستشار لاشيت ولا مع المستشار زودر، بل على العكس من ذلك، يرى تورستن بينر أن كليهما سيحاولان انتهاج نفس السياسة الخارجية الحالية، لكن ومع ذلك، سيواجهان عقبات: “من ناحية، لأن نهج ميركل لا يمكن أن يستمر ببساطة بسبب التناقضات، من ناحية أخرى لأن شركاء التحالف المحتملين، وخاصةً حزب الخضر، سيصرون على تغيير المسار في القضايا المهمة، وعلى سبيل المثال في السياسة تجاه الصين، حيث تتسبب السياسة الخارجية الأحادية للسيارات في إلحاق أضرار جسيمة بمستشارة ألمانيا”.
وكخلاصة عامة، توصل فارفيك إلى التقييم التالي: “كلاهما سياسيان مهنيان لم يكن لهما أي تركيز على السياسة الخارجية حتى الآن.. بالتأكيد، سيكتشف كلاهما بسرعة أن السياسة الخارجية مهام المستشار الأساسية.. لاشيت يتمتع بخبرة دولية أكثر من زودر، ولكن كلاهما لهما علاقات جيدة على المستوى الدولي، ويمكن الوثوق بهما بنفس القدر في أداء دور جيد على الساحة الدولية”.
كريستوف هاسيلباخ – دويتشه فيله[ads3]