قرار اتخذته الإسكيمو قد يرفع أسعار الهواتف الذكية

“ثروة هائلة” تمتلكها جزيرة غرينلاند التي توصف بأنها أكبر جزيرة في العالم، ويبدو أن موقع الجزيرة وهذه الثروة الضخمة ستجعلها ساحة لتنافس مرير بين القوى العظمى خلال السنوات القادمة.

وفي خضم هذا التنافس تعرضت الصين لـ “ضربة” خلال الأيام الماضية من سكان هذه الجزيرة التي تجلس على احتياطيات هائلة غير مستغلة من اليورانيوم والمعادن الأرضية النادرة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

إذ إن العديد من سكان جزيرة غرينلاند (التابعة للدنمارك وتتمتع بحكم ذاتي) تساورهم شكوك كبيرة حول ما إذا كان ينبغي السماح للعالم باستغلال تلك الموارد، نظراً إلى الخطر الذي قد يشكله التعدين على البيئة الهشة للإقليم المنتمي للقطب الشمالي.

وغرينلاند موطن لـ57 ألف شخص شخص فقط ولكنها غنية بالموارد الطبيعية، هي منطقة دنماركية تتمتع بالحكم الذاتي. مع اعتماد اقتصادها الصغير بشكل كبير على صيد الأسماك، كما تعتمد الجزيرة -التي لا توجد بها طرق بين مدنها الـ17، ولها مطار تجاري دولي واحد- على المنح السنوية من الدنمارك.

وأجريت في الجزيرة انتخابات مبكرة بسبب الخلاف حول السماح لشركة أسترالية مملوكة لمؤسسة صينية بعملية تنقيب ضخمة في البلاد، إذ قال المعارضون للمشروع الضخم إن غالبية سكان الجزيرة، ومعظمهم من سكان الإنويت (الإسكيمو) الأصليين، يعارضون المشروع لأسباب بيئية إلى حد كبير، حسبما ورد في تقرير لموقع صحيفة New York Post الأمريكية.

ويبدو أن توقعاتهم ثبت صحتها.

إذ بعثت الجزيرة النائية المغطاة بالثلوج رسالة واضحة إلى مصالح التعدين العالمية هذا الأسبوع عندما أعطى الناخبون نصراً نادراً لحزب Inuit Ataqatigiit، وهو حزب اشتراكي ديمقراطي بزعيم يبلغ من العمر 34 عاماً وعزم على حماية البيئة.

وكان الحزب، الذي يُترجم اسمه إلى “مجتمع الشعب”، قد شن حملة لوقف ما كان في طريقه ليصبح عملية تعدين ضخمة في جنوب غرينلاند، بقيادة الشركة الأسترالية المدعومة بالاستثمارات الصينية.

تمثل نتائج الانتخابات ضربة للصين، التي تعدن أكثر من 70% من معادن الأرض النادرة في العالم، وتأمل في الحفاظ على هيمنتها مع تزايد الطلب، حسب صحيفة The Washington Post.

وتقول شركة Greenland Minerals، التي تقف وراء مشروع التعدين، إن موقع كفانيفيلد لديه “القدرة على أن يصبح أهم منتج للعناصر النادرة في العالم الغربي” ويمكن أن يكون “مورداً عالمياً مهماً للعناصر النادرة لعقود عديدة”.

وتعد شركة Shenghe Resources Holding الصينية، واحدة من أكبر منتجي معادن الأرض النادرة في العالم، وأكبر مساهم في الشركة الأسترالية التي تقدمت بالمشروع، وستكون الشركة الصينية أيضاً مسؤولة عن المهمة المعقدة لمعالجة التربة النادرة بمجرد استخراجها.

وفق ما اورد موقع “عربي بوست”، تُستخدم المعادن الأرضية النادرة في صناعة الأجهزة عالية التقنية، بما في ذلك الهواتف المحمولة والشاشات المسطحة والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والأسلحة، وقد يعني رفض سكان جزيرة غرينلاند المشروع الصيني التأثير على أسعار هذه المعادن الأرضية النادرة.

وبالتالي، فقد برزت هذه العناصر بوصفها ورقة مساومة رئيسية في الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث هددت بكين في عام 2019 بقطع الصادرات التي تنتج بكين نسبة كبيرة منها، وإيقاف التصنيع الأمريكي بشكل مفاجئ.

وسوف يزيد منجم كفانيفيلد -إذا استمرت الخطط- من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في غرينلاند بنسبة 45% وفقاً لتوقعات صحيفة Wall Street Journal، وهو ما يشكل مصدر قلق كبير في جزء من العالم شهد بالفعل ذوباناً غير مسبوق للجليد بسبب تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، سيُستخرج اليورانيوم في إطار عملية التعدين، مما يؤدي إلى مخاوف بشأن الجريان الإشعاعي والنفايات.

ويجادل المؤيدون، بما في ذلك حزب سيوموت المنتمي لليسار المعتدل، المهيمن منذ مدة طويلة في غرينلاند، بأن المنجم يمكن أن يدر مئات الملايين من الدولارات من العائدات ويخلق مئات الوظائف، مما يجعل الإقليم في وضع أفضل للانفصال عن الدنمارك. ففي الوقت الحالي، تُعتبر غرينلاند إقليماً يتمتع بالحكم الذاتي تابعاً للدولة الاسكندنافية الصغيرة.

حيث تعتمد غرينلاند على الدنمارك في الدفاع إضافة إلى حصولها من كوبنهاغن على نحو 624 مليون دولار أمريكي لدعم الخدمات الأساسية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية سكان غرينلاند البالغ عددهم 57 ألفاً يأملون في التحرك نحو الاستقلال.

لكن بعض سكان غرينلاند يرون في السماح للدول الأخرى باستخراج مواردها المعدنية القيمة يعد شكلاً جديداً من أشكال الاستعمار.

وكانت العقبات التنظيمية النهائية الخاصة بعملية التعدين في موقع كفانيفيلد على وشك الانتهاء في وقت سابق من هذا العام عندما أدت الخلافات حول ما إذا كان ينبغي المضي قدماً في الأمر إلى تفكك حكومة غرينلاند ودفعت إلى إجراء انتخابات مبكرة.

وقال مايلز جاي، المدير المالي لشركة Greenland Minerals، لصحيفة Wall Street Journal إن الشركة قد استثمرت بالفعل ما يقرب من 100 مليون دولار في المشروع.

وحذر دواين مينيزيس، المؤسس والعضو المنتدب لمبادرة Polar Research and Policy، من أن إلغاء عملية التعدين قد يرسل رسالة “تأتي بنتائج عكسية” إلى العالم وتشير إلى أن غرينلاند معادية للمستثمرين الخارجيين. لكن حزب مجتمع الشعب لم يدع إلى فرض حظر شامل على التعدين، وسيكون التحدي التالي أمامه هو توضيح أن غرينلاند “لا تزال مفتوحة للأعمال التجارية ولا تزال تتمتع بنفس القدر من الجاذبية والثبات للاستثمار”.

لقد كان احتمال السماح بدخول شركات التعدين الأجنبية -مما يقلل الحاجة إلى الاعتماد على الإعانات المقدمة من الدنمارك- قضية خلافية في غرينلاند لسنوات. وفي عام 2013، عندما ألغى البرلمان في غرينلاند حظره على استخراج المواد المشعة مثل اليورانيوم، أُقر التشريع بفارق صوت واحد فقط.

وقال إريك ينسن، رئيس حزب سيوموت، لقناة 2 الدنماركية، إنه يعتقد أن دعم الحزب للمنجم كان “أحد الأسباب الرئيسية” لهزيمته في الانتخابات البرلمانية يوم الثلاثاء 6 أبريل/نيسان، وفقاً لـ BBC.

في حين قال موت إيغيد، رئيس حزب مجتمع الشعب للتلفزيون الدنماركي إن فوز حزبه يعني أن مشروع تعدين كفانيفيلد قد مات رسمياً، فمن المرجح أن يظل في طي النسيان في المستقبل القريب. وقد حصل مجتمع الشعب على 37% من الأصوات في انتخابات يوم الثلاثاء وسيتعين عليه تشكيل ائتلاف حاكم مع أحزاب أخرى، بعضها قد يصر على إجراء استفتاء حول هذه القضية.

وبالإضافة إلى احتفاظ غرينلاند بأكبر مخزون من المعادن الأرضية النادرة خارج الصين، فإن موقعها الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا في الدائرة القطبية الشمالية يعني أنها أصبحت وبشكل متزايد في مرمى نظر القوى العالمية الكبرى.
أسباب تجعل الجميع يريد غرينلاند.. إليك تصريح ترامب السخيف بشأنها

في عام 2019، دفع الرئيس دونالد ترامب كبار مساعديه لمعرفة ما إذا كان من الممكن للولايات المتحدة شراء الإقليم من الدنمارك. (رغم أنه لم يكن معروضاً للبيع).

وبينما كانت الولايات المتحدة تبني ترسانتها العسكرية في قاعدة ثول الجوية، وموقعها في شمالي غرينلاند، كانت الصين تضغط من أجل تأسيس وجودها الخاص.

كما عززت روسيا قدراتها العسكرية في القطب الشمالي، بينما تطلق الصين على نفسها “دولة قريبة من القطب الشمالي” ووضعت خططاً لطريق الحرير القطبي الذي يركز على طرق الشحن الجديدة في القطب الشمالي والوصول إلى الموارد الطبيعية.

وخلال عام 2020، وسعت الولايات المتحدة مساعداتها الاقتصادية إلى غرينلاند لمواجهة الصين وروسيا في القطب الشمالي.

ورحبت غرينلاند بالمساعدات، في وقت زادت أهميتها للجيش الأمريكي ونظام الإنذار المبكر بالصواريخ الباليستية الأمريكية؛ بسبب التعزيزات التجارية والعسكرية الروسية والصينية في القطب الشمالي.

ولكن الخطوات الأمريكية أثارت بعض الانتقادات في الدنمارك، التي رفضت قبل أقل من عام عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شراء الجزيرة ووصفته بـ”السخيف”.

وتقول ميكا ميريد، محاضرة في شؤون القطب الشمالي في HEC Business School في باريس، في تصريح لمنفذ الأخبار الفرنسي Liberation: “هذه رسالة واضحة جداً من شعب غرينلاند إلى الصين والعالم: التنمية الاقتصادية، حتى لو سمح لغرينلاند بالاستقلال، فإن ذلك لا يبرر تدمير البيئة”.

وأشارت إلى أن الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 60 عاماً يؤيدون بشكل أساسي مجتمع الشعب ودعوته لوقف مشروع التعدين، في حين أن أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً كانوا أكثر ميلاً إلى دعم سيوموت وسعيه لجعل غرينلاند مستقلة مالياً.

وقالت ميكا إنه من خلال التصويت ضد مصالح التعدين، أرسل سكان غرينلاند أيضاً رسالة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تعتبر الجزيرة “كنزاً من الموارد”.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها