خبير تربوي: ثلث أطفال سوريا خارج التعليم في العقد الأخير
كشف الخبير التربوي السوري الدكتور فواز العواد، أن ثلث أطفال سوريا خارج العملية التعليمية بعد عقد شهدت فيه البلاد حراكاً شعبياً تحول إلى صراع بين النظام وقوى المعارضة.
العواد، وهو مدير “مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية”، شرح للأناضول واقع التعليم في سوريا في الوقت الراهن بعد عشر سنوات من الحرب الطاحنة في بلاده.
واستعرض العواد الواقع التربوي الصعب، بالقول: “لم تكن القضية التعليمية ذات أهمية للمجتمع السوري الثائر في بداية انطلاقة الثورة، إذ كان الطلاب خلال العام الأول من الثورة يتابعون دراستهم في مدارس النظام، إلاّ القليل منهم توجه إلى دول الجوار”.
واستطرد أنه “مع تصاعد العمليات العسكرية ضد المدنيين، وتشكيل فصائل عسكرية عملت على تحرير المناطق من سلطة النظام، بدأت عمليات النزوح الداخلي”.
“مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية” تأسس عام 2020، وهو مؤسسة بحثية متخصصة بالدراسات التربوية والتعليمية، وتهتم خصوصاً بحاجات المجتمع السوري، سواء في الداخل أو في بلدان اللجوء، وبحسب القائمين عليه، يتبع المركز لـ “مؤسسة تعليم بلا حدود/ مداد”، وله استقلاله العلمي، وهيكليته الإدارية الخاصة به.
** المجالس المحلية
وأشار العواد إلى أنه “مع تشكل أجسام للمعارضة بدعم دولي، تأسست المجالس المحلية التي أخذت على عاتقها تشكيل مكاتب للخدمات الصحية والتعليمية والإنسانية وغيرها”.
وأردف: “أدّى ذلك إلى تشكيل نواة للإدارات التعليمية المشرفة على العملية التعليمية في المناطق المحررة، التي اتسعت عام 2013 لتغطي مساحة أكثر من 60 بالمئة (من مساحة البلاد)، وتكاتفت الحملات التطوعية من المعلمين، فتشكلت الصفوف الدراسية في خيام اللجوء وفي الأقبية والملاجئ وغيرها”.
وأوضح أن “قطاع التعليم تعرض للاستهداف المباشر من جانب قوات النظام السوري وروسيا، إذ قٌصفت المدارس بشكل ممنهج، وحتى رياض الأطفال لم تسلم من ذلك، واستشهد معلمون وطلاب، واختلطت دماؤهم مع كتبهم الدراسية”.
وأشار العواد إلى أن تقريراً لمنظمة “يونيسف”، عن أثر الحرب على الواقع التربوي في سوريا، كشف أن عدد المدارس التي تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي، تجاوز 4 آلاف مدرسة منذ منتصف 2011، أي ما يشكّل نحو 40 بالمئة من إجمالي عدد المدارس في سوريا.
** المشهد التعليمي
ولفت الخبير إلى أنه بعد عقد من الصراع، “يواصل الأطفال في سوريا دفع ثمن الأزمة، إذ يعاني نظام التعليم من الإجهاد الكبير، ونقص التمويل، والتفكك وعدم القدرة على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال”.
وتابع: “يوجد في سوريا أكثر من 2.4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40 بالمئة تقريبًا من الفتيات، ومن المرجح أن يكون العدد ارتفع خلال 2020، جراء تأثير جائحة كورونا التي أدت إلى تفاقم تعطّل التعليم في سوريا”.
“لم تعُد واحدة من كل ثلاث مدارس داخل سوريا صالحة للاستخدام، لأنها تعرضت للدمار أو للضرر، أو لأنها تُستخدم لأغراض عسكرية”، بحسب عواد.
ويضيف: “أما الأطفال القادرون على الالتحاق بالمدارس، فإنهم يتعلمون في الغالب في صفوف دراسية مكتظة، وفي مبانٍ لا تحتوي على ما يكفي من المياه ومرافق الصرف الصحي والكهرباء والتدفئة أو التهوية”.
وأكمل موضحًا: “أصبح أكثر من 2.4 مليون طفل، أي أكثر من ثلث الأطفال السوريين خارج المدرسة، كما يواجه 1.3 مليون طفل خطر التسرّب”.
** المناهج التعليمية
وتحدث العواد عن المناهج التعليمية، قائلاً: “عملت المعارضة على اعتماد نسخة منقحة من المناهج الدراسية، وحصلت مؤسسات المعارضة على دعم متقطع لطباعة ملايين من هذه النسخة وتوزيعها على طلاب الداخل السوري”.
وأضاف: “اعتماد المعارضة على نسخة مناهج مؤلفة في الحكومة السورية مع إجراء بعض التصحيحات التي لا تتعلق بالجوهر العلمي، يعطي رسالة واضحة بأنّ المعارضة لا يوجد لديها أجندات أيديولوجية تعمل عليها”.
ولفت إلى أن “الأجيال السورية، بعد عقد من الثورة، باتت تحتاج إلى إعادة بناء وفق أسس نفسية وتربوية وعلمية تناسب التغيرات العالمية، وتناسب الأوضاع الخاصة التي يعيشها الطلاب في الداخل”.
** تمويل العملية التعليمية
ورداً على سؤال حول العملية التعليمة، أجاب: “يمكن القول إن التطوع هو العصب الرئيسي لاستمرار العملية التعليمية في الداخل السوري”.
وأشار إلى أنه “على الرغم من وجود مئات المنظمات الداعمة، إلا أنها لم تستطع حل مشكلة تمويل العملية التعليمية، من رواتب للمعلمين وتجهيزات قرطاسية ووقود للتدفئة ومواد تنظيف”.
وتابع: “ما زال التمويل جزئياً لبعض المدارس، وما زالت رواتب المعلمين دون الحد الأدنى من المعيشة، الأمر الذي يؤثر على جودة العملية التعليمية، فغياب الكفاءات القوية يؤدي بالضرورة إلى تراجع جودة التعليم وضعف مخرجاته”.
** الاعتراف بالشهادات الثانوية
وعن مشكلة الاعتراف بالشهادات، قال العواد: “حققت المعارضة إنجازاً يُحسب لها على صعيد الاعتراف بالوثائق الدراسية الصادرة عنها، إذ أنجزت الهيئة الوطنية للتربية والتعليم التابعة للائتلاف الوطني عام 2013 امتحانات الشهادات العامة، والتي حصلت مباشرة على اعتراف من الحكومة التركية والفرنسية، وقُبِل الطلاب في جامعات البلدين”.
“ولاحقاً، تمكّن طلاب الشهادات الثانوية الحاصلين عليها من وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية الموقتة من معادلة شهاداتهم في معظم الجامعات العالمية، في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية”.
ورأى أن “هذا الإنجاز دفع آلاف السوريين إلى الاتجاه صوب مناطق المعارضة السورية، بسبب عدم تحمّل حالة الخوف والاضطهاد في مناطق النظام، بغية حصول أبنائهم على شهادات دراسية معترف بها دولياً”.
وأفاد العواد أن “أعداد الحاصلين على شهادة التعليم الأساسي من الحكومة السورية الموقتة بين عامي 2013-2020 بأكثر من 128 ألف طالب وطالبة، فيما يبلغ عدد الحاصلين على الثانوية العامة بكل فروعها بأكثر من 101 ألف طالب”.
** التعليم العالي
وقال العواد: “بعد نجاح المعارضة في تنظيم التعليم ما قبل الجامعي، توجهت بالتعاون مع الأكاديميين السوريين لتأسيس جامعة حلب في المناطق المحررة، بهدف استيعاب الطلاب الحاصلين على الثانويات العامة من وزارة التعليم في الحكومة السورية الموقتة”.
وأوضح أن المعارضة عملت، أيضاً، على “إيجاد حل للطلاب الجامعيين المنقطعين عن تعليمهم مع بداية الثورة، فانطلقت الجامعة بعملها وما زالت إلى الآن تستوعب نحو 7 آلاف طالب وطالبة، وتضم 13 كلية، إضافة إلى عدد من المعاهد”.
وأضاف: “استطاعت الجامعة أن تحافظ على الهيئات الأكاديمية، والطاقات الشبابية للبقاء في المناطق المحرّرة، وعدم الهجرة إلى الخارج”، موضحاً أن الجامعة تساهم في تأمين حاجات المجتمع من المؤهلين في قطاع التعليم والصحة والخدمات وغيرها.
وأشار إلى حدوث “تطورات إيجابية من حيث اعتماد الشهادات، بعد تمكن عشرات الطلاب الخريجين منها التسجيل في الجامعات التركية، ولا يمكن أيضاً إغفال الحديث عن جامعة إدلب التي تقع تحت سلطة حكومة الإنقاذ، والتي تستوعب آلاف الطلاب في تخصصات كثيرة”.
وختم قائلاً: “لا شك في أن الدمار الذي لحق بالبنيان والعمران في سوريا يحتاج إلى مليارات لإعادة بنائه، ولكن الأهم من ذلك والأسبق، هو بناء الإنسان المسلح بالعلم والمعرفة والأخلاق”، معتبراً أنه “رغم الصعوبات والتحديات، فإن قطاع التعليم استطاع إنقاذ مئات الآلاف من الأطفال”. (ANADOLU)[ads3]