” في حب ليالي ستوك الباردة ” .. عن إلغاء الـ ” سوبر ليغ ” !

لا يمكن لاثنين أن يختلفا على أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم منظمة فاسدة أو بتعبير ثان غير نزيهة بالمطلق، بشكل أو بآخر، ولا يمكن لأحد أن يعترض على القول إن الاتحاد الدولي لكرة القدم منظمة ينخرها الفساد حتى النخاح.. المحزن وربما المدهش أن تجداً شخصاً اقتنع بكلام فلورينتينو بيريز بأنه يحب كرة القدم ويعمل لصالحها، أن تجداً شخصاً مقتنعاً بأن الخير الذي لم يأت من الاتحادات سيأتي من حيتان المال والأعمال، المقاولين المقامرين، بيريز وآل غلايزر وأبراموفيتش وغيرهم.

سواء ألغيت الـ “سوبر ليغ” وفشل مشروعها أم لم يفشل، فإن ما قبل الإعلان عنها ليس كما بعده، وما فشل اليوم سينجح لاحقاً ضمن سياق تطور طبيعي متوقع، سببه الاقتصاد والسياسة ونتائجهما التي تنعكس على كل شيء بما في ذلك كرة القدم.. الفرق أننا كنا نعول على تطور غير سريع أو مفاجئ يتسبب بنتائج كارثية، تطور يطال بطولة موجودة (دوري الأبطال) دون أن يعمل على خلق منافس مدمر لها ولغيرها.

الإعلان عن البطولة الخارقة كان زلزالاً بالفعل، ويبدو أن فشله في تحقيق هدفه سيقابله نتائج إيجابية متمثلة بإجباره الاتحادات على تسريع عملية التطوير التي ترضي الجميع، وهذا الزلزال الذي لم يتوقع أحد أن يأتي بهذه السرعة أو الطريقة المفاجأة، قابله إعصار جماهيري (كان اللاعبون جزءاً منه) لا يقل إدهاشاً ومفاجأة، لم أكن أعتقد شخصياً أنه سيساهم في قلب الطاولة.

قدم غوارديولا جملة بديعة في مؤتمره الأخير تلخص كل شيء، الموضوع مرتبط ببساطة بالعلاقة الموجودة بين المكافأة (البطولات) والجهد المبذول للحصول عليها (الفوز بالمباريات) وإن اختلت هذه العلاقة، فإن الناتج لن يكون رياضة على الإطلاق بغض النظر عن قيمة المنافسين.. لقد غاب عن عرابي البطولة الخارقة وعن الـ “أميريكان ستايل / سيستيم” الذي حاولوا تطبيقه، أن جماهير الأندية، التي بدأت كأندية اجتماعية قبل أن تكون رياضية – مالية بحتة، ليست تلك التي تتابعها عبر الشاشات فقط وتخلق لها المليارات وترفع من قيمة علاماتها التجارية، بل هي التي تقيم بجانب الملعب، وتنتظر يوم المباراة -أياً كانت- لتمارس طقوسها الاجتماعية – الرياضية (أنصح جداً بمشاهدة سلسلة All or Nothing الوثائقية عن توتنهام وسيتي وSunderland ‘Til I Die التي تشرح السياق الأخير الذي تحدثت عنه، وقد أتحدث عن هذه الوثائقيات بالتفصيل مستقبلاً).

لا يمل من القول إن الاتحادات غير نزيهة لا بل فاسدة، ولكن من الظلم والإجحاف إلقاء اللوم عليها بالكامل، بسبب الخسائر المادية التي تكبدتها الأندية، الأندية التي كان جشع رؤسائها وشركائهم ورعاتهم ورغبتهم بتحقيق الربح (المادي لا في الملعب) بأي طريقة ممكنة سبباً في الارتفاع الجنوني لأسعار اللاعبين وأسعار تذاكر المباريات بل وحتى أسعار قمصان اللاعبين.. ومجدداً ومكرراً، الخير الذي لم يحصل عليه محبو هذه الرياضة من الاتحادات، لن يحصلوا عليه -قطعاً برأيي- من بيريز وغلايزرز وأمثالهم.

أتابع كرة القدم، ليس فقط لأشاهد دورتموند ومانشستر وبرشلونة يفوز بكل المباريات والبطولات فحسب، بل ليرتفع ضغطي وأنا أشاهد يونيون برلين يفوز في سيغنال إيدونا بارك أمام 70 ألف متفرج بينهم 5 آلاف قدموا من برلين ليعيشوا ربما أفضل يوم في حياتهم، أتابعها ليصل صوت صراخي إلى مدينة ثانية وأنا أشاهد راشفورد يسجل هدف التعادل في الدقيقة الأخيرة في مرمى وولفرهامبتون الذي استبسل بالدفاع عن مرماه لدرجة دفعني فيها لتمزيق ملابسي، أتابعها لأستمتع باحتفال لاعبي خيتافي بعد نهاية المباراة التي نجحوا فيها بمنع ميسي من التسجيل.. أتابعها لأجل السهرة شديدة البرودة في ملعب ستوك سيتي الذي يستضيف تشلسي، وأنا أعيش على أعصابي منذ الدقيقة الأولى لأنني أعرف أن فريقي مرشح لفقدان نقاطها.. يقول مشجع زرق لندن في اللافتة التي رفعها اليوم مندداً ببطولة الخارقين.

إن لم ينجحوا اليوم سينجحون غداً، وعلى عكس المعجزات التي لا تحصل كل يوم، فإن المال -للأسف- يفوز دائماً.. ما لم يفهمه بيريز ورفاقه، أن من يحب كرة القدم، لا يريد خارقين فيها كل يوم، ولا يتابع فريقه لأجل فوز أبدي مستمر، حتى الفوز المستمر يصبح مملاً.. نحبها بكل ما فيها من فوز وخسارة وحرق أعصاب، نحبها لأجل ليالي ستوك الباردة.

هامش..

“هل يستطيع فعل ذلك خلال ليلة باردة ممطرة في ستوك؟”.. عام 2010 وخلال لقاء جمع مانشستر سيتي بإيفرتون، وعندما كان ميسي ورنالدو في قمة عطائهما وسيطرتهما على عرش الكرة العالمية، أطلق المعلق الإنكليزي آندي غراي هذا التعبير، على سبيل الدعابة، خلال نقاش حول ميسي ورنالدو والكرة الذهبية، في إشارة منه إلى أن ميسي قد لا يستطيع تقديم إبداعاته إن وضع في الظروف التي تكون موجودة عادة في ملعب بريتانيا (ملعب ستوك سيتي) وما يرافقها من أحوال جوية بريطانية سيئة – كئيبة شهيرة.

في ذلك الموسم، كان ستوك سيتي من أشهر الفرق الدفاعية وأكثرها تعذيباً للخصوم، بسبب أسلوبه الدفاعي ورمياته الجانبية الطويلة وتدخلات لاعبيه العنيفة.. مذ أطلق غراي هذا التعبير أول مرة ذهب مثلاً وبات يستخدم على سبيل الدعابة والتحدي بين المشجعين، عند الحديث عن أي نجم لا يلعب في الدوري الإنكليزي أو قد يلعب مع أحد فرقه.. “هل يستطيع تحمل ليلة باردة ممطرة في ستوك؟”.

عمر قصير – عكس السير

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها