دويتشه فيله : كبرياء أوروبا على المحك .. ألمانيا على وشك شراء لقاح سبوتنيك الروسي
رغم الجدل الدائر على المستوى الأوروبي بشأن لقاح “سبوتنيك في” المضاد لفيروس كوفيد-19، إلا أن ألمانيا باتت قاب قوسين أو أدنى من شراء ما لا يقل عن ثلاثين مليون جرعة من هذا اللقاح، بحسب ما أعلنه رئيس ولاية ساكسونيا، ميشائيل كريتشمر، في تصريحات أدلى بها على هامش مباحثات أجراها مع وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو في موسكو، في سياق زيارة يقوم بها المسؤول الألماني لروسيا تستمر عدة أيام.
وأوضح كريتشمر أن برلين تود شراء اللقاحات الروسية بمعدل عشرة ملايين جرعة في الفترة ما بين حزيران وآب المقبلين.
ويرى عدد من القادة الأوروبيين أن روسيا توظف لقاحاتها في عدد من بلدان العالم، لا سيما بعض الدول الصغيرة في الاتحاد الأوروبي، لتلميع صورتها.
موقع شبكة “إن.تي.فاو” الألمانية، في 22 نيسان، استعرض سيلاً من الانتقادات التي حصدتها زيارة المسؤول الألماني إلى موسكو، من بينها تغريدة للقنصلية الأمريكية في لايبزيغ، تقول: “لا ينبغي أن نتسامح أو نجد أعذاراً للسلوك غير النزيه لروسيا، سواء كان تضليلًا أو هجمات قراصنة أو تسميم واحتجاز ناشطين أو تفاقم الصراعات الإقليمية”، ووصفت القنصلية موعد زيارة كريتشمر بـ”الوقت الخطأ”.
واختيار روسيا اسم “سبوتنيك” للقاح ضد جائحة عالمية لم يكن بريئا، فهو يُذكر بالعهد الذهبي للإنجازات الفضائية الروسية، فالقمر الاصطناعي “سبوتنيك” شكل في أوج الحرب الباردة مفاجأة علمية وصناعية أبهرت العالم، وهناك بالتالي إيحاء بأن فعالية اللقاح ضد فيروس كورونا هو من نفس فعالية أول قمر وضعه الإنسان في المدار حول الأرض، ما أعطى الاتحاد السوفياتي حينها صدارة السباق نحو الفضاء.
وتراكمت بعدها النجاحات السوفياتية مع أول رحلة مأهولة إلى الفضاء قادها يوري غاغارين عام 1961، وهذا بالضبط ما يثيره اسم سبوتنيك في المخيلة الغربية في وقت تشهد فيه العلاقات مع روسيا تدهوراً متواصلاً، يجعل من كل الصفقات التجارية الكبرى مع هذا البلد موضوع جدل سياسي وإعلامي لا ينتهي، تختلط فيه الصبغة التجارية بالأبعاد السياسية، كما حدث مع مشروع خط أنبوب الغاز الروسي إلى أوروبا “نورد ستريم 2”.
برلين سارعت على لسان وزير خارجيتها هايكو ماس إلى تحذير كريتشمر، من أن تستغل الحكومة الروسية زيارته لموسكو، ودعا كريتشمر إلى بحث موضوع زحف القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا واعتقال المعارض البارز أليكسي نافالني “مع القيادة الروسية، تجنباً لأن تكون (الزيارة) عرضة للاستغلال”.
الخارجية الفرنسية على سبيل المثال لا الحصر، لم تتردد في اتهام روسيا باستخدام اللقاحات كأداة “للدعاية”، كما سبق للمفوضية الأوروبية أن أبدت تحفظاتها بشأن فائدة حصول الاتحاد الأوروبي، من وجهة نظر صناعية، على اللقاحات الصينية أو الروسية، غير أن ألمانيا أكدت في أكثر من مناسبة أن شراء لقاحات سبوتنيك سيظل مشروطًا بموافقة وكالة الأدوية الأوروبية.
“فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ” كتبت في 22 نيسان أن هذا اليوم “لم يكن يومًا سيئًا بالنسبة لبوتين، حيث أتى رئيس وزراء (ولاية) ألماني ليعلن عن شراء ثلاثين مليون جرعة.. بصرف النظر عن النقاش بشأن الصلاحية القانونية لمسؤول ولائي بشأن طلبات (لقاحات) على المستوى الاتحادي، فإن روسيا حققت مكسباً أكيداً في حملتها العالمية لتسويق سبوتنيك.. إنجاز صفقة مع أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي يعتبر بهذا الخصوص بلا شك جائزة ثمينة”.
أعلن مركز “غامالايا” الوطني الروسي للأبحاث وعلم الأوبئة وصندوق الاستثمار المباشر الروسي، في بيان، أن فعالية لقاح سبوتنيك في روسيا تبلغ 97.6%، وذكرت وكالة “بلومبرغ” التي نقلت الخبر أن هذا التقييم يستند لنتائج اعتمدت بيانات لـ3.8 مليون روسي تلقوا اللقاح بين الخامس من كانون الأول 2020 و31 آذار 2021.
ولتقييم فعالية اللقاح، انتقل خبراء “وكالة الأدوية الأوروبية” (مقرها أمستردام) إلى موسكو حيث زاروا العيادات التي يتلقى فيه الروس اللقاح إضافة إلى مواقع إنتاج سبوتنيك، وبموجب إجراءات المراجعة التي تقوم بها الوكالة يتم التدقيق في نتائج التجارب.
وليس من الواضح بعد الفترة الزمنية التي سيستغرقها استصدار ترخيص يسمح باستعمال اللقاح الروسي على المستوى الأوروبي، وهذا لم يمنع عددا من المسؤولين في دول الاتحاد الأوروبي عن إبداء اهتمامهم بإبرام صفقات مع روسيا، تحت ضغط تعثر إن لم نقل فشل إستراتيجية التلقيح الأوروبية.
وفي هذا الصدد، انتقدت المستشارة أنغيلا ميركل التهافت على اللقاح الروسي حتى قبل موافقة السلطات الصحية الأوروبية.
ووزير الصحة الألماني ينس شبان، سبق وأن أعلن بدوره عن مفاوضات بشأن شراء سبوتنيك بعد حصوله على الترخيص.
وبالإضافة إلى ساكسونيا، تفاوضت ولايات ألمانيا أخرى، مثل بافاريا ومكلنبورغ فوربومرن بشكل مستقل مع الشركة المصنعة الروسية.
وفي هذا السياق، ذهبت صحيفة “تاغس شبيغل” البرلينية، في الثامن من نيسان، إلى القول إن “الوكالة الأوروبية للأدوية ما تزال تتحقق فيما إذا كانت روسيا قد قدمت وثائق تم التلاعب بها، وما إذا كانت سلسلة الاختبارات تتوافق مع المعايير الأخلاقية والعلمية للاتحاد الأوروبي”.
واستطردت الصحيفة أن سلوفاكيا التي “استعملت سبوتنيك دون موافقة أوروبية، أكدت أن جرعات سبوتنيك المقدمة لا تتطابق مع نتائج العينة التي أكدت دراسة في المجلة المتخصصة (لانسيت) المتخصصة أنها فعالة للغاية، ولذلك لم تصدر موافقة وكالة الأدوية الأوروبية وربما لن يحدث ذلك أبدا”.
ولقد انتبهت روسيا والصين بشكل مبكر للمزايا التي قد تجنيها من السباق العالمي نحو تطوير لقاحات فعالة ضد فيروس كورونا المستجد، فالنجاح في هذا السباق سيكون مرادفاً لفعالية الابتكار العلمي المنتهجة في البلاد، وبالتالي تعزيز صورة “الدولة القوية” في الساحة الدولية.
وبالفعل كانت روسيا سباقة في إعطاء موافقتها لاستعمال أول لقاح في العالم وسط ذهول عالمي صاحبته ظلالاً من الشكوك، خصوصاً أمام ضبابية القواعد الخاصة بالشفافية واتباع بروتكول منظمة الصحة العالمية بشأن أبحاث واختبار اللقاحات.
ورغم ذلك لم تدخر روسيا الجهد للتسويق لسبوتنيك، حيث تلقى العلماء الروس أنفسهم اللقاح أمام أعين الكاميرات، والأمر نفسه قامت به كبار الشخصيات في البلاد التي تلقت اللقاح في مراحله التجريبية، بمن فيهم ابنة الرئيس فلادمير بوتين.
المعلومات الأولى التي نُشرت بشأن دراسات الخاصة بسبوتنيك في المرحلتين الأولى والثانية أثارت مخاوف من قبل عدد من الدوائر العلمية في الغرب، ما زاد من حدة جدل لم ينته إلى يومنا هذا.
صحيفة “نويه تسوريشر تسايتونغ” الصادرة في زوريخ أكدت في تعليق لها بالتاسع من نيسان أن مسؤولية تعثر إستراتيجية التلقيح في أوروبا يتحملها الأوروبيون وحدهم.
وقالت: “فشل الاتحاد الأوروبي في شراء لقاحات ضد فيروس كورونا، تتحمله المفوضية كما رؤساء الدول والحكومات الذين سمحوا ببساطة بحدوث هذه الكارثة.. لم يعد هناك وقت للكبرياء والغطرسة والألعاب السياسية.. يجب الآن الحصول على اللقاحات الفعالة حيثما كانت متوفرة، إذا لزم الأمر من روسيا كذلك.. بالطبع، هذا يمنح موسكو انتصاراً، لكن هذا أمر يمكن تحمله.. من خلال شراء لقاحات سبوتنيك، لن تصبح أوروبا معتمدة على روسيا على المدى الطويل، فالعرض سيكون كافياً بحلول نهاية هذا العام، حتى بدون روسيا لتغطية الطلب.. في الوضع الحالي المزري، يجب الترحيب بكل صفقة تلقيح”.
يتصاعد الضغط في ألمانيا من أجل استخدام اللقاح الروسي وسط انتقادات تأخذ على الحكومة بطء حملة التلقيح، وهذا ما يفسر جزئيا مبادرة ولايات ألمانية لإبرام “عقود بيع أولية” مع روسيا على أمل حصولها على ضوء أخضر أوروبي.
وأكد معهد روسي طوّر سبوتنيك أن هذا اللقاح لا يتسبب بجلطات دموية، وهو أثر جانبي محتمل ظهر مع استخدام لقاحات أخرى وأدى إلى وقف حملات التلقيح في دول غربية عدة، فقد أوصت الولايات المتحدة على سبيل المثال بتعليق استخدام لقاح “جونسون آند جونسون” مؤقتاً، بعد وفاة شخص واحد من بين نحو سبعة ملايين أميركي تلقوا اللقاح إثر إصابته بجلطة دماغية من نوع نادر.
وعانى لقاح “أسترازينيكا” من مشاكل مماثلة حيث أوقفت استعماله عدة دول على خلفية الاشتباه بحصول آثار جانبية نادرة وخطيرة للقاح، وهو ما عرض حملات التلقيح الأوروبية لانتكاسات متتالية.
صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ”، في الثامن من نيسان، حسمت في أمر اللقاح الروسي، وكتبت: “يجب أن يكون هناك معيار واحد فقط لشراء واستخدام لقاح سبوتنيك: الفعالية والأمان.. بمجرد الموافقة عليه، سيصبح الأمر سهلاً.. يجب على سبوتنيك أولاً اجتياز اختبار وكالة الأدوية الأوروبية، إذا صدرت موافقة وكالة الأدوية، فلن يفشل أي طلب أو إنتاج في الاتحاد الأوروبي لأسباب أيديولوجية”. (DW)[ads3]