ألمانيا : حكم قضائي لصالح لاجئة يطلق معركة تفتيش الهواتف

لم يكن أمام فرحناز س سوى تسليم هاتفها عندما تقدمت بطلب لجوء في ألمانيا في أيار من عام 2019، وفي ذاك التوقيت، قدمت فرحناز شهادة الزواج ووثائق أخرى تثبت أنها من أفغانستان، لكن لم يكن معها جواز سفر لذا فإن واحداً من أول الأمور التي طلبها منها موظفو الهجرة كان هاتفها.

وتستعيد فرحناز هذا اليوم، وتقول: “لا أتذكر إذا كنت قد قمت بفتح الهاتف لهم أم اعطيتهم كلمة المرور، لكن كان بمقدرهم الوصول إلى كل شيء (في هاتفي)”.

واستعادت فرحناز هاتفها بعد 44 دقيقة، فيما استخدمت السلطات برنامجاً لفحص البيانات على جهاز الهاتف بحثاً عن أي شيء يدل على المكان الذي أتت منه.

وبعد وقت قصير، طلب الموظف المعني بفحص طلب اللجوء الذي تقدمت به فرحناز، الحصول على نتائج فحص هاتفها، وبعد شهر تم رفض طلب اللجوء.

وفرحناز ليس الاسم الحقيقي، إذ طلب محاميها تغيير اسمها خوفاً من أي تداعيات.

ويعد تفتيش الهواتف المحمولة خلال إجراءات التقدم بطلبات اللجوء أمراً شائعاً في ألمانيا، لكن حالة فرحناز على الأقل غير قانونية، وفقاً لما قضى به قضاة محليون في العاصمة برلين، فقد أصدرت محكمة إدارية، الثلاثاء، حكماً بأن المكتب الاتحادي للهجرة وشؤون اللاجئين (BAMF) لا يمتلك حق الوصول إلى البيانات الموجودة على هاتف فرحناز خلال المرحلة المبكرة من النظر في طلبها.

وقال القاضي إن المكتب الاتحادي انتهك القانون أيضاً من خلال تخزين المعلومات التي تم الحصول عليها أثناء التفتيش دون داع.

ومنذ 2017، تمكنت السلطات الألمانية من تحليل بيانات الهواتف المحمولة الخاصة باللاجئين إن لم يكونوا يمتلكون جوازات سفر أم بطاقات هوية سارية للتأكد من هويتهم، لكن في ثلاث دعاوى منفصلة في عموم البلاد، رفع طالبو لاجئو دعاوى قضائية ضد الدولة بسبب هذه الممارسة، وذلك بدعم من نشطاء مدافعين عن الحقوق المدنية، ويؤكدون أن تفيش الهواتف ليس فعالاً وتطفلياً وأسلوباً مبالغاً فيه.

وكانت المحاكمة التي جرت الثلاثاء وتابعتها شبكة “DW” الإعلامية، بمثابة أول جلسة استماع للدعاوى الثلاث وقد يحمل قرار المحكمة تأثيراً طويل الأمد حيال كيفية استخدام السلطات الألمانية للتكنولوجيا خلال النظر في طلبات اللجوء.

وقالت لي بيكمان، المحامية لدى جمعية الحقوق المدنية ومقرها برلين: “إن الحكم يشير إلى أن إجراء تفتيش الهواتف بشكل كامل من قبل المكتب الاتحادي للهجرة وشؤون اللاجئين غير قانوني”.

وأضافت أن الحكم قد يكون له تأثيراً مباشراً على المحاكات الأخرى وآخراً غير مباشر حيال شكوى لم تُحسم بعد من قبل هيئة مراقبة حماية البيانات في ألمانيا، فقد تقدمت جمعية الحقوق المدنية مع جميعات أخرى، في شباط، بطلب إلى أولريش كيلبر، الذي يشغل منصب المفوض الاتحادي لحماية البيانات وأمن المعلومات، للنظر في تفتيش هواتف طالبي اللجوء.

وعلى عكس محكمة برلين، فإن مكتب كيلبر يمتلك سلطة إصدار أوامر إلى المكتب الاتحادي للهجرة وشؤون اللاجئين لوقف هذا الإجراء، ويتوقع أن يصدر مكتب كيلبر قراره في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.

ورفض المكتب الاتحادي للهجرة وشؤون اللاجئين الإدلاء بأي تصريح حيال الحكم الذي صدر عن محكمة برلين، مبيناً أنه لا يمكنه التعليق قبل نشر قرار المحكمة، ويتوقع أن يتم نشر الحكم خلال أسبوعين.

وقد دافع المكتب في السابق عن إجراء تقتيش الهواتف باعتباره ضرورياً لمنع حدوث عمليات احتيال بشأن طلبات اللجوء وأيضاً لمساعدة الموظفين الذين ينظرون في هذه الطلبات في إصدار قرارات سواء برفض أو بقبول طلبات اللجوء.

وفي سائر العالم، تستخدم سلطات الهجرة بشكل متزايد التكنولوجيا لتحليل الهواتف المحمولة وصفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بطالبي اللجوء.

ومع ذلك، فليس من باب الصدفة أن يثير هذا الأمر رد فعل قانوني قوي في ألمانيا إذ أنها شهدت في القرن العشرين نظامين سلطويين، ما جعل الألمان أكثر حساسية عندما يتعلق الأمر بحماية خصوصيتهم.

وقال ماتياس لينرت، محامي فرحناز، إن قرار المحكمة يرسل رسالةً قويةً مفادها أن المكتب الاتحادي للهجرة وشؤون اللاجئين يجب ألا يمتلك سلطة الوصول إلى بيانات طالبي اللجوء أو تخزينها، وأضاف: “هذا الأمر لا يمكن تصور حدوثه مع بيانات المواطنين الألمان دون سبب كاف”.

ولا يتوقع لينرت أن الحكم الذي صدر الثلاثاء سيكون له تاثير فوري أو عاجل، لكنه قال إن الحكم قد يسفر عن رفع دعاوى مماثلة لقضية فرحناز، لإجبار المكتب الاتحادي للهجرة وشؤون اللاجئين على تغيير هذه الممارسة في نهاية المطاف.

وخلال المحاكمة، اتفق محامو فرحناز وممثل سلطات الهجرة على أنه إذا قرر المكتب الاتحادي للهجرة وشؤون اللاجئين الطعن في القرار، فإن القضية ستحال مباشرة إلى أعلى محكمة إدارية في ألمانيا ومقرها لايبزيغ، وفي هذه الحالة، سيقرر قضاة هذه المحكمة إمّا تأييد الحكم الذي أصدرته محكمة برلين أو إلغاءه.

ويمكن لقضاة محكمة لايبزيغ أيضاً إحالة القضية إلى المحكمة الدستورية التي تملك سلطة إلغاء التعديل، الذي أٌقر في 2017 والذي سمح بتفتيش الهواتف في بداية إجراءات النظر في طلبات اللجوء.

وقال لينرت إنه ما يزال هناك قضيتين يـُنتظر البت فيهما أمام محاكم محلية أخرى، مضيفاً أن القضية الأولى رفعها لاجئ سوري، فيما رفع الثانية لاجئ من الكاميرون.

ويرى مراقبون أن تداعيات قرار محكمة برلين تشير إلى أن المعركة ضد تفتيش هواتف اللاجئين قد بدأت للتوء.

يانوش ديلكر – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها