ألمانيا : التحقيقات في هجوم فورتسبورغ و خطر الإسلامويين

ثلاثة قتلى وسبعة جرحى، خمسة منهم في خطر، والهجوم الذي شنه في فورتسبورغ بولاية بافاريا طالب لجوء صومالي، مرفوض طلب لجوئه، يعيد ذكريات الهجوم الذي شنه الإسلاموي أنيس عامري على سوق عيد الميلاد في برلين في كانون الأول 2016، وفي ذلك الهجوم، توفي 12 شخصاً وأصيب أكثر من 60 آخرين، ومع ذلك، يجب توخي الحذر، عندما يتعلق الأمر بتصنيف الجريمة التي وقعت في المدينة البافارية، لأن التحقيق ما يزال مستمراً، والشيء الوحيد المؤكد حتى الآن هو أن الرجل الذي طعن ضحاياه بسكين كان يتلقى علاجًا نفسيًا.

وصحيح أن هناك مؤشرات على وجود خلفية إسلاموية لهجوم فورتسبورغ، إلا أن الأمور ما تزال قيد التحقيق، وبغض النظر عما إذا تم تأكيدها أو دحضها في النهاية، فإن الجدل حول هذا النوع من العنف ذي الدوافع الدينية يدور بقوة مرة أخرى، وهناك عدة أسباب لبقاء الأمور هادئة لبضع سنوات، فبالنظر إلى الإحصاءات، انخفض هذا الشكل من الهجمات المتطرفة بالفعل مؤخراً، وبالإضافة إلى ذلك، تم في عامي 2019 و2020 التركيز على اغتيالات أخرى: اغتيال الأشخاص من أصول أجنبية في مدينة هاناو (ولاية هيسن)، والهجوم على الكنيس اليهودي في مدينة هاله (ولاية ساكسونيا أنهالت) واغتيال السياسي المسيحي فالتر لوبكه في فولفهاغن بولاية هيسن.

وعندما قدم وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر تقرير الاستخبارات الداخلية “هيئة حماية الدستور” لعام 2020، منتصف حزيران، وصف التطرف اليميني بأنه “مشكلة ضخمة” في إشارة إلى عدد القضايا والبعد الاجتماعي، لكنه حذر أيضاً من مخاطر التطرف اليساري والتطرف الإسلاموي، وقد تم تحديد مخاطرها المحتملة في التقرير الحالي من قبل الاستخبارات الداخلية في ما يقرب من 70 صفحة، في إشارة إلى كبر حجمها.

وتحديداً في عام 2020 تم تسجيل 409 جرائم في نطاق “الأيدلوجية الدينية”، أي بزيادة قدرها 13% عن العام السابق (362)، والغالبية العظمى منها ترجع إلى الإسلامويين، وتحديداً أكثر من 92%، ومع ذلك، فإنه في حالة أعمال العنف التي تصل إلى القتل تظهر الإحصاءات تراجع بنسبة تقارب 20%، 33 واقعة مقارنة بـ 41، وفي حالة الشك، فإن دلالة بيان هذه الأرقام المجردة مشروطة (وليست مطلقة)، وفي التحليل الذي أجراه مكتب حماية الدستور، تبدو حالة التهديد على النحو التالي: “التهديد الذي يشكله الإرهاب الإسلاموي في ألمانيا كان أيضًا على مستوى عالٍ في عام 2020”.

ويقول المكتب: “صحيح أنه لم تقع بعد في ألمانيا هجمات معقدة ومتعددة، يتم توجيهها من الخارج، لكن يمكن تصور حدوثها في أي وقت”، ثم يتبع جملة يمكن أن تتناسب مع الهجوم الذي وقع في فورتسبورغ، في حالة تأكيد الشك في وجود خلفية إسلاموية: “معظم الهجمات في السنوات الأخيرة كانت هجمات فردية، وهذه الهجمات هامة بالنسبة لأهداف الجماعات الإرهابية، لأنه يمكن أن يكون لها أيضا تأثير كبير”.

وهناك أيضاً تقديرات للكيفية التي يمكن أن تحدث من خلالها مثل هذه السيناريوهات أو الطريقة التي نفذت بها بالفعل في الماضي، فبأعمال مستوحاة من الدعاية الموجهة لارتكاب العنف أو من خلال الاتصال بمنظمة إرهابية مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، قام الجناة الفرادى غالباً عبر استخدام وسائل متاحة بسهولة بمهاجمة الأهداف “الضعيفة”، التي تسهل مهاجمتها.

وكمثال من عام 2020، تم ذكر الهجوم بالسكين على سائحين ألمانيين في دريسدن (ساكسونيا) في تشرين الأول، ومات أحدهما، وفي وقت لاحق تم القبض على الجاني المفترض، الذي كان هاربا في البداية. ويقول التقرير الصادر عن مكتب حماية الدستور: “من المحتمل أن يكون هناك دافع إسلاموي”، وجاني مفرد آخر مفترض من هذه البيئة هو سائق السيارة على الطريق السريع بمدينة برلين، الذي جرح ستة أشخاص في تصادم متعمد في آب، ويُفترض أن الدافع وراء الجريمة إسلاموي “سهلته إعاقة نفسية مصاب بها المشتبه به”.

وإذا نظر المرء إلى عدد من يسمون بالخطرين، الذين تثق السلطات الأمنية أنهم يمكن أن يقوموا بهجمات في أي وقت، فإن التهديد المحتمل من الأشخاص ذوي الدوافع الدينية يصبح واضحاً بشكل خاص: من بين 697 رجلاً وامرأة تم تصنيفهم وفقًا لذلك، يشتبه في وجود دوافع دينية في 596 حالة، وغالباً ما يقصد بذلك التطرف الإسلامي. وتأتي أعداد الخطرين من رد للحكومة الاتحادية على استفسار من كتلة الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) في البرلمان الألماني “بوندستاغ” في نهاية شباط.

إن إلقاء نظرة عبر الحدود تساعد ألمانيا أيضًا في تقييم مخاطر الهجمات، ويشير تقرير مكتب حماية الدستور إلى الهجمات في فرنسا والنمسا، فقد كان لها تأثير على “ديناميكية الوضع في ألمانيا”، وهكذا وقع هجوم بسكين على اثنين من المارة في باريس في نهاية أيلول، أمام مكاتب التحرير السابقة للمجلة الساخرة “شارلي إيبدو”.

وفي منتصف تشرين الأول، تم قطع رأس مدرس التاريخ صامويل باتي وسط شارع في إحدى ضواحي باريس، بعدما عرض في الفصل رسوما كاريكاتورية تظهر النبي محمد، وبعد بضعة أسابيع، طعن إسلاموي مفترض ثلاثة زوار لكاتدرائية في نيس، ويبدو أن خلفية هذه الأعمال كانت النقاش المتجدد حول نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي، وقامت صحيفة “شارلي إبدو” بنشرها مرة أخرى بمناسبة بدء محاكمة من يُفترض أنهم ساعدوا القتلة في كانون الأول 2015، وفي ذلك الوقت اقتحم إسلامويون مكاتب التحرير وأطلقوا النار على اثني عشر شخصًا.

وقد يشجع الهجوم الذي وقع في فيينا في تشرين الثاني مقلدين في ألمانيا على ارتكاب أفعال مماثلة، ففي العاصمة النمساوية، أطلق الجاني المفترض النار فقتل أربعة أشخاص وسط المدينة وأصاب أكثر من 20 شخصًا، بعضهم إصاباتهم خطيرة، كما تم البحث عن داعمين في ألمانيا، واستنتاج مكتب حماية الدستور هو: “لا يمكن استبعاد أفعال التقليد أو الصدى في ألمانيا، وخاصة من قبل جناة فرادى استلهموا أفعالهم” من آخرين.

وما تزال السلطات الأمنية الألمانية قلقة للغاية بشأن مشكلة أخرى: فمن بين حوالي 1100 إسلاموي سافروا إلى مناطق الحرب في سوريا والعراق منذ عام 2012، يقال إن ثلثهم عادوا إلى ألمانيا، وحُكم على بعضهم بالسجن عند عودتهم، ويمثل التعامل مع هؤلاء الإسلامويين في السجون الألمانية وبعد إطلاق سراحهم “تحدياً خاصاً” للسلطات القضائية والأمنية.

مارسل فورستناو – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها