دويتشه فيله : في ألمانيا .. ساسة ” مشاغبون و محرجون ” لا تستطيع أحزابهم التخلص منهم !

لدى الأحزاب الرئيسية في ألمانيا ساسة يقدمون أنفسهم عن طريق التصرف بطريقة غير مألوفة والتحدث بعفوية ومسيئة أحياناً، ما ينتهك العرف الاجتماعي في ألمانيا، على غرار ما كان يقوم به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

ويتسبب هؤلاء في إحراج أحزابهم التي ترغب في التخلص منهم، لكنها تخشى من أن يؤثر ذلك على شعبيتها.

ورغم وجود سياسيين يشبهون ترامب في ألمانيا، إلا أن الفارق بين الولايات المتحدة وألمانيا هو أن أياً من هؤلاء السياسيين لم يتم انتخابه لأعلى منصب في البلاد حتى الآن على الأقل، لكن قادة هذه الأحزاب يواجهون معضلةً تشبه بشكل ساخر أسطورة الطبيب الألماني فاوست، الذي باع روحه للشيطان مقابل المعرفة الدنيوية والمتعة، بمعنى أن زعماء الأحزاب بين خيارين: إما طرد هؤلاء المثيرين للجدل أم الاستفادة من شعبيتهم، وحتى إذا رغبوا في طردهم، فمن المحتمل أن يواجهوا الكثير من العقبات القانونية.

فمن هم السياسيون الألمان المشاغبون؟

هانز- غيورغ ماسن – حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي

هانز- غيورغ ماسن هو الرئيس السابق للمكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية في ألمانيا)، والآن هو مرشح حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) في الانتخابات التشريعية القادمة في أيلول عن ولاية تورينغن. ويبدو أن هذا السياسي قد درس جيداً ما يُمكن أن يُطلق عليه “الاستفزاز الشعبي”، فدائماً يطلق تصريحات مسيئة ومثيرة للجدل تكون محور اهتمام وسائل الإعلام لعدة الأيام، وليحظى عن طريقها بتغطية إعلامية، وبعد ذلك، يحاول التراجع عن هذه التصريحات بشكل جزئي، إذ يؤكد أنه دائماً ما يٌساء فهمه.

وهو الأمر الذي حدث الأسبوع الماضي عندما اقترح ماسن في مقابلة صحافية أن يتم فحص خلفيات الصحافيين الذين يعملون في وسائل الإعلام العامة في ألمانيا، لأنه لاحظ توجهاً يسارياً في برنامج “تاغيس شاو” الإخباري الشهير للقناة الألمانية الأولى “ARD” الألمانية، وأثار هذا التصريح حالة غضب ودعوات لاستقالته، لكن بعد ذلك بأربعة أيام، نشر ماسن تغريدة قال فيها إنه لا يجب أن يكون هناك فحص للآراء الشخصية للصحفيين.

ولم يتلق ماسن دعماً شخصياً أكبر مما حدث في عام 2018، عندما أقاله وزير الداخلية هورست زيهوفر فجأةً من منصبه، بعد موجة غضب عقب تشكيكه بشكل علني في صحة مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع يظهر تعرض مهاجرين للضرب في شوارع مدينة كيمنتس الألمانية، ففي بداية الأمر أراد زيهوفر نقل ماسن إلى منصب آخر في وزارة الداخلية، لكن في نهاية المطاف ونتيجة الضغط العام أُرغم على إقالته.

ومنذ ذلك الحين، أصبح ماسن أحد الأصوات الصاعدة فيما يطُلق عليه (Werteunion) أو “اتحاد القيم” الذي يضم الأعضاء الأكثر محافظة داخل حزب المستشارة أنغيلا ميركل (CDU).

ويعارض ماسن الهجرة، وقال في اجتماع حزبي محلي: “لم أنضم إلى الحزب المسيحي الديمقراطي قبل ثلاثين عاماً حتى يهاجر 1,8 مليون عربي إلى هنا اليوم”.

ويعد ماسن من مؤيدي مقارنة مذهلة أشار إليها في مقابلة، وتفيد بأن سياسات ألمانيا بشأن أزمة التغير المناخي كانت إحدى علامات الغطرسة التاريخية التي تشبه الحربين العالميتين الأولى والثانية، مؤكداً: “لقد حاولنا في السابق إنقاذ العالم مرتين، لكن الأمور سارت على نحو خاطئ كل مرة”، وإزاء ذلك، تعرض العديد من زعماء الحزب لضغوط لفصل ماسن من الحزب.

ومؤخراً، دافع زعيم الحزب أرمين لاشيت عن قرار الحزب بترشيح ماسن لدخول البرلمان، مشدداً على أن مزاعم اتهام ماسن بنشر معاداة السامية عارية عن الصحة، وفي نهاية المطاف، ما يزال ماسن مرشح الحزب عن ولاية تورينغن.

سارة فاغنكنيشت – حزب اليسار “دي لينكه”

سارة فاغنكنيشت ترأست الكتلة البرلمانية لحزب اليسار من 2015 وحتى 2019، وحظيت بشهرة أكثر من الشخصيات القيادية الأخرى في الحزب بسبب ظهورها الإعلامي المتكرر إلى حد كبير، فعلى مدار السنوات الماضية، حجزت فاغنكنيشت مكاناً لها في معظم البرامج الحوارية التلفزيونية في ألمانيا، فيما انخرطت في معارك مع الأعضاء الآخرين في الحزب بسبب نهجها اليساري الخاص بها.

ودائماً ما تثير آراؤها حيال قضية الهجرة ردود فعل غاضبة، فعلى خلاف أعضاء حزاب الآخرين، ترى أن فتح الحدود سيساعد فقط الشركات الكبرى في الاستفادة من العمالة ذات الأجور المنخفضة.

وتمت مقارنة موقفها تجاه الهجرة مع موقف حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي، عندما ألقت باللائمة في الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة برلين على سياسة المستشارة أنغيلا ميركل فتح الحدود أمام اللاجئين عام 2015.

ويرى مراقبون أن كتابها الجديد “The Self-Righteous” ليس سوى محاولة متعمدة لإغراء اليساريين الليبراليين، ففي هذا الكتاب، تشير إلى أن اليسار أصبح يصب جُل تركيزه على سياسات الهوية وأساليب نمط الحياة، أكثر من الدفاع والنضال عن القيم الأساسية لتحقيق المساواة وتمكين الطبقات العاملة، وقالت إن هذه المخاوف تخدم فقط نهج تقسيم المجتمع أكثر من تعزيز التضامن والتماسك.

وتحدثت سارة فاغنكنيشت ضد حركات شعبية تقدمية مثل حركة (Unteilbar) أو “غير قابل للتجزئة” أو حركة ( Black Lives Matter) أو “حياة السود مهمة” وحركة ( Fridays for Future) أو حركة “أيام الجمعة من أجل المستقبل”، وفي عام 2018، أطلقت حركةً يساريةً خاصةً بها مع الأعضاء المنشقين من الحزب الاشتراكي وحزب الخضر، وأُطلق على اسم الحركة (Aufstehen) أو “انهض” إلا أنها لم تجذب الكثير من الجمهور.

ةفي نهاية المطاف، على الرغم من أنها قد أثارت حالة غضب بين الأعضاء البارزين في حزب اليسار، إلا أنه تم اختيارها كمرشحة رئيسية للحزب في الانتخابات البرلمانية المقبلة في أيلول القادم عن ولاية شمال الراين فيستفاليا.

بوريس بالمر – حزب الخضر “دي غرونن”

اكتسب بوريس بالمر سمعةً في ألمانيا باعتباره أحد الشخصيات المثيرة للمشاكل والجدل داخل حزب الخضر منذ توليه منصبه كعمدة لمدينة توبنغن الصغيرة عام 2007، وذلك رغم أن هذا المنصب بسيط وليس بالمنصب الكبير، ورغم أنه قاد العديد من المبادرات الخاصة بحماية البيئة في المدينة، إلا أنه أثار ضجةً كبيرةً خلال أزمة اللاجئين عام 2015، عندما دعا إلى القيام بعمليات ترحيل أكثر وإغلاق حدود بلدان الاتحاد الأوروبي من قبل الجيش، وتوسيع ما يعرف بـ “البلدان التي تُصنف كبلدان آمنة”.

ومؤخراً، أثار بالمر حالةً من الجدل والغضب خلال أزمة جائحة كورونا بدعوته إلى تخفيف القيود والاعتماد على مناعة القطيع، لكن التصريح الأكثر جدلاً كان في نيسان عام 2020، عندما قال في برنامج تلفزيوني: “أقولها بطريقة فظة.. ربما لن نستطيع إنقاذ الأشخاص الذين سيموتون في نصف عام على أي حال في ألمانيا، وذلك بسبب تقدمهم في السن أو إصابتهم بأمراض سابقة”.

وتعرض بالمر لانتقادات كبيرة داخل الحزب ودعوات لطرده من الحزب في عدة مناسبات، لكن قيادة الحزب كانت تعارض، فيما ما تزال تحاول النأي بنفسها عن تصريحاته، لكن في أيار 2021، نشر بالمر تعليقات عنصريةً ومبتذلةً على موقع “فيسبوك”، حاول فيما بعد التخفيف من حدتها، حيث قال إنه حاول فقط كتابة تعليق ساخر على “ثقافة الإلغاء”.

ويشك بعض المراقبين في أن الأمر لم يكن سوى مناورة متعمدة للدفع بطرده من حزب الخضر، إذ نجح الأمر، وفي نهاية المطاف، بدأت الإجراءات لطرد بوريس بالمر من حزب الخضر هذا العام.

بيورن هوكه – حزب البديل من أجل ألمانيا “آ إف دي”

يعد بيورن هوكه من أكثر الشخصيات شهرة داخل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي، وكان هوكه يعمل في السابق مدرساً بغرب ألمانيا، وأصبح الآن رئيس الحزب في ولاية تورينغن بشرق ألمانيا، وكان شخصيةً مركزيةً في التيار الأكثر تطرفاً في الحزب، والذي يعرف باسم “الجناح”، والذي قررت السلطات الألمانية حله.

وقد عبر هوكه عن آرائه العنصرية بشكل علني، خاصةً ما عبر عنه خلال أزمة اللاجئين عام 2015، عندما قال إن الأوروبيين والأفارقة قد طوروا عادات وراثية مختلفة يمكن في نهاية المطاف أن تهدد السكان “الأصليين” في أوروبا إذا سمح باستمرار الهجرة.

وبعد ذلك بعام، قال إن ألمانيا باتت “مشلولة” بسبب محاولتها التصالح مع تاريخها النازي، مضيفاً أن الوقت قد حان لتبدأ ألمانيا في استعادة “رجولتها المفقودة”، بدلاً من إحياء ذكرى ضحايا النازية.

وقد بلغت تصريحاته العنصرية ذروتها في تصريح شنيع صدر عنه مؤخراً خلال كلمة أمام منظمة شبيبة حزب البديل، إذ طالب بإحداث تغيير بـ 180 درجة في “السياسات التذكارية” في ألمانيا.

ويرى العديد من الباحثين وكذلك المنظمات اليهودية في ألمانيا، التصريحات التي تصدر عن هوكه باعتبارها محاولة لإحياء الأفكار النازية.

وفي عام 2017، قالت رئيسة حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي آنذاك، فراوكه بيتري، إن هوكه أصبح عبئا على كاهل الحزب، فيما عبر عدد من الشخصيات البارزة الأخرى داخل الحزب وعلى رأسهم ألكسندر غاولاند، عن تضامنهم مع هوكه، وبعد ذلك أُطيح بفراوكه بيتري من الحزب.

وفي نهاية المطاف، فشلت عدة محاولات من قبل قيادة حزب البديل من أجل ألمانيا للتخلص من هوكه، وفي إحدى المرات وصف غاولاند، هوكه بأنه “في وسط الحزب”.

تيلو زاراتسين – الحزب الاشتراكي الديمقراطي

شغل تيلو زاراتسين في السابق منصب وزير المالية في ولاية برلين، وقبل ذلك كان مسؤولاً في وزارة المالية الألمانية أثناء حقبة الوحدة في ألمانيا، ويعد زاراتسين السياسي الوحيد في قائمة “السياسيين المشاغبين” الذي يتمتع بنفوذ سياسي حقيقي.

وخلال توليه منصب وزير المالية في ولاية برلين، بدأ زاراتسين في إظهار مؤشرات تدل على ابتعاده عن الأعراف والتقاليد المعتدلة لليسار، إذ دعم وضع قيود على المعاشات لموظفي الدولة وأيضاً تجريد المعلمين من وضعهم كموظفين عامين، لكن التصريح الأبزر لهذا السياسي كان في عام 2008، عندما قدم نصيحة للعاطلين عن العمل الذين يحصلون على إعانات بطالة، بأنه يمكنهم الحصول على طعام مقابل أقل من أربعة يوروهات يومياً، وعلى وقع هذا التصريح، تم التحقيق معه بسبب تهكمه من الجالية التركية في برلين.

وبمرور السنين، تناسى كثيرون هذه التصريحات المثيرة للجدل، لكن في عام 2010 نشر كتاباً حقق مبيعات كبيرة، حمل اسم “ألمانيا تلغي نفسها”، وفي وقت نشر الكتاب لم يكن لدى زاراتسين أي منصب رسمي.

ويقول في كتابه إن الازدهار المستقبلي في ألمانيا مهدد بسبب التحول الديموغرافي الناجم عن انخفاض معدل المواليد وتدفق المهاجرين الفقراء وغير المتعلمين من الأتراك والعرب، على حد زعمه.

وأثار هذا الكتاب ضجةً في الإعلام الألماني، حيث حل زاراتسين ضيفاً على الكثير من البرامج الحوارية على القنوات التليفزيونية الألمانية، كما أُجريت مقابلات صحفية عديدة للدفاع عن آرائه التي أثارت حالة غضب كبيرة، وقد أثارت هذه اللقاءات الصحفية والتلفزيونية معه الكثير من الجدل، وصرح في إحدى هذه المقابلات بوجود جين مشترك بين اليهود، وأن متوسط معدل الذكاء في ألمانيا ينخفض بسبب الهجرة.

وتعرض زاراتسين لوابل من الانتقادات من أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لكنه رفض ترك الحزب طواعية، ما جعل الحزب يدخل في معارك داخلية، فيما تعرض هو للتهميش بشكل علني، وفي نهاية المطاف، أطيح به من الحزب في تموز عام 2020 في المحاولة الثالثة، بعد معركة قانونية طويلة الأمد.

بن نايت – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها