نيويورك تايمز : اعتذار ألمانيا عن إبادة جماعية ممنهجة بحق شعب هذه الدولة لا يكفي أبداً !

تناول مقال في نيويورك تايمز مجزرة ممنهجة ارتكبتها ألمانيا قبل أكثر من قرن من الزمان، من 1904 إلى عام 1908، قتلت فيها الحكومة الاستعمارية الألمانية فيما يعرف الآن بناميبيا نحو 80 ألفا من شعب هيريرو وناما.

وفي مايو/أيار، بعد 113 عاما، اعترفت ألمانيا أخيرا بهذه المذبحة على أنها إبادة جماعية، حيث قال وزير الخارجية هيكو ماس “في ضوء المسؤولية التاريخية والأخلاقية لألمانيا، سنطلب من ناميبيا وأحفاد الضحايا العفو”.

ومع طلب العفو هذا جاءت “بادرة” بقيمة 1.35 مليار دولار، تُنفق على مشاريع إعادة الإعمار والتنمية وبرامج الرعاية الصحية والتدريب على مدى 30 عاما.

وذكر كاتبا المقال كافينا هامبيرا، رئيس معهد ناميبيا للديمقراطية، وميريام غليكمان كروت، أستاذة في الاجتماع بجامعة ميشيغان، أن الحكومة الناميبية وافقت، لكن العديد من شعب ناما وهيريرو يشعرون أن طلب العفو ليس قريبا بما فيه الكفاية من الإبادة الجماعية التي ارتكبت.

ووصف نانديواسورا مازينغو، رئيس مؤسسة Ovaherero Genocide Foundation الاتفاقية بأنها “إهانة” مقارنة بمبلغ المساعدة الإنمائية الألمانية لناميبيا على مدار 30 عاما الماضية، كما أن المفاوضات استبعدت إلى حد كبير شعب هيريرو وناما. واعتبر اعتذار ألمانيا قاصرا قصورا شديدا بعد مرور أكثر من قرن على المذبحة.

ويشعر كاتبا المقال إلى أن لديهما إحساسا شخصيا بالدمار الذي أحدثته ألمانيا، حيث إن هامبيرا سليل أحد الناجين من شعب هيريرو، بينما كروت قتل أفراد من عائلتها اليهودية في المحرقة. ومن ثم يعتقدان أنه يجب على ألمانيا أن تتفاوض مباشرة مع أحفاد الناجين وأن تلتزم بتعويضات واسعة النطاق.

ولفت المقال إلى أنه قرب نهاية القرن 19 سعى القادة الألمان إلى ما سيُطلق عليه قريبا ” Lebensraum”، “مساحة معيشية” خارج وطنهم الصناعي والمكتظ بالسكان. وأتاح مؤتمر برلين عام 1884، حيث قسم المستعمرون الأوروبيون القارة الأفريقية، الفرصة، فاستحوذت ألمانيا رسميا على المناطق التي أطلق عليها اسم جنوب غرب أفريقيا الألمانية التي كان يعيش فيها ما يقرب من 80 ألفا من شعب هيريرو و20 ألفا من ناما.

وحشد زعماء ناما وهيريرو، مثل هندريك ويتبوي وصمويل ماهاريرو، مقاومة شعبية للمستعمرين عام 1903، واندلعت ثورة كاملة. فتصدى لها الجنرال لوثار فون تروثا وانتصر بمعركة حاسمة في هاماكاري في أغسطس/آب 1904.

وفي أكتوبر/تشرين الأول أصدر أمر إبادة جماعية بتصريح من برلين حيث استخدمت القوات الألمانية الأسلحة الآلية والبنادق والمدافع والحراب لقتل النساء والأطفال والرجال العزل. وأُجبرت العائلات على الفرار إلى صحراء أوماهيكي الحارقة، حيث حاصرتهم القوات وسممت حفر المياه الخاصة بهم، وقتل الجنود الآباء أمام أطفالهم.

وأضاف الكاتبان أن فون تروثا حبس الناجين من ناما وهيريرو في معتقلات عومل فيها الأسرى بوحشية، وأخضعوا لتجارب طبية وعقم بعضهم وحقن البعض الآخر بالزرنيخ والأفيون أو أصيبوا عمدا بالجدري والتيفوس والسل. كما أنشئ معتقل خاص بالنساء لغرض العنف الجنسي.

ولم يكتف الألمان بالموت بل باعوا جماجم الأشخاص الذين قتلوا إلى مؤسسات بحثية بالخارج. وبحلول عام 1908، قتلت الحكومة الاستعمارية 80% من هريرو و50% من ناما. وكانت هذه أول إبادة جماعية في القرن العشرين.

وانتقد المقال البون الشاسع في تعامل ألمانيا مع ضحايا اليهود بالمحرقة النازية، حيث كانت التعويضات ضخمة، كما أصبحت المحرقة في بؤرة الذاكرة الوطنية الألمانية.

ويرى الكاتبان أن طلب العفو من الشعب الناميبي يمكن أن يأخذ أشكالا عدة، منها أن تلتزم ألمانيا بالتعويض المباشر والعمل على إعادة الأراضي المسروقة من قبائل هيريرو وناما، وإعادة جماجم أولئك الذين قتلوا في معسكرات الاعتقال الألمانية.

ويمكن لبرلين أيضًا دمج الإبادة الجماعية الناميبية في روايتها الوطنية، من خلال التثقيف العام وإحياء الذكرى، وبناء النصب في مواقع معسكرات الاعتقال السابقة.

ولكن من أجل التماس المغفرة حقًا والتصدي للكارثة التي تسببت فيها، يجب على ألمانيا أولاً أن تفعل شيئًا بسيطًا هو أن تنظر في أعين شعب هيريرو وناما وتستمع إلى ما يقولون. (aljazeera)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها