إيجاد سبيل للحد من التدخل الإيراني في سوريا
قد يمثل إزاحة الميليشيات الإيرانية من سوريا فرصة للتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا.
يعد الوجود الإيراني في سوريا بمثابة قوة مدمرة وأحد أهم معوقات التوصل لحل للأزمة السورية. بالنظر إلى تعدد الأطراف الفاعلة والمشاركة في الصراع السوري والمصالح المشتركة التي يمكن أن تتحقق بعد التوصل لحل سلمي للأزمة، ما زال هناك مساحة للتعاون الدولي لمكافحة الأنشطة الإيرانية في سوريا.
مؤخرا فرض الضغط المتزايد على إيران من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا تغييرات استراتيجية على نشاط الميليشيات الإيرانية في سوريا. وفى ظل قدرة هذه الميليشيات على التكيف، وطبيعة الضغط الدولي المتعدد، هناك ضرورة ملحة لوضع استراتيجية أكثر شمولاً وحسمًا تضم مختلف الأطراف وتستهدف إزاحة الوجود الإيراني من البلاد. حتى في الوقت الذي تصطدم فيه كلا من الولايات المتحدة وروسيا في مقاربتهما حول الأزمة السورية – بما في ذلك المفاوضات الجارية حول حق النقض الروسي المحتمل حول الإبقاء على آخر معبر حدودي للبضائع الإنسانية خارج نطاق سيطرة نظام الأسد . وقد يمثل إزاحة الوجود الإيراني في سوريا هدفا مشتركا يمكن لروسيا والولايات المتحدة التنسيق بشأنه ، وربما يكون التعاون الوثيق ضروريا لتحقيق النتيجة المرجوة.
ضغط متصاعد
مثل الوجود الإيراني المتزايد في سوريا، والذي يعتبر جزء من سياستها الإقليمية التوسعية، مصدر قلق مستمر لمختلف الأطراف. وفي حين أن كل من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل لهم مصلحة في إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، فإن جهودهم قد نجحت فقط في دفع الميليشيات الإيرانية إلى تغيير استراتيجياتها، ولم يكن الضغط الحالي كافياً لتقليل حجم الميليشيات الإيرانية أو القضاء عليها بشكل كبير في سوريا.
بالنسبة للولايات المتحدة ، كان الحد من التوسع الإقليمي الإيراني هدفًا معلنًا لإدارة ترامب حيث تجلى ذلك في النهج الذي اتبعته إدارة الرئيس السابق ترامب تجاه إيران وما تلاه من اغتيال قاسم السليماني وتشديد العقوبات على الاقتصاد الإيراني . وفى حين لم تكن السياسة الجديدة للإدارة الامريكية الجديدة تجاه سوريا واضحة تماما بعد ، فإن الضربات الجوية الى قامت بها بايدن في شباط/ فبراير ضد الميليشيات المدعومة من قبل إيران أظهرت استعداده لاستهداف الوجود الإيراني في سوريا وذلك رغم الجهود المستمرة لاستئناف المفاوضات مع إيران بشأن الملف النووي.
في هذا الإطار، عملت الولايات المتحدة على دعم الجهود الإسرائيلية لتخفيف الوجود الإيراني في سوريا، فخلال الأيام الأخيرة لإدارة ترامب، عملت الولايات المتحدة بالتنسيق مع إسرائيل على تكثيف الضربات الجوية- سواء تلك المعلنة رسميا أو غير المعلنة- ضد الميليشيات المدعومة من إيران في البلاد. كما صرحت إسرائيل مرارا وتكرارا أن القضاء على الوجود الإيراني في سوريا يمثل أولوية قصوى لها حيث لعبت الضربات الجوية الإسرائيلية دورا رئيسيا في دحر النفوذ الإيراني في جنوب سوريا.
ومع ذلك، أدت الضربات الجوية إلى حدوث تحول في الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، وذلك عوضا عن إزالة القوات تمامًا، حيث قامت المليشيات المدعومة من إيران بنقل عملياتها الى محافظة دير الزور – التي تقع عمليا تحت سيطرة الأسد والإدارة الذاتية. علاوة على ذلك ، هناك نشاطات لنقل الأسلحة تحدث على الحدود الشرقية في سوريا . فوفقا للتقارير الصحفية، قامت إسرائيل بتنفيذ ضرباتها الجوية ضد عدة أهداف إيرانية في محافظة دير الزور في منتصف شهر يناير/كانون الثاني وهو أعنف قصف يطال الأراضي السورية من قبل الجيش الإسرائيلي. كما أكدت وكالة “أسوشيتد برس” ” أن ذلك القصف الجوي تم تنفيذه بتنسيق أميركي-إسرائيلي وبناء على معلومات استخبارية قدمتها الولايات المتحدة، وذلك في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأسبق دونالد ترامب. ويذكر أن الهجمات الصاروخية التي شنت بالقرب من المفاعل النووي الإسرائيلي في نيسان /أبريل الماضي أثارت إسرائيل التي ردت بهجوم صاروخي كبير ، كما تم إطلاق صواريخ من سوريا خلال الصراع الأخير بين إسرائيل وحماس.
ومع ذلك ، توفر قاعدة العمليات الحالية التي تسيطر عليها الميليشيات العديد من المزايا الإضافية التي ستودى الى تعقيد وصعوبة إزالتها، فالوضع الأمني في دير الزور ، والذي يعاني حاليًا من أنشطة عناصر تنظيم ” داعش” ، ما زال غير مستقر. كما أن قرب تلك المنطقة من الحدود العراقية-السورية ساعد في تزويد تلك المليشيات بالعناصر العراقية ذات التبعية الإيرانية، فضلا عن ضبابية المشهد في تلك المنطقة بحكم وجود كل الأطراف المتنازعة على الملف السوري هناك واحتمالية ارتفاع درجة الصراع فيما بينهم محتملة في أي وقت، وهو الأمر الذي يساعد الإيرانيين على المناورة والهرب إلى الأمام حول مسألة مطالبتهم بإخلاء مواقعهم. كل ذلك قد يعطى لطهران فرصة للتفاوض على مستقبل وجودها هناك مقابل تعويضها ماليا عوضا عن الأموال التي قدمتها لدمشق طيلة السنوات الماضية، فضلا عن محاولة حيازتها بعض من الامتيازات الاقتصادية والسياسية من قبل كل من روسيا والولايات المتحدة على حد سواء.
تدرك روسيا، الفاعل الخارجي الأكثر نفوذا في الصراع السوري، أن الوجود الإيراني في سوريا يشكل عائقاً محتملاً أمام مساعدة الأسد في بسط سيطرته على أكبر جزء من سوريا .وفى حين بذلت كل من روسيا وإيران جهودا كبيرة لتعزيز نظام الأسد في عام 2015 ، وتعاونت روسيا نظريًا مع إيران من خلال مؤتمرات عدة مثل مؤتمر أستانا ، فإن تعامل إيران المتزايد مع شرق سوريا كدولة بالوكالة أصبح يمثل مصدر إزعاج لروسيا .
ومن ثم، ومن أجل التوصل لحل دائم للصراع السوري، ربما تحتاج روسيا إلى استمالة العديد من الأطراف الفاعلة في الملف السوري، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل. وبينما تتفاوض روسيا والولايات المتحدة على عدد من القضايا في فيينا ، قد تنظر روسيا إلى الوجود الإيراني على أنه مصدر إزعاج لجميع الأطراف، ويمكن أن يثمر استئصاله عن وضع مرضٍ للجميع. وبالفعل، عملت روسيا على ممارسة المزيد من الضغوط على إيران، حيث دفعت إيران الى توسيع المنطقة العازلة على الحدود الإسرائيلية السورية
مسارات المواجهة المحتملة
ومع ذلك، وبغض النظر عن نتائج محادثات فيينا ، لا شك فيه أن مسألة الوجود الإيراني في سوريا باتت تمثل معضلة يتوجب حلها من أجل إرساء الاستقرار في سوريا. علاوة على ذلك ، يبدو أن الفرصة ما زالت سانحة أمام التعاون الدولي لإنهاء الوجود الإيراني من بلد لايزال الصراع فيه مستعصياً على الحل . ومع ذلك، باتت الضربات الجوية الإسرائيلية المتقطعة على أهداف إيرانية في شرق سوريا والعقوبات الاقتصادية المكثفة غير كافية للتوصل لحل. ومن ثم، ما لم يكن هناك جهود عسكرية أو دبلوماسية حاسمة، فان ذلك من شأنه أن يطيل من عمر الأزمة والصراع في سوريا . لذلك ينبغي على الأطراف المشاركة في الشأن السوري والرافضة للوجود الإيراني أن تقرر ما إذا كانت ستتبع المسار الدبلوماسي أم العسكري لإزاحة النفوذ الإيراني من سوريا ومن عملية السلام المعقدة .
وبناء على ذلك، يعتبر الخيار الدبلوماسي هو السبيل الأفضل حيث انه اقل كلفة من الخيار العسكري وسيتضمن قيام واشنطن بإحداث تقارب مرحلي مع روسيا يهدف الى تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا. يستلزم مجابهة النفوذ الإيراني في سوريا أيضا إعادة هيكلة قطاعي الأمن والجيش، مع مراعاة تحرير الاقتصاد السوري من السيطرة الإيرانية، ولابد أن يتم ذلك عن طريق “صفقة” تتم خلال مرحلة التفاوض. كما تنخرط الولايات المتحدة مع إيران في التفاوض بشأن العودة إلى إطار العمل النووي ، مما قد يؤدي إلى رفع عدد من العقوبات المفروضة على الأخيرة. لكن حتى الآن لا يبدو أن هذه الصفقة تعالج مسألة التوسع الإقليمي – فهذه القضية سوف تحتاج إلى معالجة في المستقبل القريب ، حتى لو لم تعالج المفاوضات الحالية هذه القضية.
لكن حتى الآن لا يبدو أن هذه الصفقة تعالج مسألة التوسع الإقليمي لإيران وهي قضية ستحتاج إلى معالجة في المستقبل القريب، حتى لو لم يتم معالجتها خلال المفاوضات الجارية .
أما الخيار الثاني يأتي فيما لو لم تؤثر الضغوط السياسية و الاقتصادية التي ستستمر لاحقا في فترة قريبة، عبر اللجوء إلى خيار المواجهة العسكرية من خلال الأذرع المحلية بدعم عربي و دولي ضمن إطار تحالف دولي تم الحديث عنه قبل جائحة “كورونا” ولا بد من تفعيله إذا كانت هذه القوات تأمل في تفكيك القوات المدعومة من قبل إيران في البلاد ، فبدون هذا التحالف والضغوط الفردية المباشرة لا يمكن أن تضمن تغييرا بالشكل والوقت اللازمين، فالعمل العسكري لا يؤدي إلى اجتثاث نفوذ إيران في مؤسسات الدولة السورية وكذلك مجتمعها، اقتصاديا ثقافيا واجتماعيا وكذلك أمنيا و من ثم يجب أن يكون العمل العسكري الملاذ الأخير .
يعكس الواقع الحالي المتمثل في تحول تركيز إيران إلى شرق سوريا ونقل قواتها إلى دير الزور، أنها تواجه ضغوطًا كبيرة ومتعددة الأطراف من قبل المولات المتحدة وإسرائيل ، على عملياتها هناك. كما يشير ذلك الى أن القوات المدعومة من قبل إيران ليس لديها نية تذكر للخروج بهدوء من سوريا. وحتى يتم التوصل الى حل لازمة السورية، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على إشراك الأطراف المعنية الأخرى لا سيما روسيا وإسرائيل ومحاولة التوصل لصيغة دبلوماسية مرضية للجميع، على أن يكون المسار العسكري هو الملاذ الأخير. نأمل، أن يؤدي التنسيق الناجح بين الأطراف المعنية في سوريا والقضاء على الميليشيات الإيرانية ونفوذها الى التوصل الى حل قابل للتطبيق للازمة السورية يساهم في دعم الاستقرار وإرساء السلام الدائم.
مالك الحافظ – معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى[ads3]
مقالة معادية لسورية . وهي دجل انكليزي