رئيس الاستخبارات الألمانية : ” تنظيم الدولة ” يزداد قوة و تحول إلى ” شبكة لا مركزية “

أجرى رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND) مقابلةً صحافيةً نادرةً، من أجل التحذير من الإرهاب، الذي ما يزال يشكل تهديداً حقيقياً للنظام العالمي، حتى بعد مضي عشرين عاماً على هجمات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة.

ففي مقابلة مع صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية (12 تموز)، قال برونو كال إنه على الرغم من عدم وقوع هجمات إرهابية كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة، مثل الهجمات الدامية التي هزت البلدان الغربية قبل عقدين، إلا أن “إرهاب الإسلاميين قد تطور وكلف حياة الكثير من البشر، كما ازداد عدد الإرهابيين والخطر الذي يشكلونه”.

يشار إلى أنه تحقيق الكثير من النجاحات الكبيرة في مكافحة تنظيم الدولة “داعش” في السنوات القليلة الماضية، خاصةً مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي عام 2019، وسقوط “خلافة” داعش المزعومة في سوريا والعراق.

ووفقاً لرئيس الاستخبارات الخارجية الألمانية، فإن تنظيم “داعش” منذ ذلك الوقت تحول إلى “شبكة لا مركزية” مثل تنظيم القاعدة، حيث “تنتشر تنظيماته الفرعية”.

من جانبها، ترى ميرنا المصري، الباحثة المختصة في شؤون الإرهاب والتطرف في المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية (GIGA) ومقره في هامبورغ، إن هذا الأمر ليس بجديد.

وفي مقابلة مع شبكة “DW” الإعلامية، قالت: “كانت هناك مؤشرات في عام 2019 على أن تنظيم داعش عمد إلى تقوية صفوفه بشكل كبير عقب خسارته مناطق نفوذه، لكن من ناحية أخرى، أدت الظروف الجديدة خلال العام الماضي إلى تفاقم الوضع وهذا ما يفسر سبب تحدث برونو كال عن هذا الأمر الآن”، فعلى سبيل المثال، تفشي جائحة كورونا في الشرق الأوسط أدى إلى إضعاف الحكومة العراقية، فضلًا عن أن الوباء أدى إلى تزايد الشعور بالإحباط بين الكثيرين، إذ تحولت مخيمات اللاجئين في شمال سوريا إلى مراكز تجنيد جيدة لتنظيم داعش لاستقطاب عناصر جديدة، وفي ذلك، تقول المصري: “كلما طال أمد جائحة كورونا، كلما ساعد هذا تنظيم داعش”.

وتضيف المصري أن تنظيم “داعش” تعلم كيفية تغيير استراتيجياته، فعلى سبيل المثال، انقسمت قيادته إلى مجموعات عملياتية محددة في المنطقة تتولى مسؤوليات اتخاذ القرارات.

وأشارت تقارير مؤخراً إلى أن مسلحي “داعش” قد انسحبوا بشكل كامل من المناطق الحضرية في سوريا، لكنهم كانوا قادرين على التحرك بحرية تامة في المناطق المفتوحة عن طريق تجنب القوات الحكومية، خاصةً قرب مدينة هجين القريبة من مدينة دير الزور السورية.

وطور تنظيم “داعش” أساليب جديدة لجني الأموال، إذ تبنى تكتيكات الجريمة المنظمة، مثل فرض ضرائب غير قانونية على طرق نقل النفط والطرق التجارية واستخدام الفنادق والعقارات وحتى فرض إتاوات على تجار السيارات الذين يقومون بتبييض الأموال بين العراق وسوريا وتركيا والإمارات.

وفي هذا السياق، قال إريك شتولنفيرك، الباحث المختص في شؤون الإرهاب ومنطقة الساحل في معهد (GIGA)، إن هذه التكتيكات “جعلت من الصعب جداً على أجهزة الاستخبارات الألمانية وباقي دول العالم مراقبته”.

ويتفق شتولنفيرك مع الرأي بأن تنظيم “داعش” ما يزال قوياً جداً في سوريا والعراق، ويضيف: “علاوة على ذلك، فإنه يمتلك روابط قوية مع مناطق أخرى في العالم مثل منطقة الصحراء الكبرى في أفريقيا وخاصة منطقة الساحل”.

وفي المقابلة الصحافية، قال رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية، برونو كال، إن هناك طريقة وحيدة يمكن من خلالها وقف تنامي قوة وتطوير التنظيمات الإرهابية مثل “داعش”، وأضاف: “فرض سلطة الدولة وإرساء مؤسسات وهياكل الدولة وضمان الأمن”، مشيراً إلى أنه من خلال هذه الطريقة يمكن للدول الأوروبية والغربية مساعدة دول مثل بوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا، وقال: “يتعين علينا دعم الدول في استعادة سيطرتها أو على الأقل الحفاظ على سيطرتها عندما يمكن القيام بالأمر على أقل تقدير”.

وتتفق ميرنا المصري مع هذا الرأي والتقييم الذي ذهب إليه برونو كال، وتقول إن “الدافع الأساسي للتنظيمات الإرهابية هو ضعف الدولة”، وذلك لأن “تنظيم داعش يمكن أن يتصرف وكأنه بديل للدولة عن طريق تقديم الأموال وتوفير الأمن وإمكانية التنقل لعناصره.. بعبارة أخرى، داعش يمكن أن يقوم بدور الدولة”، لهذا يتعين على الاتحاد الأوروبي المساعدة في تعزيز سلطات الدول، بحسب المصري.

أما الباحث إريك شتولنفيرك، فيؤكد أن هناك أشياء يمكن القيام بها أكثر من الطرح الأمني، ويقول إن “تقوية الدولة لن يهزم تنظيم القاعدة أو داعش، فهناك مناطق تسود فيها أنظمة استبدادية بشكل نسبي، وإذا كان التركيز سينصب على تقوية سلطات الدولة التي تقمع شعوبها، فإن هذا سيكون له مردوداً عكسياً، بمعنى أن هذا سيصب في صالح هذه التنظيمات”.

ويرى شتولنفيرك أن الأهمية تكمن في إرساء هياكل الدولة ومؤسساتها داخل مجتمع ديمقراطي ومدني، ويضيف: “هذا ينطبق على المؤسسات والمنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية وأيضاً يدخل في هذا السياق دعم المنظمات الدينية على الأرض”، ويعتقد أن “الشيء الذي أهمله برونو كال في المقابلة هو أن غالبية المسلمين في هذه المناطق يرون أن تنظيمات مثل داعش تمثل مشكلة كبيرة.. هناك إمكانية كبيرة للتعبئة ضد التنظيمات الإرهابية بين السكان المدنيين”.

بيد أن هذا لا يعني محاولة فرض الديمقراطية، فقد كشفت الحرب في العراق وأفغانستان عن كارثية مثل تلك الممارسات، وهو درس لم يغب عن بال برونو كال، وقال: “يتعين علينا ألا نعد بآمال من المستحيل تحقيقها، مثل تصدير الديمقراطية وسيادة القانون وغيرها من الأشياء المثالية.. الشيء الرئيسي هو تنظيم الأمن”.

ووصفت ميرنا المصري هذا الطرح بأنه شديد الواقعية، مضيفةً أنها تعتقد بأننا “بعيدين كل البعد عن النموذج الديمقراطي الأوروبي في منطقة الساحل”، وتضيف بأن “الأمر يبدأ بتعزيز الأمن ثم يعقب ذلك أشياء أخرى”.

أما هورجان أصلي أكسوي، نائبة رئيس قسم دراسات تركيا التطبيقية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP)، فتعتقد أن الانخراط الأوروبي “بثقل سياسي واستراتيجيات واضحة وعرض واضح للأطراف المتصارعة بتقديم المساعدة” سيكون أمراً حيوياً وحاسماً في احتواء الضرر الناجم عن هذه الصراعات، بيد أنها غير مقنعة بأن الحل يمكن تحقيقه ببساطة من خلال التركيز على الجانب الأمني، وتقول: “يتعين إنهاء النزاعات ومعالجتها من خلال استراتيجيات متوسطة وطويلة المدى وفقاً لنظام متعدد الأطراف قائم على الحقوق”، وتضيف بأن هذا الأمر يتطلب أكثر من مجرد نشر قوات على الأرض، وهو ما تؤكد عليه ميرنا المصري أيضاً بأن هذا يعني إرسال المزيد من وحدات للتدريب ودعم القوات الأمنية المحلية وتقديم الدعم الإنساني في مخيمات اللاجئين في سوريا والعراق.

أما شتولنفيرك فيرى أن تصدير الديمقراطية قد يكون وهما، مضيفاً: “لكن من الوهم أيضًا الاعتقاد بأنه عن طريق دعم الدولة يمكن ضمان الأمن بشكل تلقائي”.

ولم تحذر وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية وحدها من خطر تنامي قوة “داعش”، وإنما أيضاً المخابرات الداخلية (المكتب الاتحادي لحماية الدستور) قد حذرت من الأمر ذاته، فقد ذكرت في تقرير نشر الشهر الماضي، أن التهديد الإرهابي أصبح مرتفعًا في الوقت الحالي كما كان الحال قبل سنوات قليلة ماضية.

وأشارت في التقرير إلى وقوع هجمات محدودة من متشددين إسلاميين في ألمانيا العام الماضي، وكان أبرزها عملية الطعن في دريسدن في تشرين الأول، عندما أقدم شخص يعتقد أنه متشدد إسلامي على طعن شخصين مثليي الجنس بسكين ما أسفر عن مقتل أحدهما.

ومع ذلك، يحذر المكتب الاتحادي لحماية الدستور من أن “الهجمات المتعددة والمعقدة التي تقف وراءها تنظيمات إرهابية في الخارج لم تحدث بعد في ألمانيا، لكن ربما قد تحدث في أي وقت”.

ورغم أن شتولنفيرك يؤكد على أنه يتعين عدم التقليل من شأن داعش، إلا أنه يرى أن خطر “العائدين” من داعش في تنفيذ هجمات إرهابية متكررة وكبيرة في ألمانيا ما يزال منخفضاً بشكل نسبي، ويقول: “من غير الواقعي أن نقول إن داعش عندما يتكبد خسائر كبيرة في الشرق الأوسط، فإن موجة من الإرهاب ستجتاح ألمانيا، لكن الخطر الذي يشكله من يعرفون بالذئاب المنفردة، يصعب على أجهزة الاستخبارات بشكل كبير مراقبته أو منعه”.

ويتضمن تقرير المكتب الاتحادي لحماية الدستور عادة إحصائيات عن عدد المتطرفين الذين يُعتقد بوجودهم في ألمانيا، إلا أن التقرير الأخير قال بشكل واضح: “لم يكن بالمقدور التحديد بشكل دقيق عدد أعضاء وأنصار داعش أو القاعدة الذين يعيشون حالياً في ألمانيا”.

بن نايت – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها