ألمانيا : لماذا يشعر الطلاب الأجانب بإحباط كبير في ظل كورونا؟

أصبحت المسافة التي يقطعها الطالب جنار ألبدوندار إلى قاعة المحاضرات في جامعة بون التي يدرس فيها، لا تتعدى الخطوتين، وهي المسافة بين سريره والطاولة التي وضع عليها جهاز الكمبيوتر. فمنذ أن أغلقت الجامعة أبوابها قبل ثمانية عشر شهرا مع بدء جائحة كورونا، وبات التعليم عن بعد افتراضيا الوسيلة الوحيدة أمامه كما باقي الطلاب لاستكمال دراستهم.

وكغيره من الطلاب، اضطر ألبدوندار (20 عاما) الذي جاء من تركيا للدراسة في ألمانيا، إلى إنهاء الفصول الدراسية الثلاثة الأخيرة بين جدران غرفته التي لا تزيد مساحتها عن 13 مترا مربعا في شقة بسيطة يتقاسمها مع شخصين آخرين.

ولا يلوح في الأفق أي بادرة أمل تشير إلى موعد عودته إلى الجامعة، إذ لم يُتخذ أي قرار بعد حيال فتح الجامعات في ألمانيا، رغم أن السلطات سمحت للمكاتب والمطاعم والأندية بفتح أبوابها أمام الناس. وبنبرة حزينة، يقول في مقابلة مع DW “أفتقد حاليا لأي دافع أو حافز. أنا أحب الرياضيات. منذ عامي السادس عشر وأنا متمكن جدا من الرياضيات، لكن في الوقت الحالي وفي بعض الأحيان أرغب في التوقف عن دراسة الرياضيات”.

وهو ليس الطالب الوحيد الذي ينتابه هذا الشعور بالإحباط، إذ أن هناك كثيرون مثله قاموا بالتسجيل في الجامعة لإكمال تحصيلهم العلمي في ألمانيا ويبلغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين طالب وطالبة. ويخشى كثيرون من هؤلاء الطلاب من السيناريو الأسوأ المتمثل في حدوث فجوات في دراستهم فضلا عن قلقهم من أن شكاواهم لن تلقى آذانا صاغية لدى المسؤولين.

تشير استطلاعات أولية إلى نتائج قاسية لتجربة التعليم الافتراضي على طلاب الجامعات على مدار الثمانية عشر شهرا الماضية. وبحسب دراسة أجرتها جامعة ترير الألمانية العام الجاري، فإن 60 بالمائة من الطلاب يشعرون بالقلق إزاء أدائهم الأكاديمي فيما يعاني 70 بالمائة من صعوبة في التركيز.

وبالنسبة لألبدوندار الذي يعيش في مدينة بون ويدرس في جامعتها منذ عامين، فإن رؤية قاعات المحاضرات في جامعته خالية من الطلاب يشعره بالحزن، وهو ما أثر سلبا على أدائه الدراسي. وعن ذلك، يقول إنه كان متفوقا في دراسته قبل الجائحة ويحصل على أعلى الدرجات. لكنه الآن اكتفى بهز رأسه عندما سُئل عن أدائه الدراسي عقب الجائحة. ويضيف “خلال المحاضرات الافتراضية، أطرح القليل من الأسئلة وذلك فقط عندما لا أستوعب شيئا. أعاني من الحاجز الذهني فيما يتعلق بتشغيل الميكروفون والتحدث خلال المحاضرات.”

الإحباط الذي يعانيه ألبدوندار، تعانيه الطالبة راكيل كابيلا التي قدمت إلى ألمانيا في أكتوبر / تشرين الأول الماضي من البرازيل للحصول على درجة الماجستير في علوم البيئة بمدينة لانداو غرب ألمانيا. تقول كابيلا إنها منذ الجائحة لم تقم بزيارة جامعتها سوى في مناسبات قليلة لم تتجاوز الثلاث مرات وبات من النادر أن تتحدث بطريقة مباشرة مع أساتذتها. وتضيف في مقابلة مع DW “عندما سألني أصدقائي عن كيفية سير الأبحاث في جامعتي، كانت إجابتي: لا أعرف”.

ولدى شتيفان غروندمان، أستاذ القانون بجامعة هومبولت في برلين، الإجابة على أسباب مشاعر الإحباط التي تنتاب ألبدوندار وكابيلا. ويقول في حوار مع DW”إن 50 بالمائة من الطلاب الذين يكون أداؤهم الدراسي جيدا لكنهم لا يحصلون على درجات عالية مقارنة بنسبة 5 في المائة من الطلاب الذين يحصلون على أعلى الدرجات، هم الطلاب الذين يستفيدون أكثر من حضور المحاضرات والاتصال المباشر والشخصي المفعم بالحياة في قاعة المحاضرات” ويضيف غروندمان بأن كثيرين من الطلاب في حاجة للحضور إلى المحاضرات شخصيا من أجل تطوير استيعابهم للمواد الدراسية.

الحانات مزدحمة وقاعات المحاضرات خالية!

بيد أن الفصل الدراسي الماضي كان بمثابة نقطة تحول للكثير من الطلاب بسبب شعورهم بالإحباط بشكل متزايد جراء حالة التناقض والتباين في القرارات القاضية باستمرار فرض قيود كورونا الصارمة على الجامعات فيما تم تخفيف هذه القيود على الأماكن العامة الأخرى مثل الأندية والحانات.

وأفصح ياكوب هوفر، الذي يدرس في الجامعة التقنية في ميونيخ، عن هذا التناقض في رسالة مفتوحة إلى إدارة جامعته. والتي وقال فيها ” يُفرض على الطلاب في الحرم الجامعي الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي، لكن في الوقت نفسه يمكن لأكثر من عشرة أشخاص قضاء وقت مرح حول طاولة داخل حانة”.

وفي هذا السياق يرى ألبدوندار أنه قد تم تجاهل قضية طلاب الجامعات في خطط تخفيف قيود كورونا في ألمانيا. ويقول “لا يتحدث أحد عن قضيتنا. يدور النقاش حيال إعادة فتح المدارس وتقديم الدعم للأسر وكبار السن. أشعر وكأن السياسيين قد نسوا الطلاب من أمثالي”.

بيد أن بيتر أندريه ألت، رئيس مؤتمر عمداء الجامعات الألمانية، يرى أن هناك مبررا لما يفسره الطلاب من “تجاهل” لقضيتهم. ويقول لـ DW إن التباطؤ في إعادة فتح الجامعات ربما لا يتم الحديث عنه علنا وبشكل بارز خلال النقاشات السياسية لأن الجامعات كان بمقدورها التحول إلى التعليم عن بعد بشكل أسهل مقارنة بالمدارس الابتدائية ويضيف بأنه يتفهم “شكاوى طلاب الجامعات بأنه تم تجاهل معاناتهم الشخصية “لذا أعتقد إذا أبدى السياسة المزيد من التعاطف في السابق، ربما ساعد هذا في تبديد بعض مشاعر الإحباط لدى الطلاب”.

أعباء مضاعفة على كاهل الطلاب الأجانب

بيد أن معاناة الطلاب الأجانب في ألمانيا الذين يتجاوز عددهم الـ 320 ألفا، مضاعفة في ظل استمرار التعليم الافتراضي الذي لم يؤد فقط إلى تعرضهم لعزلة أكاديمية فحسب وإنما إلى عزلة ثقافية أيضا.

وتقول الطالبة راكيل كابيلا بعد وصولها مدينة لانداو غرب ألمانيا في الخريف، وجدت السكن الجامعي خاليا تماما من الطلاب، وتضيف بأن “معظم الطلاب الألمان يتابعون الدراسة من منازلهم بسبب التعليم عن بعد”.

أما ألبدوندار الذي يأمل في البقاء في ألمانيا لفترة طويلة، يشعر حاليا بالقلق إزاء تأثير التعليم عن بعد على هذا الأمل وقد يتسبب في تراجعه. ويقول “أشعر بالوحدة الشديدة إذ لا امتلك فرصة للتعرف على أشخاص جدد لتحسين اللغة الألمانية. كنت فخورا في الماضي بما حققته من تقدم في التحدث بالألمانية، لكن الآن فإن مهاراتي تدهورت بشكل كبير.”

وفي سياق متصل، قرر عدد من الطلاب عدم الدراسة في ألمانيا خلال وباء كورونا، ما أثر على عدد الطلاب الأجانب في ألمانيا الذي انخفض بنسبة تقترب من 30 بالمائة العام الماضي، وفقًا لمكتب الإحصاء الفيدرالي.

وفي محاولة لتعزيز اندماج الطلاب الأجانب في ظل جائحة كورونا، أقدمت بعض الجامعات الألمانية مثل جامعة بون، على تقديم الدعم للطلاب الأجانب من خلال محادثات تجرى افتراضيا وتوفير محاضرات لتعليم اللغة الألمانية عن طريق الإنترنت.

بيد أن هذا الطرح لا ينال استحسان الكثير من الطلاب الأجانب مثل ألبدوندار، إذ لا يريد هؤلاء الطلاب المزيد من الفعاليات الافتراضية ويؤكدون على أنهم يريدون فقط التحدث والجلوس مع زملائهم في الجامعات. ويأمل ألبدوندار في أن يتمكن من تبادل الأحاديث مع زملائه داخل قسم الرياضات المبنى على طراز فن الباروك الشهير.

آمل بالعودة إلى رحاب الجامعات

من جانبه، يؤكد بيتر أندريه ألت، رئيس مؤتمر عمداء الجامعات الألمانية، علىالحاجة إلى إعادة فتح الجامعات حيث “تم إغلاقها لفترة كافية”. وأعرب عن تفاؤله في أن يتمكن الطلاب من العودة إلى جامعاتهم خلال الفصل الدراسي المقبل بحلول أكتوبر / تشرين الأول.

يشار إلى أن معظم الجامعات تعد خططا لإعادة فتح أبوابها أمام الطلاب، إلا أنه لم يعلن حتى الآن عن الموعد. فيما تشير هذه الخطط إلى أنه سُيسمح باستئناف الفصول الدراسية وسُيسمح بتنظيم فعاليات صغيرة بحلول أكتوبر / تشرين الأول في حالة تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي والتأكد من تطعيم الطلاب أو خضوعهم لاختبار فيروس كورونا. بيد أنه من المحتمل استمرار إغلاق قاعات المحاضرات في المستقبل المنظور.

خطة مزدوجة

وقد طُرحت مؤخرا خطة للمزج بين حضور الطلاب الذين حصلوا على لقاح كورونا إلى قاعات المحاضرات فيما يشاركهم زملاؤهم الآخرون افتراضيا. لكن هذا الطرح يبدو من الصعب تطبيقه على أرض الواقع إذ أن العديد من الجامعات لا تمتلك إمكانيات البث المباشر من قاعات المحاضرات كبيرة الحجم، وفقا لما ذكره آلت.

ورغم تفاؤله عن قرب إعادة فتح الجامعات، إلا أن شتيفان غروندمان، أستاذ القانون بجامعة هومبولت في برلين، يرى أن ارتفاع معدل الإصابة بفيروس كورونا مجددا يلقى بظلال من الشك على خطط عودة الطلاب إلى الفصول الدراسية. ويقول إن “هذا الأمر سيعني أن بعض الطلاب سيواصلون التعليم عن بعد للعام الدراسي الثالث على التوالي، بمعنى آخر سيتم وضع حجر الأساس لتعليمهم افتراضيا مرة أخرى”. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها