دويتشه فيله : هكذا يتم التخلص من جبال النفايات التي خلفتها الفيضانات في ألمانيا
بعد الفيضانات التي ضربت مدن أوروبية وألمانية عدة منتصف تموز الجاري، عانت المدن الألمانية المتضررة من تراكم النفايات سواء أكانت نفايات منزلية أو أثاث خشبي أو أجهزة كهربائية، كما هو الحال في شوارع مدينة آرفايلر بولاية راينلاند بفالتس، التي تعد أحد أكثر الولايات الألمانية تضررًا من الفيضانات.
وقام السكان المحليون أيضاً بتنظيف منازلهم التي غمرتها مياه الفيضانات، ففي شوارع مدينة آرفايلر، كان يمكن للمرء رؤية ما تسوقه السكان من طعام ومواد غذائية عشية كارثة الفيضانات وكانت الشوارع تمتلئ أيضاً بالأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية مثل الثلاجات والغسالات وحتى أثاث المنازل والكتب والصور، لكن وحل الفيضانات كان قد غطى كل هذا.
بيد أنه وبعد أسبوعين، أصبحت الشوارع تقريباً خالية من هذه النفايات، فيما بدأت تتضح معالم المنازل وعادت المباني إلى سابق عهدها، أما السلطات، فقد سعت إلى رفع جبال من النفايات من الشوارع بشكل سريع بسبب الهاجس الصحي والبيئي وأيضاً، لأن هذه النفايات تعيق حركة المرور الحيوية، فيما كانت عمليات إزالة النفايات بالنسبة للسكان جزاءً من التعامل مع تداعيات كارثة الفيضانات.
وفي ذلك، قالت كرول، إحدى سكان المدينة اكتفت بذكر اسمها الأول: “شعرنا بالارتياح بعد إزالة هذا الكم الكبير من النفايات”، وقالت كرول إنها قبل أسبوع كانت هناك ثلاجة ملقاة أمام منزل والديها حتى أن الحروف والرموز كانت ما تزال ملصقة على الثلاجة، وبسبب نجاتها وأسرتها من الكارثة، كتبت عبارة “نشكر الرب ما نزال أحياء” على الباب، لكن ما تزال الحسرة والحزن يخيما عليها، إذ تؤكد كرول: “لم نعد نمشي ونسير في الشوارع كل يوم حتى لا نرى حجم خسائرنا وما فقدناه.. هناك شعور بالرغبة في التوقف أو الإغلاق.. توقفنا عن البحث والتفكير بشكل مستمر، لكن ربما توجد أشياء يمكننا انقاذها”.
ورغم أنه تم تنظيف الشوارع وإزالة النفايات منها، إلا أن الكثير من النفايات الضخمة لم تصل بعد إلى منشأت إعادة التدوير إذ تم نقلها إلى أماكن بعيدة عند أطراف المدينة كحل مؤقت، ويمثل إيجاد مساحات كبيرة لهذا الكم الكبير من النفايات غير المسبوقة أحد أكبر التحديات أمام السلطات المحلية والسكان.
ودقت جمعيات مدافعة عن البيئة ناقوس الخطر إزاء هذه المشكلة إذ حذرت جمعية “العمل البيئي الألمانية” (DUH) من ضرورة وضع هذا الكم الكبير من الأدوات المنزلية التالفة على أسطح صلبة مثل الأسطح الخرسانية لمنع تسرب الملوثات إلى المياه الجوفية، وأكدت الجمعية على أن هذا الحل سيحد من الأثر البيئي لمشكلة النفايات الضخمة.
وفي هذا السياق، قالت ماريكا هوفمان، رئيسة مشروع إعادة التدوير في الجمعية، إن تراكم كميات كبيرة من النفايات في المناطق المتضررة جراء الفيضانات لن يتسبب فقط في مشاكل بيئية تنحصر في طرق التخلص من النفايات بشكل مباشر وإنما أيضاً يتطرق الأمر إلى مشاكل التلوث الناجمة عن شراء منتجات جديدة.
وأضافت: “من أجل حماية مواردنا الطبيعية قدر المستطاع، يتعين علينا تنظيف الأشياء غير التالفة كالأثاث المعدني أو الدراجات أو حتى الأطباق.. هذه الأشياء يمكن إصلاحها إذا لزم الأمر من أجل إعادة استخدامها مرة آخرى”.
وكان العمل الجماعي أحد الأسباب وراء النجاح في إزالة الكميات الكبيرة من النفاياتمن المناطق المتضررة، كما كان الحال في جهود الإنقاذ وعمليات التعافي بعد الكارثة، فقد انضم إلى جهود إزالة النفايات مقاولون محليون ومزارعون وحتى رجال الإطفاء إذ عملوا جميعاً مع شركات إدارة النفايات التي وصلت إلى أقصى طاقتها.
واضطرت بعض الشركات مثل شركة “RSAG”، وهي شركة لإدارة النفايات في منطقة “راين سيغ”، إلى التعامل مع المشاكل الناجمة عن الفيضانات والتي ألحقت الضرر بها.
وفي ذلك، قال كريستوف غيرهارز، مسؤول العلاقات العامة في الشركة، إنه في البداية “لم نتمكن من جمع أي نفايات إذ أن شاحنات جمع النفايات كانت عالقة في المياه فيما غمرت مياه الفيضانات المنشآت الخاصة بتخزين النفايات”، لكن عادت شاحنات تجميع النفايات إلى العمل لتقوم بإزالة آلاف الأطنان من النفايات فيما تم استدعاء العمال للعمل خلال العطلات الأسبوعية، بيد أن غيرهارز يرى أن لا نهاية في الأفق لعمليات إزالة النفايات، إذ أكد أن الشركة تتوقع موجة ثانية من النفايات إذ سيقوم الكثير من الناس بالتخلص من المزيد من النفايات الصلبة.
وأضاف: “شرع بعض الناس في المناطق المتضررة في العودة إلى منازلهم من الإجازات ويقومون الآن بترتيب منازلهم، وبعيداً عن هذا، فهناك مشكلة ذات أولوية قصوى تتمثل في المواقع خارج المدن حيث يتم التخلص من النفايات فيها.. لا يمكننا أن نجزم بموعد انتهاء الأمر”.
أما رالف شيفر، فهو يعمل حالياً على إعادة استغلال منشأة خاصة بالسماد قريبة من منطقة “موتينغوفن” للمساعدة في تخفيف العبء على المنشآت الأخرى.
ويبدو أن أزمة النفايات جلية من الرائحة الكريهة التي تسود أجواء المكان جراء النفايات والقمامة الرطبة بسبب الفيضانات، وأضاف: “في العادة لا تمثل رائحة السماد مشكلة، لكن يمكن شم رائحة هذه النفايات الناجمة عن الفيضانات حتى من على بعد”.
وعلى وقع هذه الأزمة، طرح شيفر تساؤلاً: “أين يمكنني التخلص من هذه النفايات غير استخدام منشأة السماد هذه؟”، وفي القرب من منشأة شيفر، ما زال العمل مستمراً فأمام جبل من النفايات، تقوم آلة صغيرة ذات لون أخضر بسحق النفايات قبل إرسالها إلى محرقة النفايات.
يشار إلى أنه في الظروف العادية، يجرى العمل على فصل هذه النفايات الضخمة، لكن يبدو أن أزمة الفيضانات أحدثت بعض التغيرات، وفي هذا السياق، قال أندريه لوتز، الرئيس التنفيذي لشركة “AVG Cologne” الخاصة بجمع النفايات وإعادة تدويرها في مدينة كولونيا: “الكثير من الكميات التي جاءتنا الأسبوع الماضي قد تفتت بشكل كبير لدرجة أن مكوناتها باتت صغيرة جداً، لذا تم وضعها في المحارق”، وأضاف: “لكننا قمنا بالطبع بجمع الحديد والقطع الخشبية لأنها تستحق عناء الجمع، لكن بعض القطع الخشبية من المناطق المتضررة من الفيضانات كانت ما تزال رطبة بشكل كبير”.
وفي الوقت الحالي، يتم نقل بعض النفايات إلى مناطق أخرى حتى تجف قبل حرقها، فيما يتوقع لوتز أن تستغرق عملية التخلص من النفايات بالكامل شهوراً، وأضاف: “من الواضح أنه عند إنشاء هذه المرافق لم يوضع في الحسبان مثل هذه الكارثة، لذا لا يمكن أن نتوقع في الوقت الحالي حجم النفايات التي سوف تأتي”.
ويتم الترحيب بمشاركة المتطوعين في جهود نقل النفايات والحطام، بيد أن الشرطة المحلية في المناطق المتضررة من الفيضانات يقظة حيال الأشخاص الذين يزعمون أنهم جاءوا لتقديم المساعدة، لكنهم يرغبون في جني المال من وراء النفايات الصلبة.
وفي ذلك، قال مارسيل ديلينغ، مفتش في شرطة منطقة “ماركيشر كريس”: “لقد قمنا بتسجيل عشر إتهامات جنائية تتعلق على سبيل المثال بسرقة معادن وأجهزة كهربائية من بين أكوام النفايات، وكذلك سرقة غسالة وأشياء أخرى تم وضعها حتى تجف من مياه الفيضانات”، وأضاف أن القليل من جامعي الخردة يمكنهم إعطاء تصاريح بشأن جمع النفايات، وأشار إلى أنه منذ تعزيز التواجد الشرطي في المنطقة، فإن عدد الشاحنات التي تقوم بجمع النفايات الضخمة بشكل غير قانوني في المناطق المتضررة، قد انخفض.
أما فيما يتعلق بالمتطوعين ذو النوايا الصادقة، فقد قوبل عملهم بالترحاب والامتنان من السكان المحليين في المناطق المتضررة، حتى أن بعض السكان قد وضعوا لافتات وأعلام للتعبير عن شكرهم للمتطوعين وعمال خدمات الإنقاذ.
ويبدو أن إزالة النفايات من الشوارع وأمام المنازل أدخلت السرور على قلوب بعض الألمان، من بينهم كارمن بيتز-فون-دير-إيتشن، وهي إحدى سكان مدينة آرفايلر.
وقالت كارمن: “عندما رفع أول جبل كبير من النفايات، فرحنا وكأننا نحتفل بأعياد الميلاد”، مضيفةً أنها وصديقها يستعدان الآن للتحدي الثاني.
وأوضحت ذلك، بقولها: “لقد بدأنا للتو في البحث في الأكياس التي وضعها داخلها الأشياء التي حاولنا إنقاذها، لكن عندما يتعلق الأمر بإعادة البناء، فمن المحتمل أن نواجه نقصا في الأدوات.. إننا في حاجة إلى كل مطرقة وكل منشار”.
كيت برادي – دويتشه فيله[ads3]