وكالة أنباء الأناضول : تطورات درعا تجدد القلق الأردني

أعاد قصف قوات النظام السوري وحلفائه، المتواصل منذ ما يزيد على أسبوع، الأنظار الدولية مجددا، إلى محافظة درعا (جنوب)، مهد الثورة التي انطلقت في بلادهم عام 2011، جراء نزوح نحو 80 بالمائة من سكانها.

القصف ذاته، أثار وفق مراقبين، “قلق الأردن”، جراء ما يحدث في المحافظة المحاذية لجزء ليس بالقليل من حدود المملكة.

والأردن من بين أكثر دول العالم تأثرا بما تشهده جارته الشمالية، فبعد أن كان على أهبة الاستعداد لإعادة تشغيل كلي لمعبره الحدودي الرابط مع سوريا “جابر – نصيب”، على أمل تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية، قرر في 31 يوليو/تموز الماضي إغلاقه بالكامل، مرجعا ذلك إلى “تطورات الأوضاع الأمنية في الجانب السوري”.

وعقب استمرار حالة الهدوء في درعا لأشهر طويلة، عادت أصوات القصف الليلي اليومي إلى القرى والمدن الأردنية المحاذية لها، لتظهر في محصلة الأمر أن مخططا جديدا يحاك تجاه المحافظة السورية.

حديث أهالي درعا عن وجود قوات إيرانية داعمة للنظام السوري، يزيد من حالة القلق لدى عمّان، لا سيما وأن عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، قد أعلن مؤخرا، في مقابلة أجرتها معه شبكة “سن إن إن” الإخبارية، عن تعرض بلاده للهجوم من طائرات مسيّرة إيرانية الصنع، وتم التعامل معها.

والأردن دعا مرارا وتكرارا للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، وهو ما عبر عنه مسؤولوه وساسته في كثير من المناسبات، لكنه في الوقت ذاته يسعى جاهدا لتجنب أي تداعيات أخرى قد تطاله؛ نتيجة التطورات الأخيرة في محافظة درعا.

القوات الأمريكية المتواجدة في قاعدة “التنف”، الواقعة على بعد 24 كم من الغرب من معبر التنف (الوليد) عند المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، في محافظة حمص، يعد الحضور الرسمي الوحيد لواشنطن؛ بدعوى محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي.

لكن خيار مواجهة إيران، يبقي الباب مفتوحا أمام واشنطن، لتغيير سيناريوهاتها، خاصة في ظل اتفاقياته الدفاعية مع عمّان، بما يمنع المساس بأمن حليف استراتيجي لها في المنطقة.

المحلل العسكري، مأمون أبو نوار، قال في حديثه للأناضول: “أعتقد أن ما يجري في درعا هو مرحلة تطهير تدريجي، وترحيل لسكانها الـ 50 ألفا، وهنا تكمن المعضلة، فإلى أين سيذهبون؟”.

وتابع: “رغم الهدف المعلن عن المصالحة مع النظام، وبدعم روسي، لكن على ما يبدو بأن هذه الاستراتيجية لا تعمل، والمليشيات الإيرانية قريبة من الحدود الأردنية”.

وزاد: “عمان بعثت رسائل إيجابية للنظام السوري، من خلال الإعلان عن فتح المعبر الحدودي بين البلدين، وهو يعد أمر مهم لدمشق؛ بحيث تستعيد سيادتها هناك”.

ولفت إلى أن “عودة السيطرة النظامية على معابر الجنوب، تزيد ما نسبته 15 بالمائة من وجوده، فالحدود رمز السيادة لأي دولة”.

وعن تداعيات ما يجري من نزوح لأهالي درعا، استبعد أبو نوار أن يسعى الأردن لإقامة منطقة آمنة على حدوده مع سوريا؛ نظرا لما تحتاجه من حماية أممية وإشراف وغير ذلك.

وأكد أن الأردن “لن يسمح في الوقت ذاته بقدوم الفصائل المسلحة إلى حدوده، وهو يفضل وجود النظام هناك، لذلك فإن المملكة ستمنع أي هجرة باتجاهها”.

وبين أن “هناك توجسا أمنيا، رغم وجود استراتيجية دفاعية جيدة بالأردن، ولا أعتقد أن هناك أي فجوات، وهناك تفاهمات مع جميع الأطراف على منع الهجرة نحو أراضيه”.

ونوه إلى أنه “قد يكون التهديد على أمن الأردن هو إذا ما حدثت مواجهة إيرانية إسرائيلية، خاصة مع وجود الطائرات المسيرة، والتي تعتبر تهديدا لأمن البلدان، نظرا لتقنيتها في ضرب أهدافها”.

واعتبر أبو نوار، وهو لواء طيار مقاتل، أن هناك “قلقا آخر فيما يتعلق باستخدام الصواريخ الباليستية، وسقوط شظاياها فوق الأردن”.

وأوضح أن “القوات الأمريكية في الأردن هي لإعادة تموضعهم، خاصة مع زيادة التهديدات عليهم في قاعدة التنف، بالإضافة لردع إيران، لتصبح بالتالي محطات مراقبة وإنذار مبكر لرصد النفوذ الاستراتيجي الإيراني في العراق ولبنان وسوريا”.

واستبعد أبو نوار أن يكون هناك “تدخلا أمريكيا في قطاع الجنوب السوري، وتحديدا في محافظة درعا، نظرا لزخم التواجد العسكري الإيراني الروسي في المنطقة، بالاستناد أيضا إلى تفاهمات بين موسكو وواشنطن في هذا الشأن”.

وأكد أن “وجود القوات الأمريكية على الأراضي الأردنية، نابع من حرص واشنطن على تعزيز الدور الأردني في المنطقة، وحرصا منها في الوقت ذاته على إدامة استقرارها، باعتبار حليف استراتيجي في المنطقة، ونظرا للعلاقات التاريخية بينهما”.

أما فايز الدويري، المحلل العسكري والخبير الاستراتيجي، فاعتبر أن وجود قوات إيرانية قرب الحدود “يقض مضاجع الأردن رسميا وشعبيا”.

ومضى في حديثه للأناضول قائلا: “المليشيات (الإيرانية) لو استطاعوا أن يؤثروا على الأمن الوطني الأردني، فإنهم لن يتأخروا لحظة”.

واستدرك: “لذلك، على صانع القرار والقادة العسكريين أن يأخذوا ذلك بالحسبان، وأن يكونوا بأعلى درجات الاستعداد لمراقبة الحدود والحيلولة دون حدوث أي اختراقات”.

وحول إمكانية لجوء الأردن لمعاهداته الدفاعية مع الولايات المتحدة، شدد الدويري بأن “الأردن قادر تاريخيا على حماية أمنه الوطني، دون الحاجة لقوات أمريكية”.

واعتبر أن تواجد القوات الأمريكية في الأردن “هو تعاون استراتيجي، كما هو الحال لدول أخرى”.

وتابع: “ما يجري في درعا هو أن النظام السوري يريد فرض سيطرته على معقل الثورة والقضاء على رمزيتها، وخاصة مع وجود المسجد العمري فيها الذي انبثقت منه، ولو أتيح له أن يرفع علمه على مأذنته فإنه لن يتوانى”.

وفي 25 يونيو/ حزيران الماضي، فرضت قوات النظام السوري والمليشيات التابعة لها حصارا على منطقة درعا البلد بمحافظة درعا، بعد رفض المعارضة تسليم السلاح الخفيف، باعتباره مخالفا لاتفاق تم بوساطة روسية عام 2018، ونص على تسليم السلاح الثقيل والمتوسط.

وفي 26 يوليو/ تموز الماضي، توصلت لجنة المصالحة بدرعا البلد، وقوات النظام إلى اتفاق يقضي بسحب جزئي للأسلحة الخفيفة المتبقية بيد المعارضة، ووجود جزئي لقوات النظام، إلا أن الأخيرة أخلت بالاتفاق وأصرت على السيطرة الكاملة على المنطقة. (ANADOLU)

 [ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها