أولاف شولتس المنافس على خلافة ميركل .. المرشح الذي تفوق ” شعبيته شعبية حزبه “

لقد كانت مفاجأة غير متوقعة، عندما قدم رئيسا الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ساسكيا إسكين ونوربرت فالتر بوريانس، وزير المالية ونائب المستشارة أنغيلا ميركل في حكومتها الحالية، أولاف شولتس، كمرشح لمنصب مستشار الحزب في صيف 2020.

وكان ذلك مفاجئاً من ناحية التوقيت، إذ إن موعد الانتخابات الاتحادية هو أيلول 2021، وحتى ذلك الحين، كان هناك ثلاثة عشر شهراً يمكن أن يحدث خلالها الكثير.

والمرشح كان تحت المراقبة المستمرة في منصبه المكشوف، وكل شيء تحت التقييم وكل جملة لها معنى، وكل خطأ يمكن أن يكون الأخير.

وكان اقتراح الرئيسين مفاجأة أيضاً، لأن الثنائي ساسكيا إسكين ونوربرت فالتر بوريانس كانا منافسين لدودين لشولتس في الكفاح من أجل رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، قبل بضعة أشهر فقط، وهما لهما برامج سياسية مختلفة للغاية عن شولتس، فالأخير، الذي يعتبر على الأرجح محافظاً، بالنسبة لأي شخص اشتراكي ديمقراطي، خسر تصويت الأعضاء، نهاية 2019، لصالح القيادة الثنائية للحزب المتأثرة بالتوجه اليساري الواضح، وبعد ذلك، قرر الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن يكون مرشحه لمنصب المستشار (شولتس) شخصاً لم يكن الحزب يريده كرئيس له.

وعلق شولتس على قرار اختياره، بالقول: “لقد وجدنا طريقةً للعمل معاً بشكل وثيق للغاية ومتناغم ووجداني.. لقد بدأنا بالفعل في التعاون الوثيق مع بعضنا البعض فور انتخاب رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي، ونمت ثقة كبيرة للغاية بشأن هذا الأمر، لذلك في مرحلة ما كان لدي شعور أكيد أن الاثنين سيقترحانني، وكلاهما كانا يشعران في وقت مبكر للغاية، بأنهما سيقترحانني”.

جملة تُظهر بشكل نموذجي كيف يتعامل أولاف شولتس مع الأزمات، وهي: النهوض ومواصلة العمل بدون هيبة (أي شيء) وعدم الشك في نفسك أبداً.

وينعم أولاف شولتس بثقة بالنفس لا تتزعزع، فخلال عقود من حياته السياسية، شهد بالفعل عدداً غير قليل من الهزات وتجاوزها في الغالب بنجاح، ولا شيء يمكنه أن يطيح بالرجل عن مساره بهذه السرعة.

إنها صفة تفيده في جائحة كورونا، ففي بداية الأزمة، سرعان ما وضع شولتس (63 عاماً) نفسه بمثابة رئيس فريق الإطفاء، وبصفته وزير المالية، فهو مسؤول عن المليارات من المساعدات والقروض التي تهدف إلى النهوض بالاقتصاد والمواطنين خلال الأزمة.

وفي ربيع عام 2020، بعدما وصلت جائحة كورونا إلى ألمانيا، قدم وعداً للمواطنين، وقال: “سنستخدم كل الوسائل المتاحة لنا ونضمن أنه يمكننا تجاوز هذه الأوقات الصعبة بكل إمكانياتنا الاقتصادية، وكذلك العمل على خروجنا من الوضع.. بغض النظر عن مدى ارتفاع الديون، يمكن لألمانيا أن تتعامل مالياً مع الوباء”.

ومثل هذه الوعود تعجب المواطنين، فالبراغماتية في أوقات الأزمات أهم من الكاريزما، والكاريزما شيء لا يملكه شولتس، فالانفعال وإظهار المشاعر، شئ غريب عنه، وحتى في لحظات الفرح يظهر شولتس ضبط النفس.

وعلى مدى سنوات عديدة، كان يطلق على أولاف شولتس المصطلح الساخر “شولتسومات” (Scholzomat)، وهو تلاعب بالكلمات المكونة من اسمه (شولتس) وكلمة “Automat”، والتي تعني ماكينة أو آلة باللغة الألمانية، وابتكرت صحيفة “دي تسايت” الأسبوعية الألمانية هذا المصطلح في عام 2003، لأن السكرتير العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي آنذاك، أولاف شولتس، كان يبدو دائماً وكأنه ماكينة أو آلة أثناء خرجاته الإعلامية، فعندما كانت توجه أسئلة إلى شولتس، كان يجيب باستخدام صيغ تكنوقراطية، يكررها مراراً وتكراراً، وبرر ذلك لاحقًا، بالقول: “كنت بائعاً للرسائل السياسية، وكان علي أن أبدي بعض الجرأة”.

وفي ذلك الوقت، كان الأمر يتعلق بخطة 2010 (أجندة 2010)، التي أطلقتها حكومة المستشار غيرهارد شرود لإصلاح سوق العمل الألماني، وأثارت جدلاً واسعاً بما سببته من فجوة في دخول الأشخاص المتضررين من تلك الخطة.

ولقد واجه تنفيذ عمليات الإصلاح، عبر تلك الخطة، مقاومةً شديدةً، حتى من داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وقال شولتس إن الأمر لم يكن متعلقًا بمزاجه الخاص، بل يتعلق بكونه “مخلصاً بشكل تام” للمستشار وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي آنذاك غيرهارد شرودر والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وقال إنه “شعر حقًا وكأنه ضابط”.

وفي النهاية، لم تفشل محاولة الإنقاذ فحسب، بل وخسر الحزب الاشتراكي أيضاً منصب المستشارية أمام الاتحاد الديمقراطي المسيحي، كما طُبعت في أذهان العامة صورة عن أولاف شولتس لم يستطع التخلص منها لفترة طويلة، إذ منذ ذلك الحين، بُدِئ يُنظر لشولتس، رجل القانون، على أنه شخص بيروقراطي ممل وليس لديه أي حس للمرح.

وحقيقة أن أولاف شولتس كان قادراً على العمل في الحزب الاشتراكي الديمقراطي تبدو متناقضة في الواقع، لأن الحزب دائماً ما كان يناضل مع الرجل الواقعي الانطوائي القادم من هامبورغ، والذي ينطق فقط بما هو ضروري للغاية.

وعندما كان شولتس يترشح للمناصب في مؤتمرات الحزب، كان يحصل عادةً على أسوأ النتائج، ومع ذلك، تمكن الرجل من شق طريقه في السلم الوظيفي السياسي، ولقد فعل ذلك بصمت وكفاءة، فقد شغل منصب السكرتير العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وشغل كذلك منصب وزير داخلية وعمدة هامبورغ قبل أن يذهب إلى برلين في عام 2018 وزيراً في حكومة المستشارة ميركل، ويشغل شولتس حالياً منصب وزير المالية الاتحادي ونائب المستشارة.

وحتى وإن كان يتم نسبة أولاف شولتس إلى الجناح المحافظ، إلا أنه يبدو أن التصنيفات السياسية مثل اليمين أو اليسار لا تنطبق عليه في الواقع، وعندما كان نائباً لرئيس منظمة الشباب الاشتراكي “يوزوس”، كان شولتس يتبنى أطروحات اشتراكية راديكالية، كانت تنتقد الرأسمالية، ولكن بين انضمامه للحزب الاشتراكي الديمقراطي كطالب في عام 1975 وانتخابه لعضوية البرلمان الألماني (بوندستاغ) في عام 1998، تعلم شولتس الكثير عن كيفية إنشاء وريادة الأعمال المستقلة كمحام متخصص في قانون العمل مع مكتب المحاماة الخاص به في هامبورغ، وهذا ما أثر في شخصيته.

وبعد مرور وقت طويل، علم أولاف شولتس أن السياسة تتعلق أيضاً بوضع نفسك ورسالتك في دائرة الضوء والتسويق بشكل جيد لهما، وعندما قام مرشحو الحزب الاشتراكي الديمقراطي لقيادة الحزب بجولة في ألمانيا في خريف عام 2019، أصبح فجأةً من الصعب التعرف على الوزير، ولقد بدا أكثر عاطفية وحنواً، وبالأخص أكثر ودية، لكنه لم يكن أقل ثقة بنفسه، ووعلى نفس النهج، يقدم نفسه الآن كمرشح لمنصب المستشار، ويظهر في المداخلات الرقمية من أجل جذب الشباب، كما يظهر أكثر مرونةً وأقل تزمتاً، لكن في الوقت نفسه لا يدع مجالاً للشك في أنه يعتبر نفسه الأنسب، مقارنةً بمرشحي الأحزاب الأخرى لمنصب المستشار.

وتبقى رؤية ما إذا كان ذلك سيكون كافياً للمستشارية في أيلول 2021.

ولم ينجح أولاف شولتس في زيادة معدل تأييد الحزب بشكل مستدام منذ تعيينه كمرشح عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب المستشار، وفي الانتخابات الاتحادية الأخيرة في عام 2017 حقق الاشتراكيون الديمقراطيون أسوأ نتيجة لهم في تاريخ ألمانيا بعد الحرب، بعد حصولهم على نسبة 20.5% من جملة الأصوات.

ومنذ ذلك الحين، استمرت الأمور في التدهور بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وعلى مدى العامين الماضيين، تراوحت استطلاعات الرأي بين 14 و17%، لكن هذا الأمر لم يثبط من عزيمة شولتس، الذي صرح بنبرة هادئة: “أي شخص يريد مني أن أصبح مستشاراً لألمانيا، عليه أن يصوت لصالح الحزب الاشتراكي الديمقراطي”.

زابينه كيناكارتس – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها