دويتشه فيله : حياة ما بعد المستشارية .. ماذا ستفعل ميركل بعد تقاعدها ؟
ستترك المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وظيفتها بعد تشكيل حكومة جديدة إثر الانتخابات العامة المقررة في أيلول، فكيف ستقضي ميركل فترة تقاعدها؟.
تحب أنغيلا ميركل أن تطهو حساء البطاطا وتخبز كعكة البرقوق بالستروسل (خليط متفكك من الطحين والزبدة والسكر)، وهي أطباق خريفية ألمانية تقليدية لن يكون لديها (ميركل) على الأرجح وقت لتحضيرها بسرعة، ففي مساء 26 أيلول (موعد الانتخابات العامة في ألمانيا) لن ينتهي الأمر بالنسبة للمستشارة، إذ ستبقى ميركل في السلطة حتى تشكيل الحكومة الجديدة، وأكدت ميركل ذلك، بالقول: “أواجه وسأواجه تحدياً، وسيستمر ذلك حتى اليوم الأخير من فترة ولايتي”.
وفي المتوسط وعلى مدى العقود الماضية، أدى المستشار الاتحادي في ألمانيا ومجلس الوزراء اليمين في غضون خمسة إلى ستة أسابيع بعد الانتخاباتن لكن في عام 2017 استغرق الأمر خمسة أشهر ونصف قبل تشكيل الائتلاف الحاكم الجديد، ومن المحتمل جداً أن تحل ميركل محل المستشار الأسبق، هيلموت كول، الذي يعتبر والدها الروحي سياسياً، بشغل منصب المستشارية لأطول فترة في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية.
وانتهت فترة ولاية كول في عام 1998 بعد 5870 يوماً في المنصب، ولتحطيم هذا الرقم، يتعين على المستشارة البقاء في منصبها حتى 17 كانون الأول 2021 على الأقل.
وفي تموز، أثناء زيارتها لواشنطن، سُئلت ميركل عن تصورها لفترة تقاعدها، وعلى الرغم من أنها كانت تستجيب مراوغة في مناسبات أخرى، إلا أنها كشفت هذه المرة بأنها ستستمتع بأخذ قسط من الراحة ولن تقبل أي دعوات، مضيفةً أنه يجب عليها إدراك أن مهامها السابقة “سيقوم بها شخص آخر”، وتابعت: “أعتقد أن هذا سيعجبني كثيراً”.
وفي وقت فراغها المُستكشف حديثاً، أشارت المستشارة إلى أنها تريد التفكير في “ما يثير اهتمامي حقاً”، فقد كان لديها القليل من الوقت للقيام بذلك خلال السنوات الـ16 الماضية.
وبابتسامة ماكرة، قالت المستشارة، التي كانت، في وقت طرح السؤال، قد حصلت للتو على الدكتوراه الفخرية من جامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية: “بعذ ذلك، قد أحاول قراءة شيء ما، ثم أغلق عيناي لأنني متعبة، ثم سأنام قليلاً، لنرى بعد ذلك أين سأظهر”.
وسبق لفنان تصويري وآخر كاتب في أدب الجريمة أن يستشرفا مستقبل ميركل، فقد قام أندرياس موهه بتصوير شخصية تمثل المستشارة في الكثير من الهدوء، وفي أوضاع تظهر فيها وحيدة، وحولها إلى معرض، ومن ناحية أخرى، يفترض الكاتب في أدب الجريمة، ديفيد زافيير، أن ميركل ستصاب بالملل لدرجة الانفجار بسرعة دون جدول أعمالها المزدحم.
وفي روايته المثيرة للضحك “الآنسة ميركل”، يجعل زافيير “المستشارة السابقة” تشكو من الحياة الريفية الهادئة، بعد انتقالها إلى بيتها الحالي المخصص للعطل في براندنبورغ.. فقط المشي في الغابات والمرتفعات وتحضير الكعك؟، لا! وبشكل حر، واستناداً إلى روايات “الآنسة ماربل” البريطانية البوليسية التي كتبتها أغاثا كريستي، يتيح زافيير لميركل التعثر بقضية قتل والتحقيق فيها بحماسة.
وكتاب “الآنسة ميركل” فكاهي ينطلق من سؤال له ما يبرره، وهو: “هل يمكن لشخص، كان جدوله مخططاً لعقود، من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل، وتحمَّلَ مثل هذه المسؤولية الكبيرة، أن يغادر بين ليلة وضحاها؟”.
وقالت ميركل مؤخراً في برلين: “ما يفتقده المرء عادةً، لا يلاحظه غالباً إلا عندما يفقده”.
وبلغت ميركل عمر الـ67 عاماً في 17 تموز 2021، لكن لا داعي للقلق من الناحية المالية، فبصفتها مستشارة اتحادية، تكسب حالياً 25 آلاف يورو شهرياً، وبالإضافة إلى ذلك، يحق لها الحصول على ما يزيد قليلاً عن 10 آلاف يورو كعضو في البرلمان الاتحادي “بوندستاغ”، الذي ما تزال عضواً فيه منذ أكثر من 30 عاماً، وعندما تترك ميركل وظيفتها، ستستمر في البداية في تلقي راتبها لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصفه لمدة أقصاها 21 شهراً كراتب انتقالي.
وبالنسبة للمعاش التقاعدي اللاحق، سيتم حساب استحقاقات التقاعد المختلفة من عملها كمستشارة ووزيرة وبرلمانية في “بوندستاغ” مع بعضها البعض، وتستفيد ميركل من أنها ظلت في الخدمة لفترة طويلة جداً، ويمكن العثور على قواعد الحساب، بدقة تصل إلى خمسة منازل عشرية، في ما يسمى بـ”القانون الوزاري الاتحادي” لعام 1953، فبعد أربع سنوات على الأقل في المنصب، يحق للمستشارين الاتحاديين الحصول على 27.74% من رواتبهم السابقة، ومع كل سنة إضافية في المنصب، يزيد الاستحقاق بنسبة 2.39167%، إلى أن يصل إلى حد أقصى يبلغ 71.75%.
ونتيجة لذلك، يمكن أن تعتمد ميركل على معاش تقاعدي يبلغ حوالي 15 آلاف يورو شهرياً، كما يحق لها الحصول على حماية شخصية وسيارة مع سائق حتى نهاية حياتها، ويضاف إلى ذلك، مكتب في مبنى “بوندستاغ” في برلين، وفي إدارة المكتب وكيلان مساعدان وكاتب.
والموظفون الحكوميون السابقون ملزمون بموجب القانون بالحفاظ على السرية، لكن حتى لو لم يُسمح لهم بالمحادثة وتبادل أطراف الحديث كما يحلو لهم، فإنهم يتمتعون بشعبية في قطاع الاقتصاد، كمستشارين بسبب علاقاتهم السياسية المتشعبة، وبعض أسلاف ميركل في المنصب انتقلوا إلى الاقتصاد، فقد أصبح هيلموت شميت، رئيس تحرير صحيفة “دي تسايت” الأسبوعية عام 1982، وكان متحدثاً شهيراً، وفي مقابلة عام 2012، قال: “لقد وضعت لنفسي قاعدة بعدم إلقاء محاضرة بأقل من 15 ألف دولار”، لكن المستشارين السابقين، هيلموت كول وغيرهارد شرودر، فهما أفضل بكثير من شميت في كيفية تحويل ماضيهما السياسي وشهرتهما إلى نقود، فقد أسس كول شركةً للاستشارات السياسية والاستراتيجية، وحصل من خلالها على مكاسب جيدة كعضو جماعة ضغط ومستشار.
وأثار غيرهارد شرودر غضباً واسعاً، عندما قام في عام 2005، وبعد بضعة أشهر فقط من مغادرته المستشارية، بالعمل في شركة خط أنابيب “نورد ستريم”، وهي شركة تابعة لشركة “غازبروم” الروسية، وكان شرودر قد دعم بناء خط أنابيب الغاز الروسي عندما كان المستشار الاتحادي.
وفي غضون ذلك، يلزم القانون الأعضاء السابقين في الحكومة قبل الانتقال إلى الاقتصاد، الاستفسار من المستشارية فيما إذا كانت وظيفتهم (الجديدة) “تؤثر سلباً على المصلحة العامة”، وتنصح لجنة أخلاقيات الحكومة بأن تفرض، في حالة الشك، فترة انتظار تصل إلى 18 شهراً.
وهل تبحث ميركل حالياً عن وظيفة جديدة أو عمل تطوعي؟، حتى الآن لم تقل كلمة واحدة حول هذا الموضوع، لكن من المحتمل أنها ستبقى في برلين في الوقت الحالي على الأقل، فزوجها الكيميائي يواخيم زاور (72 عاماً) لا يفكر في ترك برلين، وعلى الرغم من تقاعده من العمل كأستاذ في جامعة هومبولت في برلين، فقد مدد عقده كباحث أول حتى عام 2022.
زابينه كينكارتس – دويشته فيله[ads3]