دويتشه فيله : الإنترنت .. سلاح حزب البديل اليميني في الانتخابات الألمانية
تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على قلب المشهد السياسي في ألمانيا رأساً على عقب، وصحيح أن المسيحيين والاشتراكيين الديمقراطيين، أصحاب الائتلاف الحاكم، لديهم أكبر عدد من أعضاء بين الأحزاب، لكن تواجدهم على موقع “فيسبوك” وشركاه ضئيل للغاية.
ولقد قطع حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي ما يزال حزباً يمينياً حديث المنشأ، شوطاً طويلاً، مقارنةً بالأحزاب الأخرى، وهذا أمر لافت للنظر في ضوء الأهمية المتزايدة التي باتت تحظى بها وسائل التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية، ويبدو أن الأحزاب الأخرى في ألمانيا، مثل حزب الخضر أو الليبراليين مجهزة بشكل أفضل، للقتال من أجل الأصوات على الإنترنت، من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) مع شقيقه حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD).
ومن أجل مقارنة عروض السياسيين والأحزاب المرشحة، قامت شبكة “DW” الإعلامية بتقييم منشوراتهم على منصات “فيسبوك” و”إنستغرام” و”يوتيوب” و”تويتر”، بين الفترة الممتدة من الأول من حزيران حتى الـ15 من آب 2021، وتم استخدام أداة التحليل “Storyclash” لهذا الغرض، وتتيح هذه الأداة، على سبيل المثال، مقارنة عدد مشاهدات مقاطع الفيديو أو تفاعلات المستخدمين مع عروض السياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
والسياسية الألمانية ومرشحة حزب البديل من أجل ألمانيا، أليس فايدل، تحصد نجاحاً كبيراً على الشبكة العنكبوتية، على الرغم من أنها لا تملك أي فرصة للفوز في الانتخابات، أو حتى الوصول إلى منصب المستشارة، فقد شوهدت مقاطع الفيديو الخاصة بها حوالي 4.9 مليون مرة على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة المذكورة، فيما حصل المرشحون الآخرون على نسب ضئيلة من المشاهدات.
و320 ألف مشاهدة فقط، حققها مرشح حزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي، أرمين لاشيت، على الرغم من أنه أحد المرشحين في السباق لخلافة المستشارة أنغيلا ميركل، وتتفوق فايدل أيضاً في المنافسة كثيراً عندما يتعلق الأمر بمشاركة المنشورات والتعليق عليها، وهذا مهم من أجل كسب ولاء المستخدمين للعروض الخاصة بالمرشح.
والنجاح ليس مصادفة بالنسبة للمستشار السياسي للإتصالات يوهانس هيلجه، ويقول: “الجمهور على منصات وسائل التواصل الاجتماعي هو شكل متطرف من (اقتصاد جذب الانتباه)، وهناك ترابط بين خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي والاستقطاب الشعبوي اليميني والانفعالات”.
ويعتمد حزب البديل من أجل ألمانيا بشكل كامل على العواطف، وبالأخص الخوف والغضب، الخوف من المهاجرين والجريمة والانحدار الاجتماعي، والغضب من أنغيلا ميركل والحكام والنخب.
ويسوق الحزب في الغالب محتواه عن طريق شعارات مثيرة، مثل “ألمانيا تتحول إلى جمهورية موز”، وهذا من شأنه أن يسهل على المستخدمين المشاركة والتعليق، ومن ناحية أخرى، ما تزال منشورات لاشيت، مرشح المسيحي الديمقراطي، باهتة، إذ لم يحشد عنوانه الرئيسي “الحماية الذكية للمناخ مهمة مشتركة” سوى عدد قليل من المستخدمين على الإنترنت.
ولعب “فيسبوك” دوراً مهما في صعود حزب البديل من أجل ألمانيا، فمنذ تأسيسه في عام 2013، اشتكى الحزب من نقص تمثيله في وسائل الإعلام الرئيسية، لكن على “فيسبوك”، وجد حزب البديل من أجل ألمانيا منصةً يمكن لمتابعيها التواصل من خلالها، ويمكن للحزب أن ينشر جزءاً من حملاته العنصرية والقومية دون تنقيح.
وفي مقابلة مع شبكة “DW”، صرح المتحدث الصحفي باسم الكتلة البرلمانية للحزب اليميني، حزب البديل من أجل ألمانيا، ماركوس شميت: “بدون فيسبوك، أعتقد أن البديل من أجل ألمانيا لم يكن لينجح بهذه السرعة”.
ويظهر تحليل شبكة “DW” أنه حتى يومنا هذا، ما يزال “فيسبوك” يلعب دوراً بارزاً في حضور حزب البديل من أجل ألمانيا على وسائل التواصل الاجتماعي، ومرشحة الحزب، أليس فايدل، حققت حوالي 84% من التفاعلات على منشوراتها هناك.
ومن أجل تدريب موظفيه على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو أن حزب البديل من أجل ألمانيا يحظى أيضاً بدعم خاص من “فيسبوك”، وهذا ما أكده موظف في كتلة حزب البديل من أجل ألمانيا في مقابلة مع شبكة “DW”، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال عروض السياسيين، التي تبدو ملموسة ومفهومة أكثر من باقي عروض السياسيين المنافسين، وغالباً ما يكون خط العناوين والنصوص أكبر وأسهل للقراءة من خطوط الأحزاب الأخرى، والتصميم أكثر اتساقاً وتوحيداً، وكل هذه الأمور تعد لبنات صغيرة للنجاح الرقمي.
ةهناك قاسم مشترك بين جميع العروض، وهو أنها أكثر عاطفية، ويقول هيلجى، مستشار الاتصالات: “أعتقد أن العاطفة بمعنى التواصل القائم على القيمة له أهمية كبيرة للنجاح على وسائل التواصل الاجتماعي”، وتابع: “لسوء الحظ، يحدث في كثير من الأحيان أن يتم الخلط بين العاطفة وعدم اللامبالاة لدى الأحزاب الأخرى”.
وكتب هيلجى كتاباً عن استراتيجية حزب البديل من أجل ألمانيا على الإنترنت، وحذر من أن الحزب يسعى لإنشاء “مجتمع معلومات مضلل يميني راديكالي”، من خلال أجهزته الإعلامية، فقد كانت التقارير الكاذبة والمعلومات المضللة جزءاً لا يتجزأ من حملات حزب البديل من أجل ألمانيا منذ البداية.
وسبق أن زعم أعضاء بأن المستشارة أنغيلا ميركل ستغادر منصبها خلال وجودها في الحجر الصحي، بعد الإصابة بفيروس كورونا (لم تفعل)، وفي بعض الأحيان، يتم تداول اقتباسات مفتراة على أفواه السياسيين المعارضين، ومن جهة أخرى، يبدو أن الحزب يحذو حذو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي لم يكترث كثيراً بالحقيقة في تصريحاته على “تويتر”، فكل ما يهم هو جذب الانتباه.
ويُظهر تحليل شبكة “DW” لأحد مقاطع الفيديو على يوتيوب، والذي يعود إلى عضو حزب البديل من أجل ألمانيا في البرلمان، شتيفان براندر، استراتيجية مماثلة، ومن جانبه، يرفض الحزب مثل هذه الاتهامات.
وقال ماريو هاو، رئيس فريق وسائل التواصل الاجتماعي في الكتلة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا ، لشبكة “DW” عن عمل الكتلة البرلمانية: “نعتمد في كل شيء بالأساس على الحقائق.. على سبيل المثال، على الإستفسارات والأبحاث، نحن لا ننتج أخباراً كاذبة”.
وفي ضوء الأهمية المتزايدة التي باتت تحظى بها وسائل التواصل الاجتماعي، يدعو تحالف مدني للنقابات العمالية والمبادرات في ألمانيا الأحزاب إلى الالتزام بحملة انتخابية نزيهة وشفافة على الإنترنت وضرورة تصنيف الرسائل السياسية المدفوعة، وبالإضافة إلى حذف تعليقات الكراهية على المنشورات بشكل مسؤول.
ويشير فيليكس كارته، من مبادرة “إعادة الضبط” (Reset)، إلى أنه منذ مدة طويلة كانت هناك قواعد صارمة للحملات الإنتخابية في الشوارع ولإعلانات الانتخابات على التلفزيون، “ولكن لا يتم تطبيق أي من هذه القواعد على الإنترنت.. إنها تشبه الغرب المتوحش على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تصب في صالح حزب البديل من أجل ألمانيا إلى حد كبير”، كما يقول القائم على المبادرة.
ومن جانبه، يرفض حزب البديل من أجل ألمانيا دعوات جميع الأحزاب السياسية إلى الالتزام بحملة انتخابية نزيهة وشفافة، وفي مقابلة مع شبكة “DW”، وصف الناطق الصحفي باسم الكتلة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا، ماركوس شميت، مثل هذه المبادرات بأنها “استعراض” يسعى إلى تشويه سمعة حزبه.
وفي مواجهة المعلومات الخاطئة، يرى النقاد أن المسؤولية تقع على شركات التكنولوجيا الكبرى، “مهمة المنصات هي عدم مساعدة المقالات التي تحتوي على معلومات كاذبة والأكاذيب حتى لا تصل إلى مستويات أعلى من المتابعة والتفاعل”، كما يطالب يوهانس هيلجى، مستشار الاتصالات، بالإضافة إلى ذلك، يطالب بضرورة إعلام المستخدمين بالتقارير الكاذبة.
هانس بفايفر – دويتشه فيله[ads3]