علماء ألمان يحللون آلية طريقتين جديدتين لعلاج التهاب الجلد التأتبي
في الرابع عشر من أيلول من كل عام، يتم الاحتفال باليوم العالمي لالتهاب الجلد التأتبي، وهو المرض الذي يعاني منه نحو 5ر3 مليون شخص، بينهم نحو 3ر1 مليون طفل في ألمانيا، وهو مرض معروف باسم “الإكزيما التأتبية”، وهو من أكثر أمراض الجلد شيوعاً، كما أنه ليس له علاج حتى الآن، غير أن هناك شكلين جديدين للعلاج ظهرا حديثاً، ويمكن لهما أن يخففا من حدة أعراض هذا الداء، لا سيما للحالات المتوسطة والشديدة، وقدم علماء ألمان تحليلاً لآلية عمل هاتين الطريقتين الجديدتين.
وتتمثل أعراض المرض في إصابة البشرة بالجفاف الشديد واحمرار الجلد مصحوبين بتقشير وشعور لا يطاق بالحكة، ويظهر هذا الداء في سن مبكرة ويتحسن وضعه عند معظم المرضى في مرحلة لاحقة، وثمة سلسلة من العوامل المحفزة التي تهيئ الظروف للإصابة بهذا المرض، منها ما يتعلق بالمناخ حيث تساعد قلة الرطوبة في الهواء على جفاف الجلد يصحبه شعور بالحكة، ويسهل على البكتريا والفيروسات والفطريات اختراق الجلد مع الحك.
وفي النهاية، يؤدي هذا إلى الإصابة بالحساسية حيث يكثف نظام المناعة من رد فعله بإنتاج الأجسام المضادة حتى في مواجهة مسببات الحساسية غير الضارة.
وتؤجج الأجسام المضادة بدورها من عملية الالتهاب عن طريق تحفيز خلايا مناعية أخرى لإفراز مواد تساعد على الالتهاب، ويلخص بيتر ألسنر مدير مستشفى الأمراض الجلدية التابعة لمستشفى يينا الجامعي، شرقي ألمانيا، هذه الحالة، قائلاً: “هذا يؤدي إلى حلقة مفرغة من الحكة والهرش تعتمد من ناحية على اضطراب الحاجز الواقي للجلد ومن ناحية أخرى على اضطراب الجهاز المناعي”.
وأضاف ألسنر، الذي يعمل أيضاً متحدثاً باسم الجمعية الألمانية للأمراض الجلدية (دي دي غي)، أن هذا الاستعداد للإصابة بمرض التهاب الجلد التأتبي منتشر على نحو واسع في ألمانيا، “فنحو ثلث من هم هنا في بلادنا لديهم مثل هذا الاستعداد للإصابة بالمرض”.
وأوضح طبيب الأمراض الجلدية أن “التهاب الجلد التأتبي الخفيف المصحوب بشعور حكة وجفاف يمكن علاجه في الغالب بشكل جيد بطريقة علاج أساسية تعتمد على استخدام كريم عناية بسيط، يحتوي على اليوريا أو الجلسرين، وكذلك عن طريق الأشعة فوق البنفسجية”.
وفي المقابل، تحتاج الحالات الأكثر شدة إلى علاج منهجي فعال داخلياً، “وقد كان هناك خياران فقط للعلاج قبل ما يتراوح بين عامين وثلاثة أعوام، الخيار الأول يعتمد على استخدام الكورتيزون الداخلي، والخيار الثاني يعتمد على استخدام السيكلوسبورين المثبط للمناعة والمأخوذ من طب زراعة الأعضاء”.
وذكر ألسنر أن كلا العلاجين يحرزان نجاحات جيدة في مواجهة المرض، غير أنهما مرتبطان بآثار جانبية بعضها قوي، “ودائماً ما كنا نتمنى توافر وسائل لها تأثير مباشر على عمليات الالتهاب”.
وأوضح ألسنر أن هذا بالضبط ما توفره الطريقتان الجديدتان للعلاج، والتي تعتمد إحداهما على أجسام مضادة من نوع خاص والأخرى على ما يعرف بالجزئيات الصغيرة، ومن بين الأدوية التي يشلمها العلاج بالأجسام المضادة، والمعروف أيضاً باسم “بيولوجيكا”، دواء “دوبيلوماب” الذي تم التصريح باستخدامه منذ أيلول 2017 لعلاج البالغين، ومنذ تشرين الثاني 2020 لعلاج الأطفال اعتباراً من سن ست سنوات، الذين يعانون حالات متوسطة إلى شديدة.
وتعمل المادة الفعالة في هذا الدواء على منع عنصرين أساسيين من بروتينات الاستجابة المناعية، وبالتالي تحييد تأثيراتهما المساعدة على الالتهاب، وثمة دواء آخر يعتمد على طريقة الأجسام المضادة وهو ترالوكينوماب، والذي تم التصريح به في الاتحاد الأوروبي في حزيران الماضي كمستحضر دوائي.
ومن جانبه، قال رئيس جمعية “دي دي غي” ومدير مستشفى الأمراض الجلدية والحساسية في مستشفى ماربورغ الألمانية، ميشائيل هيرتل، في بيان بمناسبة اليوم العالمي لالتهاب الجلد التأتبي، إن “ميزة دوبيلوماب تكمن في أنه وفر لنا خياراً يتسم بفعالية جيدة جداً بالنسبة لما يتراوح بين 60 و70% من أصحاب الحالات المرضية الشديدة”.
ويكمل ألسنر، قائلاً إن أدوية بيولوجيكا التي تم التصريح بها حتى الآن يمكن احتمالها بشكل كبير، “فنحو 20% من المرضى أفادوا بحدوث لسعة أو التهاب في العينين كآثار جانبية مزعجة لكنها ليست ضارة، وقد أقبل الكثيرون على تحملها بعدما اختفت الحكة المؤلمة إلى الأبد”.
ويقول رئيس الرابطة المهنية لأطباء الجلد الألمان (بي في دي دي)، رالف فون كيدروفسكي، إن أعراض الإصابة الشديدة بالمرض يمكنها في الواقع أن تقلل من استمتاع المرضى بحياتهم، فهي تؤرقهم ليلاً بسبب الحكة والآلام، كما أن التغييرات الملحوظة على الجلد يتم النظر إليها في بعض الأوساط الاجتماعية على أنها “مثيرة للاشمئزاز”.
وأظهرت دراسات من الدنمارك والولايات المتحدة أن التهاب الجلد التأتبي عند الأطفال يتسبب في اضطرابات في التعلم وضعف النجاح الدراسي، وقال ألسنر إن “الالتهاب التأتبي مرض يتجاوز الجلد على نحو واسع”.
وأضاف ألسنر أنه رغم السعادة بظهور إمكانيات جديدة للعلاج مثل بيولوجيا التي يلزم إعطاؤها عن طريق الحقن، فإن هناك شكوكاً في إمكانية استخدام هذه الطريقة بالنسبة لكل المرضى، “وهنا يظهر لنا الخيار الجديد الآخر للعلاج باستخدام مثبطات جانوس كينيز”، مشيراً إلى أن هذه الجزئيات الصغيرة تمنع انتقال الإشارات داخل الخلية ما ينجم عنه هدوء حدة الالتهاب، وكتب ألسنر أن “هذه المثبطات أظهرت فعالية خاصة جدا مع تأثيرات جانبية ضئيلة”، وتابع أن المادة الفعالة التي تم التصريح بها للبالغين يمكن أن يتم تناولها في صورة أقراص.
وقال ألسنر إن كلتا الطريقتين، بيولوجيكا والجزئيات الصغيرة، مناسبتان بالدرجة الأولى للحالات الشديدة لمرضى الالتهاب التأتبي وتحرزان نجاحات في علاج هذه الحالات وفي بعض الحالات بسرعة شديدة “، وبعض المرضى أفادوا بحدوث انخفاض هائل في الشعور بالحكة في غضون أيام قليلة حتى إنه أمكنهم الاستغراق في النوم لأول مرة منذ فترة طويلة”.
ورأى ألسنر أن النجاح في هاتين الطريقتين يعود على وجه الخصوص إلى تحسن فهم العلماء لآليات حدوث الالتهاب، كما أن الدراسات عن هذا الموضوع في هذه الأيام لم تعد تستغرق أسابيع قليلة، بل إنها صارت تتم في شكل دراسات طويلة الأمد يستغرق بعضها ما يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أعوام، وهو إجراء ضروري في حالة المرض الذي يعمل مساره على مدار مراحل، “وصار من البديهي في العلاج حالياً زيادة الاهتمام بالعوامل النفسية والاجتماعية”. (DPA)[ads3]