ألمانيا : ميركل بعيون شخصيات عالمية نافذة .. في فيلم وثائقي لشبكة ” دويتشه فيله “
“السيدة ميركل ستبقى في الذاكرة كقائدة أوروبية عظيمة”، هذا ما يؤكده الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، الذي قال في وثائقي أعدته شبكة “DW” الإعلامية بعنوان “أنغيلا ميركل – الإبحار في عالم كثير الأزمات”: “لقد حافظت على الاتحاد الأوروبي رغم الأزمات العديدة التي شهدناها”.
ويوافقه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، بقوله: “ما يزال الاحتفاظ بوحدة الصف إنجازاً رائعاً، وذلك في مرحلة قد تكون من أصعب المراحل التي مرت بها أوروبا”، فقد ودّعت بريطانيا الاتحاد الأوروبي خلال فترة ولاية ميركل، رغم أن المستشارة الألمانية كانت ترغب في تجنب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحاولت منع البريطانيين من ذلك عبر تقديم تنازلات لخليفة بلير، ديفيد كاميرون.
ويعد تسجيل حصيلة سياسية لمدة 16 عاماً لأنغيلا ميركل ليس بالمهمة السهلة، لذلك، تحدث وثائقي شبكة “DW” مع أولئك الذين تشاركت معهم المستشارة ميركل أحداث المسرح السياسي العالمي على مدار الـ16 عاماً الماضية، وقدم العديد من رؤساء الدول والحكومات السابقين من جميع أنحاء العالم، وكذلك مؤرخون وصحفيون عالميون، في مقابلات طويلة رؤى حصرية عن حقبة ميركل.
والوثائقي تبلغ مدته 87 دقيقة يجمعهم لأول مرة، وما يثير الانتباه أنه وعلى الرغم من الاختلافات السياسية في الرأي، تظهر جميع الشخصيات احتراماً لشخصية ميركل وأدائها.
وفي السنوات الـ16 الماضية، واجهت المستشارة، تماماً مثل رؤساء الدول والحكومات الأخرى، عدداً من الأزمات الدولية: الأزمة المالية العالمية منذ عام 2007، وأزمة اليورو واليونان، والاضطرابات (أحداث الربيع العربي) في العالم العربي، والصراعات الدموية في ليبيا وسوريا واليمن، وأزمة أوكرانيا، وأزمة اللاجئين، وتفشي الشعبوية، والخلافات مع حكومة الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، وآخرها أزمة كورونا والانسحاب الفاشل من أفغانستان.
ولم يكن أحد يتوقع هذه الأحداث، وقد أجبرت أنغيلا ميركل مراراً وتكراراً على القيام بردود أفعال أكثر من القيام بأفعال، لكنها قامت بعمل جيد، كما يعتقد طوني بلير، ويقول: “إنها من النوع الذي يحل المشاكل، إنها تدير المواقف الصعبة.. هذه القدرة أبقتها في المنصب لفترة طويلة”.
ويقول المؤرخ البريطاني نيال فيرغسون، في الوثائقي: “لا أحد يستطيع أن ينكر حنكة أنغيلا ميركل السياسية ولا قدراتها السياسية وتألقها التكتيكي”، ويضيف: “ولكن أظن أن الرؤية الاستراتيجية كانت تنقصها”.
ووزير المالية اليوناني السابق، يانيس فاروفاكيس، أيضاً انتقد ميركل، “لافتقارها إلى الرؤية” فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، وقال فاروفاكيس إنه كان يود أن تكون المستشارة الألمانية “أوروبية شغوفة بأوروبا”، مع التزام أكبر بكثير بتطوير الاتحاد الأوروبي إلى اتحاد سياسي، على حد تعبيره. تلقت ميركل الكثير من الانتقادات الدولية بسبب انتظارها في البداية فيما يتعلق بتقديم المساعدات المالية لليونان المثقلة بالديون ثم مطالبتها الدولة الصغيرة بإجراءات تقشف صارمة، لكن في النهاية وافقت ميركل على تقديم مساعدات بالمليارات، معظمها من ألمانيا.
وعندما تدهورت العلاقات الأوروبية الروسية بشكل كبير عام 2013 نتيجة للصراعات العسكرية في سوريا وأوكرانيا، كانت هي من لم تقطع سبل الحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي حالة أوكرانيا، تمت مكافأة هذه الجهود باتفاق هش لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا في أوائل عام 2015، وأشاد الرئيس الروسي الأسبق ورئيس الوزراء لاحقاً ديميتري ميدفيديف بها كمفاوضة، وقال في الوثائقي: “لديها برأيي سمة شخصية جيدة للساسة عموماً، فهي تصغي بشكل جيد وتضبط نفسها”.
ومع ذلك، فقد أثارت أنغيلا ميركل حالةً من الاستقطاب، فعندما قررت في أواخر صيف عام 2015 عدم إغلاق الحدود أمام اللاجئين من سوريا ودول أخرى، قوبلت برفض كبير في ألمانيا، حتى في صفوف حزبها، لكن على الصعيد العالمي، حازت على الإعجاب في كل مكان تقريباً.
وقالت الملكة الأردنية رانيا، في الوثائقي: “أعلم أن هذا القرار لم يكن قراراً سهلاً على المستشارة ميركل”، وأضافت: “لقد تطلب اتخاذه الكثير من الشجاعة”.
ويتفق في ذلك الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، بقوله: “كان رد فعلي الأول: هذه امرأة ذات قلب كبير”.
لكن في أحد المجالات، يبدو أن ميركل لم تستطع أن تلبي المتطلبات، فقد قالت: “أرى أنني بذلت جهوداً كبيرة لحماية المناخ، ورغم ذلك فإن لدي ما يكفي من الفهم العلمي لكي أدرك أن الحقائق الموضوعية تُظهر أنه لا يمكن الاستمرار بهذه الوتيرة، وإنما يتعين العمل بشكل أسرع”، ملخصةً حصيلتها السياسية بشأن المناخ في تموز 2021.
ومع ذلك ، فإن الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر يتكلم عن أول مستشارة لجمهورية ألمانيا بحماس، ويقول: “أُقدِّرها بصفتها عملاً فنياً متكاملاً، لأنها تتشكل من أجزاء كثيرة”، مضيفاً أنها وخلال 16 عاماً “فعلت الكثير من الأشياء بشكل صحيح، ولم ترتكب أخطاء ذات شأن”. ورغم أنه رأي محل جدل، إلا أن هذا هو الحال غالباً مع الأعمال الفنية.
توماس هاسل – دويتشه فيله[ads3]