دويتشه فيله : المعركة الانتخابية .. الأحزاب الألمانية تستنسخ أفكاراً من بلدان أخرى
مع دخول السباق الانتخابي في ألمانيا مرحلته الأخيرة، إذ لم يتبق سوى أيام وتجرى الانتخابات البرلمانية العامة، قامت شبكة “DW” الإعلامية بالبحث والتحقيق في أفكار الأحزاب الرئيسية في البلاد والأفكار التي تم استعارتها ونسخها من دول أخرى.
وكشفت استطلاعات الرأي عن تدني شعبية الحزب المسيحي الديمقراطي إلى مستويات غير مسبوقة، ما دفع بعض ممثلي مرشح الحزب أرمين لاشيت إلى الخروج بأفكار جيدة ورائعة لتعزيز حضور الحزب في الشارع وتقوية شعبيته وقاعدته المحافظة وذلك منذ مطلع أيلول الجاري.
ومن بين تلك الأفكار ما طرحه سفين شولتز، زعيم الحزب بولاية ساكسونيا أنهالت، في مقابلة مع صحيفة “بيلد”، إذ قال إن الحزب كان يدرس منذ مدة إلزام العاطلين عن العمل منذ فترات طويلة بالقيام بأعمال تخدم المجتمع على سبيل المثال جمع القمامة وتنظيف الشوارع وحتى إزالة أوراق الأشجار المتساقطة في الشوارع.
ويبدو أن هذه الفكرة لاقت استحساناً وقبولاً لدى شخصيات محافظة بارزة من بينهم بوركارد دريغر، زعيم الكتلة البرلمانية للحزب في برلين، وميشائيل كوفر، المتحدث باسم السياسة الداخلية لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري، شقيق وحليف الحزب المسيحي الديمقراطي، لكن اللافت هو أن هذه الفكرة ربما كانت مستوحاة من حكومة الدنمارك، التي بدأت بالفعل في تنفيذ هذه المبادرة على أرض الواقع في محاولة لمساعدة المهاجرين على الاندماج في سوق العمل، بيد أن هذه المبادرة تعرضت لانتقادات كبيرة داخل الدنمارك إذ زعم البعض أن هذه المبادرة بعيدة كل البعد عن هدف مساعدة الناس على إيجاد فرص عمل، فيما قال آخرون إن السلطات المحلية المثقلة بالأعباء أخذت على عاتقها مسؤولية إيجاد فرص عمل للعاطلين أيّا كان هذا العمل.
أثار الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يتصدر استطلاعات الراي في الوقت الحالي، فكرة غير مثيرة للجدل لكنها في غاية الأهمية تتعلق بإصلاح نظام التقاعد، ويبدو أن العديد من السياسيين في ألمانيا ومنهم شخصيات داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي وجدت ضالتها في نموذج التقاعد في السويد بسبب أنه يتشابه كثيراً مع نظام التقاعد في ألمانيا، فهو مزيج بين معاشات القطاع العام والخاص وأيضاً معاشات الشركات، بيد أن ما يميز النموذج السويدي هو أن السويديين يدفعون مساهمة إضافية يتم وضعها في خزينة الدولة لكي يتم استثمارها في أسواق رأس المال.
ويبدو أن النموذج السويدى لاقى استحسانا لدى الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، لكن اللافت هو أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي يرغب في تطبيق جزء من هذا النموذج السويدي بشدة وهو قيام مؤسسات حكومية بتقديم عروض لمعاشات التقاعد الخاصة.
تخلفت ألمانيا كثيرا عن جيرانها الأوروبيين فيما يتعلق بحظر المواد الكيميائية شديدة الخطورة، لا سيما مادة “بيسفينول أ” (bisphenol A) سيئة السمعة والتي تُستخدم في صنع المنتجات البلاستيكية، مثل علب المواد الغذائية وقد ارتبطت هذه المادة الصناعية بحالات منها ضعف جودة الحيوانات المنوية عند الرجال والربو بل إنها قد تضر بخصوبة الأسماك.
وفي ظل هذا الأمر، حظرت وكالة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) استخدام هذه المادة في صنع زجاجات الرضاعة للأطفال، فيما صنفها الاتحاد الأوروبي بكونها “مادة مثيرة للقلق”، أما فرنسا فقد حظرت استخدام مادة “بيسفينول أ” منذ عام 2015، وهو القرار الذي استشهد به البيان الانتخابي لحزب الخضر لتأكيد الحرص على حماية المستهلكين.
وأكد الحزب الديمقراطي الحر (FDP) (الحزب الليبرالي) المؤيد للأعمال التجارية، على أن إصلاح نظام الرقمنة من أهم أهدافه الرئيسية التي يرغب في تحقيقها، وليس الحزب الديمقراطي الحر وحده من اعترف بأن البنية التحتية الرقمية ضعيفة في ألمانيا، فهناك أحزاب أخرى قالت إن هذا الأمر باتت قضية تهم الكثير من الناخبين، بيد أن خطط الحزب الديمقراطي الحر في هذا السياق أكثر طموحًا حيث تتضمن خطة شاملة لاندماج الذكاء الاصطناعي في النظام التعليمي بأسره.
ويُطلق على هذه الخطة اسم “تحليلات التعلم” وهي خطة يتم تنفيذها بالفعل في الولايات المتحدة والصين بهدف جمع كميات هائلة من البيانات حول الطلاب من أجل تحسين بيئة التعليم.
ويبدو أن الحزب الديمقراطي الحر يأخذ هذه الخطة على محمل الجد فقد ذكر برنامجه الانتخابي أن الذكاء الاصطناعي يوفر إمكانية إضفاء الطابع الشخصي على التعليم والتدريس للأطفال وصغار السن.
ويروج الحزب بروح الوطنية، إذ استخدم ألوان العلم الألماني في الملصقات الإعلانية، “نحن بلد في وضع جيد ويمكننا أن نفتخر بهذا البلد”، كما قال الأمين العام للحزب بيتر تاوب، ويتم التركيز في الحملة على قضايا مثل الأمن والأسرة والعمل.
ونظراً لأن قضية الخصوصية تشكل أهمية خاصة للألمان، فقد شدد الحزب على أنه يجب تطبيق هذه الخطة مع الأخذ في الحسبان وجود تدابير لحماية البيانات الشخصية بشكل صارم.
وليست الرقمنة وحدها ما دفعت الحزب الديمقراطي الحر إلى نسخ أفكار من بلدان أخرى، بل يبدو أيضاً أن قضية الهجرة دفعته لذلك، إذ أبدى الحزب اهتماماً بالنموذج الكندي للهجرة القائم على النقاط، وهو النموذج الذي تحمس لتطبيقه الكثير من السياسيين الألمان من أحزاب أخرى على مدار العقدين الماضيين.
ويُنظر إلى نظام الهجرة القائم على النقاط الذي يتم تطبيقه أيضاً في أستراليا، باعتباره طريقة مثالية لتنظيم الهجرة واستقطاب العمال المهرة والأفراد الذين يُرجح أن ينضموا إلى سوق العمل، وهذا الأمر ما أكد عليه الحزب الديمقراطي الحر في برنامجه الانتخابي، بقوله إن هذا النموذج من شأنه أن يستقطب المزيد من العمالة المهرة من خارج التكتل الأوروبي والتي باتت الشركات الألمانية في أمس الحاجة إليها حتى قبل أن يحصلوا على فرص عمل في ألمانيا.
وفي مطلع تموز الماضي، قالت جمعية الاستدامة والديمقراطية في أيسلندا (Alda) إن تجربة البلاد على امتداد سبع سنوات في تخفيض ساعات العمل قد حققت “نجاحاً باهراً”، وقد نالت التجربة استحساناً كبيراً من الموظفين، الذين قالوا إن الخطة ساعدتهم على تقليل التوتر وتحسين صحتهم، فيما لم يتذمر أرباب العمل من الخطة وتأثيرها على الإنتاجية إذ قد تأقلمت الشركات مع الخطة عن طريق تخفيض عدد الاجتماعات وإلغاء المهام غير الضرورية.
وخلال العام الماضي، طرح حزب اليسار الألماني فكرة العمل لمدة أربعة أيام ولاقى هذا الطرح اهتماما كبيراً من قبل وسائل الإعلام، بيد أن البرنامج الانتخابي لم يتطرق إلى هذا الطرح بشكل واضح، خلافاً لما جاء في المسودة الأولية، إذ استعاض الحزب عن ذلك، بقوله إنه يدعم “النقابات العمالية في نضالها من أجل تقليل ساعات العمل بشكل كبير إلى نحو 30 ساعة في الأسبوع”.
ولم تحظ أي بلد بهذا الاهتمام في البرنامج الانتخابي لحزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي مثلما حظيت به سويسرا، حيث تم ذكرها عدة مرات في البرنامج. وربما قد يرجع الأمر إلى أن مرشحة حزب البديل آليس فايدل تمتلك منزلاً في سويسرا، وزعم البرنامج الانتخابي للحزب الشعبوي أن سويسرا تمتلك نظاماً ضريبياً أفضل، يتضمن ضرائب أقل على الدخل فوق المتوسط فضلاً عن امتلاكها شبكة قطارات أفضل، على حسب زعم الحزب.
وعلى غرار سويسرا وبعض البلدان الأوروبية، يرغب حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي في حظر النقاب، إذ قال الحزب إنه يريد استيراد ما يسميه “النموذج السويسري” لإجراء الاستفتاءات، بل ذهب الحزب الشعبوي إلى القول بأن هذا الأمر سيعد شرطاً “غير قابل للتفاوض” في حالة الدخول في مفاوضات معه لتشكيل ائتلاف حكومي، لكن يجدر الإشارة إلى أن كافة الأحزاب الأخرى استبعدت التحالف مع الحزب.
ومن شأن تطبيق هذا “النموذج السويسري” أن يسمح للمواطنين العاديين بتقديم مقترحات لسن قوانين على الرغم من أن الأمر يكتنفه الكثير من الغموض حيال كيف يمكن لهذه المقترحات أن تصل إلى مرحلة الاستفتاء.
وليس النموذج السويسري وحده ما يلقى استحساناً من جانب حزب البديل، بل أيضاً نظام الهجرة في اليابان، الذي زعم الحزب أنه سيصب في صالح ألمانيا وسيحمي الهوية الوطنية، على حد قوله.
بن نايت – دويتشه فيله[ads3]