الألمان – العرب و الانتخابات البرلمانية .. الدوران في حلقة مفرغة ؟

مشهد اعتيادي فيما بعد عصر يوم خريفي في شارع “Sonnenallee”، أو ما بات يعرف بـ “شارع العرب” في برلين، حيث الاكتظاظ، والمحلات المزدحمة بالمتسوقين، والمطاعم تقدم الوجبات العربية الشهية، والمقاه الممتلئة بالزوار من مدخني الشيشة وشاربي القهوة والشاي ولاعبي الورق.

ولا شيء يدل على وجودك في ألمانيا إلا لافتات باللغة الألمانية من مختلف الأحجام تدعو للتصويت لشخصيات وأحزاب في الانتخابات المزمعة بعد أيام، في 26 أيلول 2021.

والملفت، هو بعض اللافتات باللغة العربية تدعو للتصويت بـ “نعم” على الاستفتاء الذي سيجري على هامش الانتخابات بخصوص تأميم شركات سكن خاصة.

ونادر خليل، وهو عضو نشيط في الحزب المسيحي الديمقراطي في برلين، أكد لشبكة “DW” الإعلامية أن “حزب ميركل” لم يرشح أي شخص من أصل عربي على قوائمه للبرلمان الاتحادي (بوندستاغ)، وعند سؤاله عن السبب: “هذا السؤال يوجه لقيادة الحزب.. أعتقد أن الحزب فشل في إدماج أعضائه العرب ودفعهم لمواقع أمامية”.

ورشيد أوعيسى (50 عاماً)، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماربورغ الألمانية، يرى، في تصريح لشبكة “DW”، أن الحزب المسيحي الديمقراطي شهد انفتاحاً في عهد ميركل، وخاصةً بعد استقبال اللاجئين السوريين وغيرهم منذ أعوام، ولكنه يستدرك: “كنت آمل بمزيد من الانفتاح، لكن الحزب المسيحي الديمقراطي يبقى هو الحزب المسيحي الديمقراطي: حزب محافظ”.

ويضيف الجزائري-الألماني أن هذا هو الذي “يدفع الأجانب، والعرب منهم، إلى الانضمام لأحزاب أكثر انفتاحاً عليهم”.

ويضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في عضويته أعداداً ليست بالقليلة من العرب والمنحدرين من أصول عربية، ودفع ببعضهم إلى مواقع أمامية في عدة ولايات، بيد أنه فيما يتعلق بترشيح أفراد من أصول عربية على قوائمه للبرلمان الاتحادي، فلا يبدو أن حاله أفضل بكثير من نظيره المسيحي الديمقراطي.

وقدم الحزب سناء عبدي (34 عاماً) على قائمته، وتنحدر سناء من أب ألماني وأم مغربية، ودرست القانون في مدينة كولونيا، غربي البلاد.

وعند الاطلاع على برنامجها المنشور على صفحتها في موقع الحزب، لم يتبين وجود اهتمام خاص بالأجانب والعرب غير ما تنص عليه سياسة الحزب العامة.

وآخر منشور باللغة العربية عبر صفحتها على “فيسبوك”، كان في 12 نيسان تهنئةً للمسلمين بقدوم شهر رمضان.

وقد حاولت شبكة “DW”، على مدار أيام، التواصل معها وبقنوات عدة، لكن لم يأتِ أي تجاوب من قبلها.

وتميز حزبا اليسار الألماني والخضر بترشيح العديد من الأسماء العربية على قوائمهما، وأبرز تلك الأسماء الرئيسة المشاركة للكتلة البرلمانية لحزب اليسار، أميرة محمد علي (41 عاماً)، المنحدرة من أب مصري.

وحزب الخضر رشح الكاتبة والباحثة في الدراسات الإسلامية، المولودة في 1978 في غرب البلاد، لميا قدور، على قائمته، وتدرّس لميا التربية الإسلامية في المدارس الألمانية، وتتركز جهودها في إدراج التربية الإسلامية في المدارس الألمانية، وتوصف بأنها تقف في المنتصف بين الرؤيتين العلمانية والتقليدية للإسلام.

وشاركت لميا، المنحدرة من أصل سوري، في تأسيس “الاتحاد الإسلامي-الليبرالي”، وهو جمعية تدعو لرؤية ليبرالية للإسلام، وترأست أول مجلس إدارة له.

وتقول لميا قدور، في تصريح خاص بشبكة “DW”: “أدعو إلى المساواة ومشاركة الجميع في وطن لجميع أبنائه”، ويطالب الحزب، بحسب قدور، بالتنوع وبتأسيس وزارة للهجرة والاندماج والتعددية اللغوية: “نحن نعيش في مجتمع مهاجر، يجب أن ندافع فيه عن بعضنا البعض، ونواجه معاً أعداء الديمقراطية”.

والألماني من أصل لبناني، أيمن ذبيان (57 عاماً)، قرر الترشح بشكل مستقل، ويبرر خطوته تلك: “لم تعطِ الأحزاب الألمانية للجالية العربية إلا الوعود، ومن ثم تدير ظهرها لنا بعد الانتخابات، والترشح كمستقل، يحررني من الالتزام بسياسة الحزب حين لا أكون مقتنعاً بها”.

وعن دوافعه للترشح، يقول أيمن ذبيان لشبكة “DW”: “أريد إيصال الصورة الصحيحة لمراكز القرار وللمجتمع الألماني عن الجالية بعيداً عن الصورة السلبية التي تركز على العصابات العربية والتهرب من الضرائب والتحايل على الدولة للحصول على أموال المساعدات”.

ويركز ذبيان في برنامجه على “تأمين السكن، وتحسين تمثيل العرب في الدوائر والوظائف الحكومية، ورفع سوية التعليم في المدارس”.

واعتذر بعض من تحدثت معهم شبكة “DW” عن التعبير عن رأيه في الانتخابات القادمة وفيما إذا كان سيشارك أم لا، وفسر أحدهم إحجامه عن المشاركة بجمل مقتضبة: “لا جدوى من التصويت، ستجري الأمور كما ستجري، سواء انتخبنا أم لم ننتخب.. لا يمكن الحديث عن يسار ويمين، إذ اختلطت الأوراق وتداخلت”.

وعبر أكثر من شخص عن نيته التصويت إما لحزب اليسار أو للخضر، لدورهما في دعم الأجانب والمهاجرين، بيد أن أحدهم قال لشبكة “DW” إن الحزبين يقدمان بعض المرشحين من العرب في قوائمهما على أمل “اجتذاب” أصوات الجالية العربية.

والألماني من أصل مصري، جورج حبيب، قال لشبكة “DW”: “سأشارك انطلاقاً من ولائي لهذا البلد وحرصي على المشاركة في صنع القرار السياسي”، ووصف جورج، وهو صاحب مدرسة لتعليم قيادة السيارات، نفسه من “المترددين”، إذ لم يحسم أمره لأي الأحزاب سيصوت، بيد أنه استبعد أحزاب اليسار والخضر و”البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، وبرر عدم تصويته للحزب الأخير بأنه “لا يعطي صوته للمعادين للأجانب”.

وتحدثت شبكة “DW” مع طبيب ألماني من أصل عربي، فضل عدم ذكر اسمه، فأكد أنه سيشارك ويعطي صوته للحزب المسيحي الديمقراطي أو للحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي): “الحزبان مع عدم رفع الضرائب وقادران أكثر من غيرهما على دفع عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل”.

وأُطلقت عدة مبادرات لتوعية الناخبين من أصول عربية في ألمانيا بأهمية المشاركة وببرامج الأحزاب وبتوابع جلوس أحزاب معادية للأجانب تحت قبة البرلمان.

والمهندس الألماني من أصل يمني، عبد الحميد المحفدي (28 عاماً)، أطلق مبادرة “الانتخابات الألمانية بعيون عربية”، وهي سلسلة من الندوات على برنامج “زووم”.

وعن دوافعه، يقول عبد الحميد، في تصريح خاص بشبكة “DW”: “بعد حصولي على الجنسية الألمانية، خطر في بالي السؤال التالي: لمن سأصوّت في الانتخابات القادمة؟، وللإجابة على هذا السؤال، كان لابد من معرفة البرامج الانتخابية للأحزاب الألمانية.. وعند سؤال الأصدقاء والمقربين، رأيت أن الأغلبية ليست لديهم احتكاك بالحياة السياسية الألمانية، ولا يعرفون حتى طريقة التصويت، ولم يذهبوا الى التصويت قط، رغم حصولهم على الجنسية الألمانية!”.

وعن التجاوب، يقول عبد الحميد: “من ناحية الضيوف، كان التجاوب من قبل السياسيين الألمان ذوي الأصول العربية دون المستوى، خاصةً من المنتمين للحزب المسيحي الديمقراطي، أما بالنسبة للجمهور، فكان التفاعل رائعاً، وتم طرح أسئلة قيمة على الضيوف، لكننا مازلنا نطمح إلى مشاركة أكبر وأكثر فعالية من الجالية العربية تجاه السياسة في ألمانيا بشكل عام”. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها