مع رحيل ميركل .. هل يمكن أن تنحرف ألمانيا حقاً نحو اليسار ؟
قاد التحالف المسيحي (يمين الوسط) في ألمانيا أربع حكومات متتالية بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل على مدار الـ16 عاما الماضية، لكن ليس من المستبعد أن يتغير هذا الوضع بعد الانتخابات العامة المقررة بعد غد الأحد: فإذا كانت استطلاعات الرأي الحالية دقيقة فعلا، ولم يكسب المحافظون الأرض بسرعة، فقد تنحرف ألمانيا بشكل كبير نحو اليسار.
ويحذر النقاد من أن انتخابات البرلمان الاتحادي (البوندستاج) قد تسفر عن تشكيل ائتلاف حاكم يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار الوسط)، وحزب الخضر، وحزب اليسار (يسار متشدد).
هل يمكن فعلا أن يحدث ذلك؟ بعد تنحية تأثيرات التهويل السياسي المتوقعة من الحملة الانتخابية، تفحصت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) العديد من الأسباب الملموسة التي قد تجعل تحالفا يساريا بين الأحزاب الثلاثة ممكنا أو غير ممكن.
1- التحالف بين الاشتراكيين والخضر واليسار لا يحظى بشعبية في استطلاعات الرأي وفقا لاستطلاع أجرته القناة الثانية في التليفزيون الألماني “زد دي إف”، فإن هذا الائتلاف هو الأكثر رفضا بين الألمان في التحالفات المحتملة بعد الانتخابات العامة، حيث ينظر 56% من الذين شملهم الاستطلاع لمثل هذا الائتلاف على نحو سلبي، بينما بلغت نسبة من ينظرون إليه بشكل إيجابي 28% فقط.
2- اليسار ضعيف
يكافح حزب اليسار من أجل الحفاظ على شعبيته بين الجمهور، حتى في معاقله في شرق ألمانيا، وسيكون شريكا ضعيفا بنفوذ محدود في أي ائتلاف حكومي اتحادي. وإذا صحت استطلاعات الرأي قد ينخفض التأييد الشعبي للحزب من 2ر9% التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة التي أجريت نهاية عام 2017 إلى 6% في انتخابات 26 سبتمبر 2021.
ويقول العالم السياسي أندره برودوتش: “باستثناء ولاية تورينجن، خسر حزب اليسار قدرا كبيرا من التأييد في شرق ألمانيا”، مشيرا إلى أنه كانت هناك منافسة قوية من حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف في الشرق، على الرغم من أن الحزبين في أقصى طرفي الطيف السياسي في ألمانيا.
3- التحذيرات المحافظة تصيب الهدف
يقول برودوتش إن تحذيرات الجناح اليميني حول المخاطر الأمنية المحتملة حال تم تشكيل حكومة يسارية متشددة قد عفا عليها الزمن، لكنها رغم ذلك “تسلط الضوء إلى حد ما على حزب اليسار”.
ويشمل ذلك التركيز على سياسات الحزب، مثل دعم حل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والرغبة في فرض حظر على صادرات الأسلحة. ويتمسك حزب اليسار حتى الآن ببيانه الرسمي، على الرغم من بعض الإشارات الصغيرة التي قد تنم عن استعداده للتفاوض.
4- التحالف بين اليسار والاشتراكيين والخضر قائم على مستوى الولايات منذ سنوات، فرئيس حكومة ولاية تورينجن الواقعة شرقي ألمانيا من حزب اليسار، ويترأس ائتلافا حاكما يضم أيضا الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ عام 2014. وقد عرض رئيس حكومة تورينجن نفسه مؤخرا كمفاوض في أي محادثات ائتلافية مستقبلية على المستوى الاتحادي.
وفي العاصمة برلين، يقود الولاية عمدة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ائتلاف حاكم مع حزبي الخضر واليسار – لكن المرشح الحالي للاشتراكيين لمنصب العمودية في برلين لم يبدو خلال الحملة الانتخابية المحلية للولاية حريصا للغاية على فكرة استمرار هذا الائتلاف.
وفي عام 1994 شكل الاشتراكيون والخضر ائتلافا حاكما في ولاية سكسونيا-أنهالت شرقي ألمانيا بدعم محدود من حزب “حزب الاشتراكية الديمقراطية” (بي دي إس)، وهو حزب ألماني شرقي انضم لاحقا إلى حزب اليسار.
5- عقبات إضافية على المستوى الاتحادي
إن الدفاع والسياسة الخارجية لحزب اليسار على المستوى الاتحادي يمثلان نقطة شائكة رئيسية. وقد صرح أولاف شولتس، مرشح الاشتراكيين للمنافسة على المستشارية، بأنه سيطالب بالتزام واضح تجاه الناتو من أي شريك في تحالف حكومي محتمل.
ووصف رئيس الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، ديتمار بارتش، ذلك بأنه “اعتراف هراء” لا ينبغي أن يقف في طريق تشكيل حكومة مشتركة. ويشير نواب برلمانيون آخرون في حزب اليسار إلى أن بعض سياسات الحزب قد تكون “قابلة للتفاوض”.
وعلى الرغم من وجود الكثير من القواسم المشتركة مع الاشتراكيين والخضر حول السياسة الداخلية، والتي حرص حزب اليسار على التأكيد عليها في الأسابيع الأخيرة خلال الحملة الانتخابية – مع إشارات قوية من قادة اليسار بأنهم يريدون أن يكونوا في الحكومة المقبلة – يتشكك برودوتش إزاء إمكانية مشاركة اليسار في ائتلاف حكومي اتحادي، وقال: “في النهاية سيتعين على حزب اليسار أن يقرر ما إذا كان يريد ابتلاع “ضفدع الناتو” الضخم للغاية ذي اللون الزيتوني”.
ويرى برودوتش أن تشكيل تحالف ثلاثي بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) هو الأكثر ترجيحا، على الرغم من التصريحات المهينة التي أدلى بها رئيس الحزب الديمقراطي الحر، كريستيان ليندنر، بشأن هذه الفكرة. (DPA)[ads3]