ألمانيا : ما هو موقف الحزب الفائز في الانتخابات من الهجرة ؟
أسفرت نتائج الانتخابات الفيدرالية في ألمانيا عن فوز حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، المنتمي إلى يسار الوسط، على منافسه حزب الاتحاد المسيحي الحاكم بفارق ضئيل، مما قد يرفع من حظوظه في تشكيل حكومة ائتلافية جديدة، من المتوقع أن تضم حزب الخضر، الذي جاء في المركز الثالث بنسبة 14.8% من الأصوات، محققاً بذلك أفضل نتيجة في تاريخه، إضافة إلى حزب الليبراليين.
وكان أولاف شولتس، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، استغل منصبه كوزير للمالية في حكومة أنغيلا ميركل، ليظهر نفسه كزعيم سياسي قادر على مواجهة الأزمات، وقد برزت قضايا الإصلاح الاقتصادي بعد جائحة كورونا، وأزمة التغير المناخي، بما في ذلك التعهد بتعويضات مجزية لضحايا الفيضانات التي ضربت ألمانيا هذا الصيف، فضلاً عن قضايا الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل لفترة طويلة ورفع الحد الأدنى للأجور، كأبرز الموضوعات التي طرحها الحزب في برنامجه الانتخابي.
وفي بلد يضم حوالي 60.4 مليون شخص يحق له التصويت في الانتخابات الوطنية الألمانية هذا العام، من بينهم 7.4 مليون مواطن من أصول مهاجرة، هذا عدا عن المهاجرين الذين سيحصلون مستقبلاً على الجنسية، وبالتالي الحق في التصويت، شكلت سياسة الحزب نحو قضية الهجرة موضوعاً جديراً بالاهتمام داخل مجتمعات المهاجرين وبين عموم الألمان.
وتبنى الحزب الاشتراكي الديمقراطي تاريخياً موقفاً إيجابياً من قضية الهجرة، إذ يضم بين صفوف مرشحيه لعضوية البرلمان عدداً من المرشحين من خلفيات مهاجرة.
وخلال ذروة أزمة المهاجرين التي واجهت أوروبا عام 2015، قدم الحزب، بصفته عضواً في الائتلاف الحاكم، خطةً من خمس نقاط، طرح عبرها رؤيته للطريقة المثلى للتعامل مع الأزمة، حيث دعا إلى القيام بالمزيد من الخطوات لمكافحة أسباب فرار الناس من أوطانهم، كما نادى بضرورة التعامل مع أزمة المهاجرين عبر التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي وتحمل الأعباء فيما بينها، لكنه في الوقت ذاته طالب بتشديد الرقابة على حدود الاتحاد وبضرورة وضع قانون ألماني ينظم الهجرة إلى البلاد.
وبينما تضمن البرنامج الانتخابي للحزب في الانتخابات الحالية تأكيداً على ضرورة التضامن مع اللاجئين وتطوير نظام أوروبي “إنساني” للتعامل مع قضية الهجرة واللجوء، إلا أنه يمكن القول إن سياسة الحزب تجاه المهاجرين في السنوات الأخيرة لم تشهد اختلافاً جوهرياً عن السياسة التي اتبعها حزب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
ففي نيسان الماضي، أعلنت الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي أنها ترى أن حل قضية الهجرة يكمن في المزج بين الإسراع في إنجاز إجراءات اللجوء والترحيل على حد سواء، وإفساح مزيد من الفرص أمام الهجرة الشرعية المدروسة، مشددةً على أن الحصول على الحماية الإنسانية يجب أن يتم على أساس القوانين الألمانية، وإلا فعلى من لا يستوفي الشروط مغادرة البلاد، كما عبر سياسيون في كل من حزبي الاتحاد المسيحي والاشتراكيين الديمقراطيين عن رفضهم إعادة توطين المهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا في بلادهم في تطور عن الموقف الرسمي للحزب سابقًا، والذي دعا إلى مساعدة إيطاليا واليونان في التعامل مع أفواج المهاجرين القادمة إليهما من خارج الاتحاد، أما فيما يتعلق بقضية اللاجئين الأفغان التي طرحت مؤخراً، فقد عارض الحزب سياسة الحكومة الداعية إلى دعم دول جوار أفغانستان للتعامل مع موجات الهجرة التي عرفتها البلاد بعد عودة حركة “طالبان” إلى السلطة، إذ دعا المتحدث باسم الحزب لقضايا الهجرة، لارس كاستيلوتشي، إلى زيادة برامج التوطين التي يتم التنسيق بشأنها أوروبياً لمساعدة من يحتاج على الوصول إلى بر الأمان.
ويتقاطع هذا الموقف من قضية اللاجئين الأفغان مع الموقف العام الذي يتبناه حزب الخضر من قضية اللجوء، حيث كانت المتحدثة باسم سياسة اللجوء في حزب الخضر، لويزا أمتسبيرغ، قد انتقدت قبول عدد قليل من طالبي اللجوء، واقترحت أن تقوم وكالة أوروبية بتوزيع طالبي اللجوء على دول الاتحاد الأوروبي، كما أكدت الكتلة النيابية لحزب الخضر أنها تتبنى مسؤوليتها الإنسانية وتضمن الحماية لكل من تعرض للملاحقة السياسية أو فر من ويلات الحرب.
ولعل التحالف المتوقع مع حزب الخضر، يترك أثراً على سياسة ألمانيا المستقبلية تجاه المهاجرين.
لكن كيف نشأ الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي يعتبر من أقدم الأحزاب السياسية في ألمانيا؟.
يعود أصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى اندماج الاتحاد العام للعمال في ألمانيا عام 1875، بقيادة فرديناند لاسال، مع حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي برئاسة أوغست بيبل وويلهلم ليبكنخت، المتأثر بأفكار كارل ماركس.
وفي عام 1890، أعلن عن تأسيس الحزب رسمياً تحت اسمه الحالي.
وفي سنواته الأولى، عانى الحزب من أزمات داخلية حادة نتيجة الخلافات بين قياديه حول موضوع الإصلاح والثورة، ففي حين رأى الإصلاحيون أن تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية للطبقة العاملة ممكن من خلال انتخابات ومؤسسات ديمقراطية، دون اشتراط وقوع ثورة والدخول في صراع طبقي عنيف، أصر الماركسيون على أن الانتخابات الحرة والحقوق المدنية لن تخلق مجتمعاً اشتراكياً حقيقياً، وأن الطبقة الحاكمة لن تتنازل عن السلطة من دون قتال، كما تعرض الحزب للاضطهاد من قبل الحكومة الألمانية بقيادة أوتو فون بسمارك، واعتبرت النخب الألمانية في أواخر القرن التاسع عشر وجود حزب اشتراكي بمثابة تهديد لأمن واستقرار الرايخ الموحد حديثاً، وتم حظر الحزب رسمياً منذ عام 1878 إلى عام 1890، لكن الحزب تابع عقد اجتماعات وتوزيع مطبوعات، واجتذب دعماً متزايداً، وبحلول عام 1912، كان الحزب الأكبر في الـ”رايخستاغ” الألماني، وحصل على أكثر من ثلث أصوات الناخبين، لكن بعد هزيمة ألمانية الكارثية في الحرب العالمية الأولى عام 1914، حدث انقسام داخلي في الحزب، وشكل الوسطيون بقيادة كارل كاوتسكي الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل، وأما اليسار، فشكل تحت قيادة روزا لوكسمبورغ “رابطة سبارتاكوس”، التي أصبحت في كانون الأول عام 1918 الحزب الشيوعي الألماني، الذي حُلّ لاحقاً عام 1919.
وبعد الحرب العالمية الأولى، لعب الحزب الاشتراكي الديمقراطي دوراً مركزياً في تشكيل جمهورية فايمار، التي قامت في أعقاب الهزيمة، وانتخب زعيمه فردريش إيبرت أول رئيس لها.
وبعد صعود أدولف هتلر والحزب النازي إلى السلطة، حُظِرَ الحزب رسمياً عام 1933، وسُجِنَ وعُذِّب معظم أعضائه.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، انقسم الحزب إلى حزب شرقي اتحد مع الحزب الشيوعي تحت اسم حزب الوحدة الاشتراكية الذي حكم ألمانيا الشرقية حتى عام 1989، وحزب آخر غربي، وقد تخلى الحزب في ألمانيا الغربية عن الماركسية نهائياً بعد الحرب العالمية الثانية، وتوجه نحو الفكر الاشتراكي الليبرالي، وانضم عام 1951 إلى منظمة الأممية الاشتراكية.
ومن أبرز الشخصيات في تاريخ الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، زعيمه فيلي برانت، الحاصل على جائزة نوبل للسلام والخصم العنيد للنازية، والذي شغل منصب مستشار جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) من عام 1969 إلى عام 1974، وهو يعتبر السياسي الذي عبد الطريق أمام توحيد الألمانيتين.
وتبنى برانت سياسة تخفيف التوتر لمنع تفاقم الخلاف مع دول أوروبا الشرقية من جهة، وإرضاء الدول التي تضررت من ألمانيا النازية من جهة أخرى، وقام في آذار عام 1970 بزيارة تاريخية إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وكسر حاجز المحرّمات في العلاقات بين البلدين.
ومن أبرز المحطات في مسيرة برانت زيارته للعاصمة البولندية وارسو عام 1970، وركوعه أمام النصب التذكاري لضحايا الهولوكوست، وقد نال بعدها جائزة نوبل للسلام عام 1971.
ورغم تعرض برانت لانتقادات، فإن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني فاز بعد سنتين من تلك الحادثة بالانتخابات بنسبة 46%، واستمر في حكم ألمانيا الغربية حتى عام 1982، عندما هزم على يد منافسه الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
وبعد 16 عاماً من حكم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة هيلموت كول، فاز الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني بزعامة غيرهارد فريتز كورت شرودر في انتخابات عام 1998، وقاد حكومة تحالف مع حزب الخضر، وظل في السلطة إلى عام 2005، عند خسارته الانتخابات الاتحادية لصالح الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وتولي أنغيلا ميركل منصب المستشار.
وعلى عكس التوقعات، لم تكن خسارة الاشتراكيين الديمقراطيين حينها مدوية، إذ حقق 34.2% من الأصوات، مقابل 35.1 لصالح حزب ميركل.
وفازت رشا نصر، الألمانية من أصل سوري، خلال الانتخابات الأخيرة بمقعد في البرلمان الألماني، وكانت رشا قد انضمت إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 2017، كما حصلت لمياء قدور، التي تنتمي إلى عائلة سورية، هاجرت إلى ألمانيا في السبعينيات، على مقعد في البرلمان الاتحادي الألماني عن حزب الخضر، كما وصل جيان عمر إلى برلمان ولاية برلين، وهو سوري كردي، هاجر إلى ألمانيا عام 2005.
وكان كارامبا ديابي، الألماني من أصول سنغالية، عضواً في البرلمان الاتحادي عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ عام 2013، أما رائد صالح، وهو ألماني من أصل فلسطيني، فقد كان عضواً في مجلس النواب الإقليمي في برلين منذ عام 2006 عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي. (BBC)[ads3]