البرلمان الألماني الجديد .. ارتفاع نسبة النواب من أصول مهاجرة
عندما دخل أرماند تسورن لأول مرة لقاعة البرلمان الألماني (بوندستاغ) شعر بالخشوع، ويقول بهذا الخصوص: “إنها مسؤولية خاصة، تلك التي أصبحت أضطلع بها الآن، وأنا واع بهذا الأمر”.
ومنذ أيام قليلة، بدأ الشاب، المولود بالكاميرون والذي قدم إلى ألمانيا عندما كان عمره 12 عاماً، ممارسة مهامه في البرلمان كنائب عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وبذلك يعد تسورن واحداً من 735 نائباً نجحوا في دخول البرلمان الألماني، الذي أصبح أكثر تنوعاً، بعد الانتخابات الأخيرة التي جرت في 26 من أيلول 2021.
ويوضح تسورن ذلك في حوار مع شبكة “DW” الإعلامية: “عقدنا أول جلسة لكتلة حزبنا بالبرلمان.. كان هناك تنوع مذهل سواء على مستوى الأصل الذي ينحدر منه النواب أو الجنس أو المهن والسير الذاتية لهم.. كان من الرائع جداً مشاهدة ذلك”.
وأظهرت الأبحاث التي أجرتها “Mediendienst Integration ” حول النواب من أصول مهاجرة، أن 83 من النواب الذين انتخبوا حديثاً في البرلمان الألماني ينحدرون من أصول أجنبية، سواء كلياً أو أن أحد والديهم لم يكن يحمل الجنسية الألمانية بالولادة.
وتقول دينيس نيرغيز، المديرة الإدارية للمجلس الاتحادي للهجرة والاندماج، في حوار مع شبكة “DW”: “نرى تطوراً إيجابياً فيما يخص تنوع النواب في البرلمان، والأكثر إيجابية هو ظهور المزيد من التنوع داخل المجموعة، فعلى سبيل المثال أصبحنا نرى عدداً أكبر من السياسيين من أصول إفريقية أو تركية”.
ونسبة النواب ممن ينحدرون من أصول أجنبية أصبحت تبلغ 11.3%، مقارنةً بـ8.2% بالبرلمان السابق.
وبحسب بحث أجراه معهد “Mediendienst Integration”، فإن حزب اليسار لديه أعلى نسبة من النواب من أصول مهاجرة، وتبلغ 28.2% من مجموع نوابه، وفي المرتبة الأخيرة تأتي كتلة التحالف المسيحي، بنسبة 4.6%، أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي ينتمي إليه أرماند تسورن، فيأتي في المرتبة الثانية بـ17%، وهو أمر لا يدعو للاستغراب، بحسب تسورن، الذي يقول بهذا الخصوص: “أعتقد أن ذلك يعكس روح العصر، وعلى جميع الأحزاب أن تفتح أبوابها.. لم نصل بعد لما نصبو إليه، لكني أعتقد أن الأحزاب فهمت ذلك”.
وهو ما تؤكده أيضاً دينتس نيرغيز، التي كانت أطروحتها للدكتوراة حول السياسيين والسياسيات من أصول أجنبية، وتقول: “الأحزاب خلقت حيزاً أكبر للأشخاص من خلفية مهاجرة، وفي الانتخابات الأخيرة، لم تكتف الأحزاب بتقديمهم كمرشحين مباشرين بل وضعتهم وبأعداد كبيرة في قائمة المرشحين ضمن اللوائح الحزبية، ما سهل عليهم بطبيعة الحال الوصول للبرلمان”.
وهذا بخلاف العشر سنوات الأخيرة، حيث كان المرشحون من أصول أجنبية يتذيلون قوائم أحزبهم، ما كان يجعل حظوظهم في دخول البرلمان صعبة، وهذا الأمر تغير، بحسب نيرغيز.
وخاض أرماند تسورن حملةً انتخابيةً طويلةً وشاقةً، وكان يجوب دائرته الانتخابية ويطرق أبواب الناخبين، كما يقول، وقد أتى هذا الأمر أكله، فقد نجح السياسي الشاب في الفوز في دائرته الانتخابية في فرانكفورت بمقعد مباشر، متفوقاً على منافسه من الحزب المسيحي الديمقراطي، وهو ما نجح فيه أيضاً مرشح عن حزب الخضر بدائرة انتخابية تابعة لفرانكفورت أيضاً، وعن ذلك، يقول تسورن: “هذه إشارة جيدة، سواء لمدينة فرانكفورت أو لألمانيا ككل.. أوميد نوريبور هاجر من إيران لألمانيا عندما كان يبلغ من العمر 13 عاماً، وأنا عندما كان عمري 12 عاماً قدمت من الكاميرون، وكوننا نجحنا معاً في الحصول على مقعدين مباشرين في البرلمان، فهذا أمر يجعلنا فخورين ومتواضعين”.
ويضيف النائب الشاب: “هذا يمنحنا ثقةً في المستقبل، لأنه يظهر أن مجتمعنا هو مجتمع متنوع لا يهم فيه من أين أتيت بل إلى أين تذهب”.
ويوضح تسورن بأنه عاش مجموعة من التجارب الإيجابية في الأسابيع الماضية، “خلال الحملة الانتخابية، وجدت أيضًا أنه من الجيد جدًا أن لون بشرتي لم يكن المحور الرئيسي.. لم يكن الأمر يتعلق بكوني من ذوي البشرة السمراء، أو أنني أسود، ولكن الأمر كان يتعلق بشخصيتي.. كان الأمر يتعلق بكفاءتي في مجال الرقمنة والسياسة الاقتصادية والمالية، وكان يتم سؤالي كثيراً عما أعتزم فعله”.
وتؤكد الباحثة في علم الاجتماع نيرغيز أنه من المهم أن لا يُنظر للسياسيين والسياسيات من أصول أجنبية فقط أنهم، وإنما ينبغي أن ينظر إليهم كساسة ألمان عاديين لهم كفاءات في مجالات مختلفة، وعلاوة على ذلك، فإن هؤلاء النواب بالتحديد هم الذين يساهمون في جعل قضايا مثل الهجرة تعالج بطريقة مختلفة في البرلمانالألماني وتحظى بمزيد من الاهتمام.
وتقول نرغيز إن السياسيين “ربما يتحدثون بشكل مختلف تمامًا عن الظروف في مأوى اللاجئين، بالمقارنة مع نائب برلماني ربما يكون قد نشأ هناك”.
ويبلغ تسورن من العمر 33 عاماً، وهو بذلك من النواب الشباب في البرلمان الألماني، وهذا أمر ليس بالغريب بالنسبة للنواب الجدد من أصول أجنبية، تقول نرغيز: “عندما تنظر إلى قائمة النواب من أصول أجنبية، ستلاحظ أن عدداً كبيراً منهم هم شباب، ولديهم مسيرة مهنية متميزة”.
ومن بين هؤلاء النواب الشباب من أصول مهاجرة، نجد سناء عبدي من مدينة كولونيا، والبالغة من العمر 34 عاما.
وعبدي تنشط في الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ 12 عاماً، وتدير مجلس الإدارة المحلي للحزب.
وتقول الخبيرة في علم الاجتماع، نيرغيز: “يتمتع هذا الجيل الجديد بمزايا أكثر بكثير من الجيل الأول أو الثاني من المهاجرين، فهم في الغالب تكونوا في النظام التعليمي الألماني وينسجون شبكات علاقات أخرى تتجاوز حدود الأحزاب وتدعمهم في مسيرتهم”، فعلى سبيل المثال، وجد أرماند تسورن الدعم في مبادرة “Brand New Bundestag”، وهي مجموعة من النشطاء في المجتمع المدني قدمت الدعم لأحد عشر مرشحًا، ماليًا ولوجستيًا، في الحملة الانتخابية، وثلاثة من الأحد عشر الذين تم دعمهم وصلوا بالفعل إلى البرلمان.
وعلى الرغم من التطورات الإيجابية، ما تزال هناك العديد من العقبات أمام الأشخاص من أصول مهاجرة في ألمانيا، كما تقول نرغيز، وتُذكر بقضية طارق الاوس، الذي سحب ترشيحه بسبب العداء العنصري الكبير الذي تعرض له.
وتضيف الباحثة في علم الاجتماع: “الكثير من الأشخاص من ذوي الأصول المهاجرة يمرون بهذا الأمر، وهو تخوف مشروع يدفع للانسحاب، وللأسف لم تقدم الأحزاب لحد الآن أي جواب عن كيفية الحيلولة دون وقوف العنصرية كحاجز أمام الانخراط السياسي”.
وسيتضح الآن ما إذا كان الاتجاه الإيجابي في البرلمان الألماني الجديد سيتواصل، وما إذا كان سينعكس على قضايا بعينها مثل المشاركة والتمثيل، كأن تكون هذه الأمور شروطاً في مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي أو في اختيار أشخاص من أصول أجنبية لمناصب محددة.
وهذا الأمر الأخير قد يحدث، إذ توجد هناك مناقشات بخصوص تولي نائبة الحزب الاشتراكي من أصول تركية أيدان أوزغوتس لمنصب رئيسة البرلمان، وهو المنصب الذي يعتبر من الناحية الشكلية ثاني أهم منصب في ألمانيا.
ليزا هينيل – دويتشه فيله[ads3]