أبو عمار الفرواتي .. ” صديق الشتاء ” ينعى مهنته في حمص القديمة ( فيديو )
يجلس أبو عمار بجانب محله، مستسلما لأشعة الشمس الساقطة عبر فتحات السوق المسقوف في أسواق حمص القديمة.
منتظرًا عودة التيار الكهربائي لإنجاز سلسلة من المهام، ينكب الرجل الستيني على خياطة فروة جلد صوف بطريقة يدوية، ورغم جلوسه لساعات طوال، إلا أن التعب وكبر سنه، لم ينالا من قدرته على حياكة القطعة.
يعمل أبو عمار، واسمه زياد الحسين، في مهنة “الفرواتي” منذ طفولته، ورثها عن أبيه وجده، وهو اليوم يتنقل لكسب رزقه، بين ورشته في حي باب عمرو، وبين محله في سوق الفرو وسط المدينة.
“فقد سوق الفرو أغلب (معلمي) المهنة خلال فترة الحرب، منهم من وافته المنية، وآخر هاجر أو ترك المهنة”، هكذا يختزل أبو عمار حال المهنة التي يحذر من تهددها بالاندثار.
والفرواتي مهنة يدوية قديمة يتلخص عملها الأساسي بتحويل جلد الخراف إلى لباس شعبي تسمى “العباية ” و”النصية”، حيث تخضع تلك الجلود لمراحل تصنيعية عدة حتى تصبح جاهزة للحياكة والاستخدام للوقاية من البرد، فيما يستخدمها البعض على سبيل الزينة أو لفرشها في أرضيات المنازل، في الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن جلود الخراف المعالجة تمنح طاقة ايجابية حين يتم تعليقها على جدران المنزل.
يقول الفرواتي أبو عمار لوكالة “سبوتنيك”: “أعمل بهذه المهنة من حوالي 40 سنة، ورثتها عن أبي وجدي، وقبل الحرب كان سوق الفرو يضم أكثر من 100 فرواتي”.
وبلهجته الحمصية الشهيرة التي تتميز بلفظ حرف (الجيم) كحرف (J) بالإنجليزية إذا جاءت في أول الكلمة، وضم قسري لأول حرف في الكلمة، يضيف أبو عمار: “(انقرضوا).. اليوم ما في غير 4 عم يشتغلوا بالسوق” ملقيا باللائمة على ظروف الحرب التي أثرت على كل المهن.
أبو عمار الفرواتي الذي عاد إلى سوقه حال سمحت الظروف الأمنية بذلك، يصف علاقته بالمهنة على أنها روحه التي لا يستطيع مغادرتها حتى وهو مريض، وبشيء من اللوعة يضيف: “لا أحد من أولادي قبِل العمل بهذه المصلحة (يقصد المهنة)، لأنها متعبة ويدوية”، لافتا إلى أن “المتعب في المهنة غسيل جلد الخروف أما الأصعب فهو شد الجلد بالأيدي”.
ضعف نظره لم يمنعه من استمراره بمزاولة المهنة الصعبة ويحاول مرارا إدخال الخيط في الإبرة مكملا حديثه لـ “سبوتنيك” وهو يبتسم: “كنت سابقا اُدخل الخيط في (خرم) الإبرة وأنا نائم.. قبل أن يستطرد ممازحا بروحه الحمصية الشهيرة بالطرافة: “اليوم.. أصبحت أضع نظارتين فوق بعضهم البعض، لأتمكن من إدخال الخيط أو شك الإبرة في الجلد”.
يوضح أبو عمار أن “صناعة الفرو تمر بمراحل عدة من غسيله إلى عملية وضع الملح و”الشبة” وتجفيفه ثم بشره والمرحلة الأخيرة التفصيل بحسب الطلب بمقاسات مختلفة أو تفصيل يناسب بعض المقاسات، مبيناً انه يطلب حاليا “فروات” ناعمة لكنها غير موجودة لعدم توافر جلد خروف (طرح) حديث الولادة مشيراً أن الفروة الناعمة تطلب كهدايا ولشيوخ العرب”.
مهنة “الفرواتي” شارفت على الاندثار لتراجع عدد حرفييها ودخول الفرو الصناعي كمنافس قوي يلبي رغبة الكثير من الزبائن، ووفق أبو عمار، فإن مهنته التي تعد صديقة فصل الشتاء، تمنح منتجا استثنائيا من الصعوبة مجاراته، لأن الفرو الطبيعي يعطي دفء لا يميزه إلا من لبس منه.. فالفرق كبير بين الطبيعي والصناعي في تدفئة الجسم، ولهذا يستخدمه رعاة الأغنام في الجو البارد كلباس وفرشة ومخدة ولحاف في آن معا”.
بالرغم من حالة أبو عمار الصحية من ضعف نظر والم الظهر الذي يرافق تقدمه في العمر، كان ينجز يوميا أكثر من قطعتين إلا أن الظروف التي تعيشها سوريا خفضت إنتاجه.
ويكمل “الفرواتي” حديثه بالقول: “كنت سابقا أنجز في اليوم ثلاثة قطع، أما حاليا فروه واحدة وأنجزها بصعوبة لعدم توافر الكهرباء، واستعين بضوء الشمس تحت سقف السوق لأكمل خياطتها، مستدركا القول: أكثر ما أحبه في المهنة الخياطة، فهي روحي ولا تتم إلا يدويا، مضيفا القول بثقة معلم الكار: لن استغني عن مهنتي حتى أموت وعندها سيغلق المحل ولا احد يعمل بها”.
تعد مهنة “الفرواتي” صناعة الفرو الطبيعي من أقدم المهن وتحتاج الكثير من الصبر والإتقان وبالرغم من منافسة الفرو الصناعي وغلاء أسعاره حيث تبدأ من 100 ألف إلى 500 ألف ليرة سورية للفروة الواحدة، وما زال الإقبال على اقتنائها كثيفا رغم الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني السوريون منها. (SPUTINK)
[ads3]